محاضرة للسيد موسى الصدر في عيد الغدير
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى الانبياء المرسلين وسلام الله على أوليائه واصحابهم الطيبين.
سيدي أبا الحسن ، عذراً وان جئت اعتذر ففيك تضطرب الاراء والفكر، ماذا اقول في ذكرى علي ، يقول في حقه زميله وصديقه الخليفة عمر بن الخطاب ، يقول : (لو أن البحر مداد والرياض أقلام والإنس كتّاب والجن حسّاب ما أحصوا فضائلك يا أبا الحسن ). وكان الخليفة ابو بكر ينظر كثيراً بوجه علي وحينما سئل عن ذلك قال سمعت رسول الله يقول 🙁 النظر إلى وجه علي عبادة ) .
هذا الرجل إذا أردنا أن نتكلم عنه فسوف لا نتمكن إلا أن نغترف غرفة من بحار فضله ولكن المناسبة مناسبة ليلة الغدير تخصص لنا حقلاً أحاول أن أوضحه وان اذكر اسناده وان افسر معانيه بصورة موجزة ، أما واقعة الغدير فكانت حين رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع في أواسط السنة العاشرة من الهجرة حينما وصلت الى غدير خم ، مكان تتشعب فيها طرق الحجاج من مختلف الاقطار في الجحفة كان الحجاج مجتمعين وكانت يوم الخميس الثامن عشر من شهر ذي الحجة وكان معه جموع من المسلمين حدده بعض أكابر المؤرخين بما يزيد على مئة ألف شخص ، قام فيهم خطيباً وقال ( الحمد لله نستعينه ونؤمن به، ونتوكل عليه ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا الذي لا هادي لمن ضلّ ولا مضلّ لمن هدى وأشهد أن لا اله الا الله وان محمداً عبده ورسوله أيها الناس اني اوشك ان أدعى فأجيب ، وأني مسؤول وأنتم مسؤولون فماذا أنتم قائلون . قالوا نشهد أنك بلغت ونصحت وجاهدت فجزاك الله خيرا . قال ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وأن جنته حق وأن ناره حق وأن الموت حق وأن الساعة أتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور . قالوا بلى . قال اللهم اشهد ثم قال فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين ، فنادى منادٍ وما الثقلان يا رسول الله قال الثقل الاكبر كتاب الله له طرف متصل الى الله وطرف الى أيديكم فتمسكوا به ولا تضلوا والاخر الاصغر عترتي وأن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض فسألت ذلك لهما ربي فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تكثروا عنهما فتهلكوا ثم اخذ بيد علي فرفعها حتى رؤي بياض إبطيهما وعرفه القوم أجمعون وقال ايها الناس من اولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم قالوا الله ورسوله أعلم قال أن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فعلي مولاه يقولها ثلاث مرات وفي لفظ الامام احمد بن حنبل في المستند أربع مرات ثم قال اللهم وال من والاه وعادِ من عاداه وأحب من أحبه وابغض من أبغضه وانصر من نصره واخذل من خذله وادر الحق معه كيفما دار ألاّ فليبلغ الشاهد الغائب ، فنزلت قبل تفرقهم الاية الكريمة اليوم اكملت دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا، فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الله اكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب ) هذه هي نص الواقعة نقلتها عن بعض الكتب المعتبرة وهو كتاب مسند للامام احمد بن حنبل أما سند الحديث فاستعرضه بصورة موجزة ذكر واقعة الغدير من المؤرخين اربعة وعشرين شخصاً من كبار المؤرخين منهم إبن قطيبة والطبري والبلاذري وابن عساكر وابن الاثير وابن خلدون وابن خلكان والعسقلاني والسيوطي .
ومن المحدثين ذكر الواقعة سبع وعشرين شخصاً منهم الامام الشافعي والامام احمد بن حنبل وابن ماجة والترمذي والنسائي والحاكم والقسطلاني وصاحب كنز العمال .
ومن ائمة المفكرين ذكر الواقعة احد عشر شخصاً منهم الطبري والثعلبي والقرطبي والفخر الرازي والنيسابوري والالوسي والسيوطي .
ومن ائمة المتكلمين ذكر الواقعة احدى عشر شخصاً منهم الباطلاني والجرجاني والبيضاوي والقرقزاني والكوفي .
ومن ائمة اللغة ذكر الواقعة ابن دريد في الجمهرة وابن الاثير في النهاية والحمري في معجم البلدان وغيرهم .
اما رواة الحديث من الاصحاب مئة وستة (او ثمان مئة وستة ) صحابي منهم الخليفتين ابو بكر وعُمر ومنهم السيدتان فاطمة وعائشة ومنهم الصحابي ابو هريرة ومن التابعين نقل الواقعة اربع وثمانون رجلاً ومن علماء القرن الثاني ست وخمسون والقرن الثالث اثنان وتسعون ومن القرن الرابع ثلاث واربعون ومن القرن الخامس ثلاث وعشرون ومن القرن السادس عشرون ومن القرن السابع عشرون ومن علماء القرن الثامن ثمانية عشر ومن علماء القرن التاسع خمسة عشر ومن علماء القرن العاشر اربعة عشر ومن علماء القرن الحادي عشر احدى عشر ومن علماء القرن الثاني عشر اثنا عشر ومن علما القرن الثالث عشر احدى عشر ومن علماء القرن الرابع عشر ثمانية منهم نقلوا الحديث على تفاصيله فلا مجال هناك للتشكيك في صحة السند .
أما المؤلفون في هذا الحقل فهناك ثمانية الى عشرين كتاباً في هذا الحديث منهم الطبري والانباري والشيباني والدار قطني والكراجكي والسيد حامد حسين الهندي والسيد عبد الحسين شرف الدين والشيخ الاميني المعاصر .
أما المدعون للتواتر الحديث فهم جماعة أهمهم الفخر الرازي . هذه خلاصة للاسناد التي تروي حديث الغدير ذكرتها للإخوان وللتذكير .
أما تأثير الغدير ومعنى الولاية التي أكد عليها رسول الله في هذا اليوم فيتلخص في بيان مقدمة . الدين أيها الإخوان يختلف عن التعليم ، الدين ليس كالتعليم يعلمه النبي للشعب ولقومه بل الدين عبارة عن تربية النفس لتغيير مفاهيمهم تغير إيمانهم تغير عقليتهم تغير عاداتهم وتغيير أعمالهم بعبارة مختصرة الدين محاولة لصنع الإنسان من جديد فبركة الإنسان . الإنسان الجاهلي كان يختلف عن الإنسان الذي يريد النبي محمد أن يصنعه في الأفكار في العقائد في الإيمان في العادات في الأعمال فلكي يتمكن من تغيير هذا الإنسان وصنعه من جديد حاول أن يربيه ولهذا تجد في حياة النبي وفي حياة كل نبي أنه يحاول لا النبي أن يحضر يوماً في المسجد فيأخذ الكتاب ويقرأ للناس ويقول هذا واجب وهذا حرام هذا مستحب وهذا مكروه هذا يجوز وهذا لا يجوز أبداً بالعكس ، هناك المحاولة لتربية الإنسان أذكر مثلاً مسألة الخمر في الإسلام ، الإسلام حرم الخمر ولكن ما حرمه دفعة واحدة وفي ساعة واحدة ، وكان هذا ممكناً أن يعلن عن تحريمه ساعة واحدة ولكن الخمر عادة في نفوس الناس منعه يجعل خللاً في نفوس المعتادين عليه ، فلكي يتمكن الناس من تركه بحاجة إلى توجيه وتربية ولها أن الإسلام ما حرم الخمر في أيام مكة حتى هاجر النبي وما حرم الخمر في السنة الأولى أو الثانية ما أباحه وما حرمه حتى حدث حادث ، خلاصة الحادث أن بعض كبار الصحابة كانوا مجتمعين في بيت عتبه بن مالك ، هناك شربوا الخمر وسكروا وحصل بينهم نزاع واشتد النزاع ، النزاع الذي حصل كان بين كبار زعماء القبائل ، سرعان ما احتشد أنصار كل زعيم الى شيخه فحصل ما لا يبشر بالخير وخافوا من وقوع الفتنة وكيان الامة في الإسلام لا يزال ضعيفاً فحصل استياء شديد في نفوس الناس بالنسبة الى هذه الواقعة التي كانت تهدد اعادة القوسية والخزرجية والمنازعات القبلية وكان تهدد كيان الإسلام ولهذا حصل استياء شديد والجميع يعلمون أن منشأ هذا النزاع السكر ، أستعدت النفوس لقبول حكم في هذا الحقل فنزلت المرحلة الاولى من تحريم الخمر (إنما يريد الشيطان ليوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر فهل أنتم منتهون ) ورد عتاب من الله ليس إلاّ ، فبدأ الناس يتساءلون عن الحكم ، شهر وشهرين وأكثر من ذلك نزلت المرحلة الثانية يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما أثم كبير ومنافع للناس واثمهما اكبر من نفعهما ، بعد ذلك وقع واقعة أخرى ، أحد الصحابة (كان) سكراناً فصلى في الناس جماعة أمّهم وكان يقرأ سورة الكافرون السورة التي تقول لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين فقرأ الامام السكران قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون وأنتم عابدون ما أعبد إلى أخر السورة بحذف كلمة لا من جميع الآيات حصل جراء ذلك استياء كبير فنزلت الاية الثالثة (يا أيها الناس لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولوا ) منعهم من شرب الخمر قبل أوقات الصلاة خمس مرات في النهار حتى صارت السنة الثالثة (او السادسة ) فنزلت الاية الرابعة أية التحريم (إنما الخمر والميسر والانصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ) .
وهكذا تجدون أن كل حكم في الإسلام يبدأ بالتدريج لأجل إقناع الناس وتربية الناس وهذا الاسلوب ظاهر في دعوة الرسول صلى الله عليه واله وسلم كما ورد ولهذا نزلت (الآيات)القرآنية في ثلاث وعشرين سنة ، هذه المقدمة تثبت أن النبي صلى الله عليه واله وسلم كان يحاول بأمر من الله أن يربي الناس وأن يصلح معتقداتهم وثقافتهم وأخلاقهم وأعمالهم لأجل ذلك خلق مجتمع صالح لان الإنسان يتأثر بمجتمعه فلو كان المجتمع ، المجتمع القبلي الجاهلي لا يمكن صنع الناس في هذا المجتمع حاول النبي أن يخلق مجتماً صالحاً ولأجل خلق مجتمع صالح حاول النبي ان يستلم الحكم فأصبح حاكماً في المدينة والقرأن الكريم يعطي هذه السلطة للنبي الكريم بقوله النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم هذه السلطة غير سلطة الرسالة . سلطة الرسالة سلطة تبليغ الاحكام ، السلطة الثانية هي سلطة الولاية ، سلطة تربية الناس وتنظيم الناس وخلق مجتمع للناس وتهذيب الناس حتى يكون إرادة الحاكم هي المسيطرة على ارادة الناس لا إرادة الناس ، الولاية بهذا المعنى فوضت لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم من أجل تأديب الناس وصنع الناس من جديد ،هذه السلطة مدتها تسع سنوات ونصف ولا شك أن تسع سنوات ونصف لا تكفي من أجل تربية الناس تربية كاملة لان الإنسان كما تعلمون موجود معقد له مفاهيم وعقائد وزوايا في الخلف وعادات و أفعال و أخلاق بحاجة الى فترة واسعة لكي يتمكن من إصلاح شأنه . هنا يأتي معنى الولاية التي انتقلت من النبي الى علي عليه السلام : ألست أولى بكم من أنفسكم قالوا بلى قال من كنت مولاه فهذا علي مولاه يعني هو المرشد وهو الذي يجب إطاعته وهو الذي يأخذ مبادرة صنع المجتمع وصنع الأفراد و إكمال بناء الأمة ، هذا هو الدور الأساسي الذي فوض للإمام في يوم الغدير. هنا يطرح سؤال لماذا سلّمت أمور الولاية الى علي دون سواه يجب أن نرجع إلى شخصية الإمام ، أما عندما نريد أن نبحث شخصية الإمام هذا البحث الذي أريد وأحاول أن أختصره نجد أن علي هو الشخصية الإسلامية التي كانت تربية محمد وتلميذه فقط ، أنتم تعلمون أنه في سنة من السنين حصل في مكة قحط غلاء معيشة وأبو طالب كان شيخاً جليلاً كريماً وكان ضعيف المادة والمال ، أرحامه وأخوته جاؤوا عنده وكل منهم أخذ أبناً من أبنائه لكي يساعده على إدارة شؤون حياته فالعباس مثلاً أخذ طالب ابنه الأكبر والنبي أخذ {قبل الإسلام} من أبي طالب ابنه الصغير علي ، حينئذْ كان عمر علي ستة سنوات ، دخل علي في بيت محمد وكان عمره ست سنوات هذا قبل بعثة الرسول بسنتين . ست سنوات تعلمون أنه مبدأ التربية الأساسية للطفل . التربية الأساسية عند الطفل تبدأ بعد مرور ستة سنوات من الطفل قبل ذلك ، قبل ذلك وضع النواة للتربية دخل علي في هذا العمر أول عمر التقاط التربية الصحيحة في بيت النبي ولا شك أن النبي صلى الله عليه واله وسلم لم يكن رجلاً عادياً قبل البعثة يعني لم يكن مثل بقية الرجال إلى ليلة البعثة تغير دفعة واحدة وأصبح نبياً ، حتماً قبل مرحلة النبوة كان مر عليه أيام و أوقات وتفكير وعبادة ورياضة ، كيف لا وهو عندما كان عمره 25 سنة كان يدخل الى غار حراء ويعبد الله ويفكر في وضع أمته ويحاول تصحيح (او تصفية ) نفسه حتى بلغ صفاء قلبه نفسه (او قلبه ) القمة فحينئذٍ نزل الوحي . قبل نزول الوحي أيضاً كان بيت النبي بيت العبادة بيت التفسير ، بيت الرياضة الروحية ولا شك أن هذا الألوان تنعكس على الغير وعلي كان يعيش في هذا البيت . بعث النبي نبياً واسلم علياً وكان مع النبي ليلاً ونهاراً في الحرب والسلم في البيت وفي السفر في السراء وفي الضراء . ولهذا عاش مع النبي وكسب من النبي الكثير من التعاليم والعلوم حتى بلغ مقامه إلى درجة يقول فيه النبي (أنا مدينة العلم وعلي بابها) هذا مقام عظيم يثبت تأثر الإمام بالنبي و أخذه بتعاليمه .
شخصيته شخصية مشابهة لشخصية النبي ولا شك أن التلميذ الأمين الذي يحاول تطبيق نفسه ح توصيفه هو يقول (كنت من رسول الله كالفصيل من أمه يحذو حذوها) ويحاول أن يعيش مثل النبي ويكون تلميذاً صادقاً أميناً بكل معنى الكلمة . وإذا لاحظنا حياة علي ، نجد مشابهات كثيرة في حباته من باب المثل حينما آخى بين المهاجرين والأنصار آخى بينه وبين علي ، عمر الرسول 63 سنة ، النبي يقول علي مني وأنا منه وحديث آخر أنا وعلي من شجرة واحدة . في أفعالهم و أخلاقهم تجد هذا التشابه بصورة واضحة مثلاُ في حفل العدالة تجد النبي صلى الله عليه واله وسلم في آخر يوم من حياته يأتي إلى المسجد ويصعد المنبر ويقول أيها الناس من جلدت له ظهراً فهذا ظهري ومن أخذت منه مالاً فهذا مالي ولا يخافن أحدكم الشحناء فإنها ليست من شأني . قام رجل وقال يا رسول لي عليك حق، يوم الأحد كنت ماسكاً بخشبة وتصف الناس للحرب فضربتني على بطني وأريد أن أنتقم منك . فقال أدنوا يا رجل فلما دنى منه فقال يا رسول الله عندما ضربتني على بطني ما كنت لابساً قميصاً بل كان بطني عاري فاكشف عن بطنك حتى أقتص منك كما ضربتني على بطني ، فكشف الرسول عن بطنه فالقى الرجل بنفسه على أرجل الرسول يقبلها ويعتذر ويقول يا رسول الله كنت أحب أن أؤكد لمن يستمع ويشاهد أنك تقول وتعيش ما تقول ، ليس هنا شكاً ولا رياءً ولا تظاهراً بأخذ الحق وبمطالبه الحق ، هذه العدالة العجيبة التي نجدها في حياة الرسول ، نسمع في كلمات علي مثلها ويقول علياً (والله لإن أبيت على حسك السعدان مسهدا وأجر في الأغلال مصفداً أحب إلي من أن ألقى الله يوم القيامة ظالماً لبعض حقوق العباد أو غاصباً لشيء من الحطام) .في الشجاعة نجد الشبه الكبير بينه وبين رسول الله هناك من يعرف شيئاً كبيراً عن شجاعة علي كما يقول لا أبالي أوقعت على الموت أم وقع الموت علي . ولكنهم يجب أن يسمعوا كلام الإمام حينما يقول (كنا إشتد البأس وحمي الوطيس نلوذ برسول الله . في الخلق والسخاء نجد مقامه مقام النبي والشبه الكافي بين حياتهما واضح . في باب الشجاعة قصة أنقلها لكم ، حينما كان الإمام في واقعة صفين طبعاً الحرب كان بينه وبين معاوية ، علي دعى معاوية للمبارزة قائلاً قائلاً أذهب للمبارزة حتى يستريح الناس ، يقتل الناس بعضهم بعضاً، نحن نحارب ونقاتل ونترك الناس نبارز بعضنا لبعض ونترك الناس يرتاحون حينما دعى علي معاوية الى المبارزة قال عمر بن العاص يا معاوية لقد أنصفك علي فقال له معاوية يا عمر ما غششتني منذ نصحتني إلا هذا اليوم أتأمرني بمبارزة أبي الحسن وأنت تعلم أنه الشجاع المطرق أراك طمعت في أمارة الشام من بعدي ، حينما ضرب علي عمر بن عبد ود جاءت أخته وعندما عرفت أن علياً هو قاتل عمر بن عبد ود ما بكت وما أظهرت الأسى على أساس أن قاتل عمر هو علي وهذا لا عيب في أن يكون مقتولاً بيده في قبائل العرب .
يوماً من الأيام كان معاوية يداعب عبد الله بن الزبير وهو من أشجع شجعان العرب قال عبد الله بن الزبير لمعاوية : يا معاوية ما الذي تنكره من شجاعتي فقد وقفت في الصف إزاء علي وهذا كان يعتبر اكبر مقام له قال معاوية لا جرم انه لو وقفت لقتلك أنت وأباك بيسرى يديه وبقيت اليمنى فارغة يطلب من يقتله بها . شجاعة علي لا تحتاج إلى البحث في هذه كانت نسخة عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أما السخاء فنجد في حياته قصص كثيرة أذكر منها ما ورد في صورتها الأساس (ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً و أسيرا ) . يقول محقن ابن أبي محقن الظبي حينما جاء عند معاوية قال يا معاوية جئتك من عند أبخل الناس قال معاوية ويحك أتقول أن أبا الحسن ابخل الناس والله لو ملك بيتين من التبر والتبن لانفذ تبره قبل تبنه، وهكذا نجد في أخلاق علي شبهاً كبيراً بأخلاق رسول الله كان يعيش معه ويحسن تربيته فأصبح تلميذاً طبق الأصل ممثلاً للدين الكامل إلى درجة عبرّ عنه القرآن الكريم بنفس النبي ، أنفسنا و أنفسكم مفسرة في صحاح المفسرين بحق علي عليه السلام ولهذا كلف الإمام أن يكون ولياً ويربي ويحكم و ها أنا أذكر بعض كلماته الموجزة تثبت طريقته في الحكم وأسلوبه في تدريب الناس وتربية النفس إذن مؤمناً بما يأمر يقول المؤرخون في حقه أنه ما نهى الناس عن أمر إلا وقد انتهى قبلهم ولا طلب إليهم القيام بأمر إلا سبقهم عليه ، هو كان أول من يطبق القانون كان يقول أأقنع من نفسي أن يقال أمير المؤمنين لا أشاركهم في مكاره الدهر أو أكون لهم أسوة في شجوبة العيش فوالله ما خلقت ليشغلني أكل الطيبات كالبهيمة المربوضة همها علفها . أم المرسلة شغلها تطمرها تفترش أعلافها وتلهو عما يراد بها ويقول في كلام آخر ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل ولباب هذا القمح ونسائج هذا القز ولكن هيهات أن يغلبني هواي ويقودني جشعي الى تخير الأطعمة ولعل بالحجاز أو أهل اليمامة من لا سمع له بقرص ولا عهد له بالشبع ، هذا النوع من المسؤوليات التي يجدها الإنسان في حياة الإمام مما يجعل الدهشة في النفوس والاطمئنان في سيرة الحكم فالحاكم الصحيح هو الذي يكون أسوه لشعبه . الشخص الذي لا يأكل لماذا لا يأكل ؟ أليس الله خلق الطيبات للإنسان نعم ولكن للإنسان العادي ، الإنسان الحاكم هو الذي يعيش كأضعف محكوميه كأضعف شعبه ولهذا عندما كان حاكماً ما كان يقبل أن يشبع ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا سمع له بقرص ولا عهد له بالشبع هو يتحمل مسؤوليات شعبه ولا يفرق بين شعبه ويفلسف المساواة بين أبناء شعبه في رسالته الى واليه يقول (إن الخلق إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق ) مهما كان الشعب ومن أي فرقة ومن أي مذهب أو دين نظير لك في الخلق إنسان والإنسان هو المقياس تكوين المجتمعات ومبدأ خلق المجتمعات ، ومبدأ خلق المجتمعات القيمة في الشعب وفي مواطن بأن يكون أنساناً ، إذا عقائده تخرجه عن الإنسانية ليس له حق المواطنية أما اذا عقائد الإنسان لا تخرجه عن الإنسانية فله حق المواطنية لأنه نظير لك في الخلق يقول في بعض كلماته : لا يقوم سلطان بسفك دم حرام فإن ذلك مما يضعفه ويوهنه بل يزيله لا تتصوروا أن شخص يتمكن أن ينتصر بسفك الدم ويتغلب على الناس لا ، انتهى سفك الدم يوما في أول يوم ثاني يوم في مدة من الزمن يجعل القوة والهيبة في نفوس الناس ولكن سفك الدم بالعكس يؤدي إلى زوال الحكم أحد العلماء ينظر إلى كلمة الإمام يوم انتخابه خليفة للمسلمين ثم ينظر الى وصيته يوم وفاته وهو على فراش الموت فيكتشف شياً عجيباً ، يجد أن فقرات وصية الإمام يوم وفاته تنطبق تماماً مع كلماته في أول يوم سلطانه وخلافته .
نستفيد من هذا الكلام أن هذا الرجل يستفيد من الكرسي كوسيلة للخدمة ووسيلة لأداء الواجب ولهذا يوم خلافته ويوم وفاته على حد سواء ، يوم وفاته يحمد الله على أدائه للرسالة ويوم صعوده إلى الكرسي يسأل الله أن يساعده على أداء هذه المهمة وهو يقول في كلمته لو لم يكن في هذا إقامة حق أو إبطال باطل لألقيت حبلها على غاربها ، في تعليماته للحكم ينهي ولادته عن الاحتجاب عن الخلق ويقول في كلمة له الانقطاع عن الشعب يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه فيصغر عندهم الكبير ويعظم عندهم الصغير ويقبح الحسن ويحسن القبيح ويشاب الحق بالباطل و إنما الوالي بشر لا يعرف ما توارى عنه الناس به من الأمور وهكذا يذكر أخطار التحجب هذا المرض الفاشي في الحكام والمرض الخطير عند الحكام وعند الناس العاديين الحاكم يحتجب عن الخلق ، يجد أن الاحتجاب اسهل له في حكمه ولكن ما هو نتائج احتجاب الحاكم عن الشعب يشرحها الإمام بصورة واضحة حينما يحتجب عن الخلق يتوارى عن أعينه حقائق الأمور يشعر الشعب بأن الرجل المحتجب عنهم يختلف عنهم لان التحجب يخلق جو من الهيبة والرهبة حين لا يطلع على الأمور يتردد عليه المتملقون فهناك من يمدحه ويقول أنت حكمك صالح والشعب في راحة وليس في الشعب أية مشكلة أما الناصح فيحاول أن يذكر للحاكم المعائب الموجودة بين أبناء الشعب والمشاكل التي يعانيها أبناء الشعب ، وجود المتملق وتطمين المتعلق وابتعاد الحاكم عن الناس يجعله يستصعب كلام الناس من الناقدين ويرغب إلى كلام المتملقين الكاذبين فيبعد من عنده الناصحين المشفقين الذين ينتقدوه لأنه لا يتحمل النقد بل يقرب إلى نفسه المتملقين . كثرة الملق إلى الحاكم تخيل الى الحاكم أنه بالفعل رسول من الله صاحب رسالة عنصر خاص بين العناصر يمتاز عن جميع العناصر كلف بإنقاذ هذا الشعب يحصل عنده هذا الغرور فلا يتحمل النقد أبداً . فيفوض الأمور إلى أصدقائه لأن ميزان الحق والباطل عنده هو مقياس حب الناس له لا مقياس الأمور عنده ميزان اكتسابهم ( أو كفاءتهم ) للأمور فالذي يحبه هو الذي يستلم الأمور والذي لا يحبه هو يبتعد عن الأمور وهكذا تنتقل المراكز من يد أصحاب الكفاءات إلى يد أصحاب الكلام المعسول والمتملقين للحكام فينحرف المجتمع ومن ناحية ثانية ابتعاد الناس عن الحاكم يحيل إليهم الصغير كبيراً والكبير صغيراً فيصبح الشعب في حيرة من الأمر فإنما أن يصبح يؤله الحاكم فيضعف نفوذ الشعب ويبتعد عن الناس ويحاول إخفاء الحقيقة وفي مثل هذه الحالة لا يتمكن الحاكم من أن يحكم الشعب يصبح حاقداً على الحاكم وحقد الشعب من أخطر الأمور نجده في حقل العدالة يقول والله لأنطقنا المظلوم من ظلمه وأقودن الظالم بخزامته ويقول الذليل عندي عزيز حتى اخذ الحق له والقوة عندي ضعيف حتى أخذ الحق منه .
في مبدأ هو مبدأ أساسي في قانون جزاء لا يزال إلى اليوم نجد أول مرة في كتابه وفي كلماته يقول لا أخذ على التهمة ولا أعاقب على الظن في كلام آخر يقول أجور الناس من أي اكثر الناس جوراً من عد جوره عدلاً في كلام آخر يقول شر الناس من يعين على المظلوم ، حينما يريد أن يثير الناس حتى يساعد الحق ولا يقف المتفرجين أمام الظلم والظالم يقول الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم ويقول الساكت عن الحق شيطان اخرس في حقل العلم يقول كلمة قيمة أنا أستعرض هذه الأبحاث لأنه إذا نريد أن نبحث في كل كلمة تأخذ وقتاً كبيراً فقط هذه الكلمة كلمة أساسية يقول ( العقل حفظ التجارب ) يمكن الأخوان يعلمون أن اليوم مبدأ جميع العلوم التجربة وتكرير التجربة واتخاذ القانون من التجارب . القانون إدراك الكليات كما يراه ( أو باصطلاح ) المنطقين ونسميه العقل القوة العاقلة هذا المبدأ اليوم مبدأ أساسي في تنمية العلوم بالنسبة للحرية وحرية الشعوب له كلمة معروفة يقول ألا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً ثم يفسر مفهوم الحرية أحب أن أوضح لأنه كلمة الختام تقريباً هذه الجملة حتى تجدوا مدى سمو هذه الكلمات إذا تعمقنا فيها، هناك كلمة معروفة يقول أن الحرية تنتهي عند حرية الآخرين ، الإنسان مرّ يتصرف كما يشاء ولكن حريته محدودة بحرية الآخرين حينما حريته بدأت تتعدى على حرية الآخرين فلا حرية له هناك ، هذا تفسير شائع متبع حتى يومنا هذا في جميع القوانين المدنية القائمة في العالم لكن انظر إلى ذوق الإمام في تفسير الحريات من ترك الشهوات كان حراً ويذكر في جملة من الحملات أن الحرية لا حد لها ولكن ما الحرية ، الحرية ليست فقط التحرر من الآخرين ، الحرية أيضاً التحرر من النفس الأمارة بالسوء كما أني حر إذا تحررت من المستعمر أو إذا تحررت من المستثمر الاقتصادي أو إذا تحررت من سلطة غاصب أو ظالم أيضاً متحرر إذا تحررت من أهوائي وشهواتي، إذا لاحظنا هذا المفهوم تجد أنك تتمكن من أن تقول أن الحرية لا حد لها ، لكن الحرية من جميع الأشياء ليس فقط لان الحرية التي تتجاوز على حرية الآخرين هي نوع من التعدي والتعدي هو عبادة للنفس و للأنانية . فإذا تحررنا من الآخرين ومن النفس فقط لا تتعارض حريتنا مع حرية الآخرين بحال من الأحوال . أما بالنسبة للعامل والعمل فيكفينا أن ننظر إلى هذه الجملة التي يقول فيها ( العبادة سبعون جزءاً أفضلها العمل ) . يعطي العمل لون العبادة ولون القداسة وقد ذكرت في بعض الليالي الماضية تفاصيل عن هذه الفكرة فمن أجمل ما ورد في كلام الإمام بالنسبة إلى الحكام وبالنسبة لغيرهم هو احترام الرأي العام . أن الرأي العام له حرمة فكرة حديثة من مبتكرات الحياة الديموقراطية الحديثة ولكن نجد في كلام الإمام اعترافاً بهذه الحقيقة يقول في كلام له إنما يعرف الصالحون بما يجزي الله على ألسن عباده، وفي كلام أخر يقول قلوب الرعية خزائن راعيها فما أودع من عدل أو جور وجده فيها في كلام ثالث يقول اتقوا ظنون المؤرخين فإن الله سبحانه قد أجرى الحق على ألسنتهم والحقيقة أننا إذا أردنا أن نبحث في كيفية حكم الإمام وصلاحيته للولاية يجب أن نراجع هذه العهد له رسالة لمالك الأشتر حينما كان حاكماً على مصر رسالة مفصلة يذكر الإمام شؤون الحكم وكيفية الحكم وشرائط الحاكم وكيفية عشرته مع الخواص ومع العوام ومع الجيش ومع الوزراء ومع الوزراء السابقين ومع الأغنياء وفي هذه الرسالة كنوز من المعرفة أتمنى على الأخوان أن يطلعوا عليها موجودة في نهج البلاغة ومطبوعة طبعات خاصة أيضاً ..
خلاصة أو غرفة من بحر فضائل علي عليه السلام ذكرتها في هذه الليلة المباركة أسأل الله أن يجعل هذا العيد مباركاً على الجميع واحب أن أذكر في ختام حديثي أن الولاية أيها الإخوان والحب لعلي عليه السلام ليست الولاية معناها الولاية الحب لعلي فقط أن الإنسان يحب فقط . سأل أحدهم الإمام الصادق فقال سيدي نحن نسمي بأسمائكم فهل ينفعنا ذلك ؟ فيقول الإمام له نعم وهل الدين إلا الحب ثم يضيف هذه الآية إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ، الحب المجرد وعدم المتابعة لا معنى له عاطفة عابرة موجودة ، بالنسبة إلى كل الأشياء وكل أمر أما الحب الصحيح أما الولاية أما الاعتراف بالولاية فيعني أولويته على أنفسنا هكذا اتفقنا . النبي يقول أولست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا بلى قال من كنت مولاه فهذا علي مولاه يعني الموالي لعلي هو الذي يفضل إرادة علي على إرادته فإذا أراد شيئاً و أراد علي شيئاً فانه يفضل إرادة علي على إرادته وبهذا المعنى يجب أن نفكر أن نشعر حينما نقف إمام حلال أو حرام صحيح أو باطل حق أو ظلم يجب أن نشعر بولايتنا يجب أن نشعر بولايتنا . علي الذي يقول والذي سمعناه يقول أنه لو أعطي الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن يظلم نملة يسلبها جلد شعيرة لما فعل، كيف يمكن أن الإنسان يقول أني موالي للإمام وهذا الإمام لا يحترم حقوق الناس كيف يمكن للإنسان انه يدعى انه موالي للإمام ويرى الإمام راجع من واقعة صفين وهو يمشي في السوق فيجد امرأة تحمل قربة وتقول الله بيني وبين أبا الحسن وهو خليفة المسلمين فيقف عندها ويقول لها يا أمة مالك وأبا الحسن فتقول إن زوجي كان في الحرب وقد قتل وترك لي أولاداً صغاراً لا عائل لهم فيحمل الإمام القربة له على كتفه ويمشي وحينما يجد في الطريق بعض أصحابه يحاولون اخذ القربة فيشير إليهم ويمتنع ويحاولون أن يشيروا إلى الإمام فيشير إليهم أن اتركوني معها ثم يذهب مع المرأة إلى البيت فيجد أيتاماً فيترك القربة فيذهب ويشتري طعاماً و أداماً ويرجع إلى البيت . تكلفه المرأة بأن تلعب الأولاد وان تضرم النار لتطبخ الخبز والمرأة تعجن العجين حينما يضرم النار يأخذ وجهه أمام النار ويقول ذق يا أبا الحسن هذا جزاء من ضيع الأيتام هذا النوع من الفكر هذا النوع من الشعور بالمسؤولية لا شك أن الإنسان إذا كان حاكماً على أمة مسؤوليته تدور حول هذه الدائرة الواسعة ولهذا يقول ولعل في الحجاز أو اليمامة من لا سمع له بالقرص ولكن أيضاً مسؤول في الدائرة الصغيرة كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته لا يحق له أن يتجاهل لا يحق له أن يتجاهل هذه المسؤولية ما أمن بالله واليوم الآخر من بات شبعاناً وجاره جائع . انتبهوا إلى الارتباط ما آمن بالله واليوم الآخر يعني ينكر الإيمان للشخص الذي لا يشعر بألم وجوع جاره من بات شبعاناً وجاره جائع الشخص الذي لا يشعر بهذا الشعور ينكر إيمانه ، ليس مؤمناً بالله ولا باليوم الآخر ، المسؤولية يجب أدائها أخواني . كيف ممكن للإنسان الذي يجد علياً يقول الساكت عن الحق شيطان أخرس ويسكت عن الحق ولا ينصر الحق حتى بلسانه بقلبه وهذا اضعف الإيمان كما ورد في الأحاديث ، فالولاية يعني الاعتراف بأولوية إرادته من إرادتنا ، يعني السلوك معه ، الانسجام معه تأييد لرسالته لدينه فنسأل الله إن يبارك لنا هذه الأيام ويجعلنا ممن ينصر علياً في رسالته في دينه لا أن نحب ونجعل من حبه سببا للتفرقة والابتعاد فهذا ليس حباً لأنه إيذاء للمحبوب وفقكم الله جميعاً والسلام عليكم.