في ذكرى عيد الغدير الأغر
الإمام علي عليه السلام الأولى بحمل بيرق الولاية
ان الامام علي (ع) لم تأتيه أوسمة الولاية والخلافة الإلهية اعتباطاً ولا ادعاءً، ولكن لمعايير وموازين وجدت في ذاته المقدسة، وآتاه الله ما لم يأت به احداً من هذه الأمة الا الرسول (ص). وفي حينها كان الالحاح والاصرار السماوي على هذا الاختيار والانتخاب، الذي ما سكت عنه الرسول يومها فقام آمراً الأمة ان (من كنت مولاه فعلي مولاه).
فالامام علي (ع) هو اشد حرصاً من غيره على الحفاظ على حرمة الإسلام وبيضته وقد قال بنفسه (ع) في هذا الخصوص: (لقد علمتم اني احق من غيري فو الله لأسلمن ما سلمت امور المسلمين) فهو أفضل هذه الأمة مناقبا واروعها سوابقا واعلمها بالكتاب والسنة واول من لبى دعوة ابن عمه وصلى خلفه واعتنق دينه معه، واكرم هذه الأمة وفاءً واخلاصاً لله تعالى وعبادة له، وجهاداً في سبيل دينه، فلولا سيفه (ذوالفقار) لما قام الدين ولا تصدعت هيبة الكافرين والمنافقين.
ولم تعرف الانسانية ايضاً بتاريخها الغابر والحاضر والآتي رجلاً كعلي (ع) بعد الرسول ولم يسجل التاريخ مثيلاً كعلي في صفاته وثباته ورباطة جأشه، وكيف تحصى مناقب رجل كانت ضربته لعمرو بن عبدود العامري في يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين، وكيف تعدّ فضائل رجل اخفى اولياءه مناقبه خوفاً واخفى اعداؤه مناقبه حقدا ومع ذلك شاع منها ما ملأ الخافقين وهو الذي لو اجتمع الناس على حبه لما خلق الله النار كما قال النبي (ص). وعن هذا يقول الشهيد السيد حسن الشيرازي:
تركوا الوصيّ فمزقوا توحيدهم – اربا وذاك هو الامام الاعظم
والله لو سار الانام بهديه – سعدوا ولم تخلق هناك جهنم
فهو أول الناس اسلاماً واقدمهم ايمانا وازهدهم دنياً واجودهم كفاً واكثرهم جهاداً واعلمهم علما وابيضهم منطقا. يقول المؤرخ المعروف ابن ابي المعتزلي: (وما ضنك برجل يبلغ من محافظته على ورده ان يبسط له نطع بين الصفين ليلة الهرير فيصلي عليه ورده والسهام تقع بين يديه، وتمّر على صماخيه يميناً وشمالاً فلا يرتاع لذلك، ولايقوم حتى يفرغ من وظيفته، وماظنك برجل كانت جبهته كثفنة البعير لطول سجوده واذا تأملت دعواته ومناجاته ووقفت على ما فيها من تعظيم الله سبحانه واجلاله وما يتظمنه من الخضوع لهيبته والخشوع لعزته فترى الكثير الكثير).
سئل الامام زين العابدين الذي كان قمة التوجه إلى الله وغاية العبادة: اين عبادتك من عبادة جدك امير المؤمنين علي (ع)؟
فقال (ع): عبادتي من عبادة جدي كعبادة جدي عند عبادة رسول الله (ص).
وزهده لم ير مثيلا له ولم تعرف الدنيا حاكما خضعت له البلاد وادانت له الدول وهو يلبس ثوبا بثلاثة دراهم فإذا وجد فيه طولاً قطعه بشفرة.
يقول ابو النوار (بياع الكرابيس) اتاني امير المؤمنين (ع) ومعه غلام فاشترى مني قميصي كرابيس وقال لغلامه: اختر أيهما شئت فاخذ احدهما واخذ علي الآخر فلبسه ثم مد يده فقال: اقطع الذي يفضل من قدر يدي فقطعته ولبسه، ولم يكن طعام الامام بافضل واحسن من ملبسه فكان لايزيد على قرص شعير، قال الاحنف بن قيس لما ورد على معاوية: دخلت على علي (ع) ليلة افطاره فقال لي: قم فتعشىّ مع الحسن والحسين ثم قام إلى الصلاة فلما فرغ دعا بجراب مختوم بخاتمة فاخرج منه الشعير مطحونا ثم ختمه، فقلت يا أمير المؤمنين لم اعهدك بخيلا فكيف ختمت على هذا الشعير؟ فقال: لم اختمه بخلا ولكن خفت ان يمسه الحسن والحسين بسمن. فقلت: أحرام؟
قال: لا، ولكن على أئمة الحق ان يتأسوا باضعف رعيتهم حالا في الاكل واللباس ولا يتميزون عليهم بشيء لا يقدرون عليه، ليراهم الفقير فيرضى عن الله تعالى بما هو فيه ويراهم الغني فيزداد شكراً وتواضعاً.
واما سخاء الامام فمن أكثر سخاء من رجل يقدم طعام افطاره لمسكين ويبقى ليله جائعاً ويقدمه في الليلة الثانية ليتيم وفي الثالثة لأسير حتى انزل الله بحقه آية، (ويطمعون الطعام على حبه…) وهو الرجل الذي شهد مع الرسول (ص) الشدائد والمشاهد والحروب والخطوب وكلها فهو المقدم والاسد والغالب والحامل للواء فيها.. ففي يوم حنين فر المسلمون باجمعهم الا عشرة، تسعة منهم من بني هاشم ووقف علي (ع) مدافعاً عن الرسول (ص) وتم النصر بيده.
وفي بدر أكثر من قتل من المشركين كانوا على يديه وفي الاحزاب فحدث والاحرج.
أما علمه (ع) فهو القائل: (علمني رسول الله (ص) الف باب من العلم يفتح لي من كل باب الف باب). ومنه تعلم الناس الفصاحة والبلاغة والخطابة.
اما عن عفوه فموقفه من أهل البصرة الذين قاتلوه واضح حيث عفا عنهم وأمر اصحابه بالكف عنهم وعن اموالهم وقال: من القى سلاحه فهو آمن ومن دخل داره فهو آمن، وشمل عفوه حتى زعماء القوم وقادة التمرد واصفح عن عائشة وردّها إلى دارها معززة مجهزة.
وأخيرا وليس آخراً:يقول عبد الله بن عباس لو ان الشجر اقلام والبحر مداد والانس والجن كتاب وحساب ما أحصوا فضائل علي بن ابي طالب (ع). ونقول افلا يحق لهكذا رجل ان يحمل علم الزعامة وبيرق الولاية ليسير بالامة.