عيد الغدير .. هو عيد الله الأكبر
الشيخ عبد الرضا معاش
المجتمعات البشرية اليوم على اختلاف مذاهبها وعقائدها وعاداتها وتقاليدها لها أعياداً دينية ووطنية، وتعيش أفراحها وسرورها ضمن طقوس دينية، وعادات محلية. ومعنى العيد كما في مجمع البحرين هو: اليوم الذي يعود فيه الفرح والسرور. فعيد الأم وعيد الشجرة وعيد الاستقلال وعيد التحرير والعيد الوطني و… كلها ترمز إلى مناسبات وذكريات تعود على المحتفلين بالفرح والسرور. لذلك تأتي مناسبة وذكريات تعود على المحتفلين بالفرح والسرور. لذلك تأتي مناسبة العيد لتضفي طابعاً مادياً ومعنوياً جديداً لتبتهج الروح مع الجسد فتكون حقيقة ومشاعر مرهفة بالإحساس نحو السمو والتكامل البشري.
وقد قرر الإسلام أعياداً للمسلمين ليظهر فيها المسلمين معالم الابتهاج والسرور، كمولد الرسول (ص) والصديقة الزهراء (عليها السلام) والأئمة الأطهار إلى جانب عيد الفطر والأضحى والمبعث والجمعة وغيرها، وأعظمها منزلة وأسماها مرتبة هو عيد الغدير والموسوم بيوم الله الأكبر كما في الأخبار. فهو يوم الإمامة والخلافة والولاية وقد روي عن الإمام الباقر (عليه السلام): لو ان الإمام رفع من الأرض ساعة لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله، وهذا هو دور الإمامة الذي رسمه الله مكمّلاً لدور الأنبياء، فكانت مهمة الرسول الأعظم (ص): إرائة الطريق، ومهمة الإمام (عليه السلام): الإيصال إلى المطلوب.
أفضل الأعياد
يقول الله عز وجل: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيتُ لكم الإسلام ديناً) فما كمل الدين وماتمت النعمة وما رضي الله الإسلام ديناً حتى تمت البيعة لأمير المؤمنين (عليه السلام). ونزل جبرائيل من قبل الله مهنئاً لرسول الله (ص) من قبِل الله عز وجل بتتويج علي الخلافة والولاية.
وروى أحمد بن حنبل عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله أنه قال: يوم الغدير: هنئوني، إن الله تعالى خصني بالنبوة، وخص أهل بيتي بالإمامة. فلم يخصص التهنئة بالنبوة والتي بعث بها قبل ثلاث وعشرين عام وإنما أردفها بالإمامة لما تحتل الإمامة بمكانة كبيرة عند الرسول (ص)، فتلك المسيرة لم تكتمل إلا بهذا اليوم المبارك، فعُدّ هذا اليوم من أفضل الأعياد وأجلها وأشرفها عند الله ورسوله وآله الطاهرين.
وروى عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن آبائه إنه قال رسول الله (ص): يوم غدير خم أفضل أعياد أمتي. وهو اليوم الذي أمرني الله بنصب أخي علي بن أبي طالب، علماً لأمتي، يهتدون به من بعدي، وهو اليوم الذي أكمل فيه الدين، وأتم على أمتي فيه النعمة، ورضي لهم الإسلام ديناً.
وقد أبدى أئمة أهل البيت (عليهم السلام) اهتماماً كبيراً بهذا اليوم العظيم فكان يوم فرح وأبتهاج وسرور عليهم وعلى شيعتهم ومواليهم ويحثون على العبادة، وذكر محمد وآل محمد والصلاة عليهم وعلى كل ما يقرب الفرد منهم (عليهم السلام) وذلك لنيل رضاهم لأن رضاهم رضا الله عز وجل كما في الأخبار. وكان المسلمون يهنئ بعضهم بعضاً عند التلاقي ويحيي بعضهم البعض بتحية الولاية والإمامة حامدين لله تمسكهم بولاية أمير المؤمنين داعين بالدعاء المأثور: الحمد لله الذي جعلنا من المتمسكين بولاية أمير المؤمنين والأئمة (عليهم السلام).
ويُعد عيد الغدير أهم الأعياد، كما في الرواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) حينما سُئِل: هل للمسلمين عيد غير يوم الجمعة والأضحى والفطر؟ قال: نعم أعظمها حَرمة، قال الراوي: وأي عيد هو؟ قال: اليوم الذي نصب فيه رسول الله (2) أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال: مَن كنتُ مولاه فعلي مولاه، وهو يوم ثماني عشر من ذي الحجة، قال الراوي: وما ينبغي لنا أن نفعل في ذلك اليوم، قال: الصيام والعبادة والذكر لمحمد وآل محمد (عليهم السلام) والصلاة عليهم وأوصى رسول الله (ص) أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يتخذ ذلك اليوم عيداً، وكذلك كانت الأنبياء تفعل، كانوا يوصون أوصياءهم بذلك فيتخذونه عيداً.
مسؤوليتنا
فالسنة الشريفة والسيرة المباركة لرسول الله وأئمة أهل البيت (عليهم السلام) خير شاهد على أهمية هذا اليوم.
ولكن أين نحن من السنة والسيرة؟! وأين الأمة الإسلامية لتحتفل بيوم عزها ومجدها ومصدر كرامتها؟ أما كانت البلاد الإسلامية بالأمس تجعل من يوم الغدير عيداً وطنياً ودينياً، فهذه بلاد المغرب في عهد الأدارسة والفاطميين كانت تعتبره عيداً رسمياً في البلاد؟ يا ترى هل ان الاستعمار بعد أن استعمر بلادنا استعمر قلوبنا وعقولنا، أما حان الوقت لكي نعي ونقف على الحقائق ببصيرة وموضوعية؟ فإن هذه الذكريات العظيمة لا تحمل مجرد الاحتفال والابتهاج وإنما تجرك إلى الماضي حيث المبادئ والعقائد والمنهج السليم وهذا ما يخشون منه. ومن المؤسف ان المسلمين أعرضوا عن أعيادهم وتمسكوا بأفراح الغير، معرضين عن قول سادتهم وقادتهم (يفرحون لفرحنا..) والعلاج من هذه الأمراض كامن في واقعنا وهو التغيير يقول عز وجل (ان الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم) [سورة الرعد: الآية 11].
واليوم تقع المسؤولية على الجميع (فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) في أن نجعل من هذه المناسبة أسبوع الإمامة والولاية وهو (أسبوع الغدير) وتذكير أبناءنا وأجيالنا بهذا اليوم.
روى مسلم في صحيحه والسيوطي في الدر المنثور: قالت اليهود لعمر: لو علينا معشر اليهود نزلت هذه الآية (اليوم أكملت لكم دينكم) ونعلم اليوم الذي انزلت فيه لاتخذنا ذلك اليوم عيداً.
وتقع المسؤولية اليوم على العلماء والمفكرين وأرباب القلم والكلمة الهادفة لكي يوجّهوا المجتمع الإسلامي إلى الاهتمام بهذه المناسبات العظيمة والتي هي منطلق الفكر والعقيدة وتذكيرهم بما فيه الخير والصلاح وما يجلب لهم سعادة الدنيا وفوز الآخرة، منزّهين أنفسهم عن المصالح الذاتية والأنانية وذلك لإنقاذ أمتنا من التأخر والانحطاط والعبودية والصنمية، وانتشالها من السقوط إلى الهاوية، لنعيش عالم يسوده الصدق والأمان ويعمه الخير والفلاح والإيمان والسلام. فينبغي أن تقام المؤتمرات في العالم الإسلامي وذلك لبيان ما وقع في حادثة الغدير ودراسة الموضوع بروح حيوية وانفتاح ورحابة صدر وذلك للسير في هدي القرآن الكريم للوصول إلى الصراط المستقيم، وعقد الندوات الفكرية والثقافية والعقائدية وإقامة الاحتفالات في مختلف المراكز العامة كالمساجد والحسينيات والمدارس والجامعات و.. وتزيين الشوارع، والمحلات، والبيوت ونشر اليافطات المعبّرة عن الغدير وأهميته، وكما أنه يوماً مباركاً لتزويج العزاب لبناء أسرة مفطومة على الإيمان والولاء، وزيارة الأقارب والأصدقاء لترسيخ الأخوة والمحبة في يوم الولاية، وتقديم الهدايا، وقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): تهادوا تحابوا فإن الهدية تذهب بالضغائن. وهذا اليوم حري بإزالة الأدران والأوساخ عن الروح والجسد.
أعاد الله علينا وعليكم هذا اليوم المبارك بالخير والسعادة والنصر المؤزر، انه ولي نصير. وكل عام وأنتم بخير.