لماذا صار عيد الغدير عيد الله الأكبر؟
قراءة في كلمات الإمام الخميني (رض)
بقلم : الموسوي
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله خالق الخلق باسط الرزق فالق الإصباح ذي الجلال والإكرام والفضل والإنعام والصلاة والسلام على أشرف خلقه محمد وآله الطاهرين.
اتفقت مجموعة من الروايات الواردة عن طريق أهل البيت عليهم السلام على اعتبار يوم الغدير من جملة الأعياد الإسلامية، بل على اعتباره أفضل الأعياد.
فقد روى الكليني في الكافي بسند صحيح عن العدة، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن أبي عبد الله (ع)، قال: قلت: جعلت فداك، للمسلمين عيد غير العيدين؟ قال: “نعم يا حسن، أعظمهما وأشرفهما، قال: قلت: وأي يوم هو؟ قال: يوم نصب أمير المؤمنين (ع) فيه علما للناس، قلت: جعلت فداك، ما ينبغي أن نصنع فيه؟ قال (ع): تصومه يا حسن، وتكثر الصلاة على محمد وآله، وتبرأ إلى الله ممن ظلمهم، فإن الأنبياء (ع) كانت تأمر الأوصياء اليوم الذي كان يقام فيه الوصي أن يتخذ عيدا”. -الكافي ج4 ص148 ح1، عنه البحار ج37 ص171 ح53
وكذلك رواه الصدوق بسند صحيح أيضا، فقد رواه في ثواب الأعمال عن أبيه، عن سعد بن عبدالله، قال: حدثنا إبراهيم بن هاشم، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن أبي عبدالله (ع) -ثواب الأعمال ص99 ح1، عنه البحار ج94 ص111 ح5
وروى الصدوق في الخصال بسند معتبر عند جمع من علمائنا، قال: حدثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدثنا سعد بن عبدالله، عن يعقوب بن يزيد، عن محمد ابن أبي عمير، عن غير واحد، عن أبي عبدالله (ع) قال: “ويوم الغدير أفضل الأعياد، وهو ثامن عشر من ذي الحجة، وكان يوم الجمعة”. -الخصال ص394 ح101، عنه البحار ج94 ح3
وقد ذهب جمع من علمائنا أن تعبير (عن غير واحد) يدل على اعتبار الرواية، كما نقله عنهم الرجالي الكبير الشيخ المامقاني حيث قال:”ثم أنه نقل عن المحقق الشيخ محمد (رحمه الله) أنه قال: إذا قال ابن أبي عمير عن غير واحد عد روايته من الصحيح حتى عند من لم يعمل بمراسيله. وقال في المدارك: (لا يضر إرسالها لأن في قوله: (غير واحد) إشعارا بثبوت مدلولها عنده) -مقباس الهداية ج2 ص275
وروى الصدوق بسنده عن الحسن بن راشد، قال: قيل لأبي عبدالله (ع): للمؤمنين من الأعياد غير العيدين والجمعة؟ قال: نعم لهم ما هو أعظم من هذا، يوم أقيم أمير المؤمنين (ع) فعقد له رسول الله (ص) الولاية في أعناق الرجال والنساء بغدير خم”. -ثواب الأعمال ص99 ح2، عنه البحار ج94 ص112 ح7
وروى الصدوق بسند صحيح على رأي جمع من علمائنا، عن علي بن أحمد بن موسى (رضي الله عنه)، قال: حدثنا محمد بن أبي عبدالله الكوفي، قال: حدثني الحسين بن عبيدالله الأشعري، قال: حدثني محمد بن عيسى بن عبيد، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن المفضل بن عمر، قال: قلت لأبي عبدالله (ع): كم للمسلمين من عيد؟ فقال: أربعة أعياد، قال: قلت: قد عرفت العيدين والجمعة، فقال لي: أعظمها وأشرفها ، يوم الثامن عشر من ذي الحجة، وهو اليوم الذي أقام فيه رسول الله (ص) أمير المؤمنين (ع) ونصبه للناس علما، قال: قلت: ما يجب علينا في ذلك اليوم؟ قال: يجب عليكم صيامه شكرا لله وحمدا له مع أنه أهل أن يشكر كل ساعة، وكذلك أمرت الأنبياء أوصياءها أن يصوموا اليوم الذي يقام فيه الوصي يتخذونه عيدا، ومن صامه كان أفضل من عبادة ستين سنة”. -الخصال ص264 ح145، عنه البحار ج94 ص111 ح4
ومحل الاختلاف في السند في شيخ الصدوق، فقد اعتبره البعض حسنا ولم يوثقه آخرون.
وهناك أحاديث أخرى قريبة من هذا المضمون. -راجع البحار ج37 ص 169 ح46، وص172 ح54
وهنا سؤالان يفرضان أنفسهما:
الأول: كيف صار يوم الغدير عيدا؟
الثاني: ما هو السر في اعتباره أفضل الأعياد وأشرفها؟
أما جوابا على السؤال الأول فيمكن القول:
إن العيد مأخوذ ومشتق من العود، قال ابن منظور: “واشتقاقه من عاد يعود، كأنهم عادوا إليه، وقيل اشتقاقه من العادة لأنهم اعتادوه”. -لسان العرب ج9 ص461
فتكون وجه المناسبة في التسمية هو أن العباد يعودون إلى الله في تلك الأيام بالطاعة والتوبة والعمل الصالح، ولذا ورد عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال في بعض الأعياد:
“إنما هو عيد لمن قبل الله صيامه وشكر قيامه، وكل يوم لا تعصي الله فيه فهو يوم عيد” -نهج البلاغة ص551 الحكمة428، وفي هذا المقطع الرائع يسلط أمير المؤمنين (ع) على حقيقة ناصعة وهي أن ولكن لماذا صارت بعض الأيام أيام عيد دون الأخرى إذا كانت العودة إلى الله بنبذ المعصية قد يحصل في باقي الأيام.
والجواب: إن الله اختص بعض الأيام دون الأخرى وجعلها محلا لعودة الخلق إليه ونيل عطاياه وهباته مع أن كل الأيام كذلك، ومع أنه قد لا يكون يوم عيد الفطر يوم عودة المكلف إلى الله لمعصيته له فيه وقد يكون غير يوم عيد الفطر يوم عودته لعدم معصية الله فيه، ولكن الله أراد أن يتفضل على عباده فيجعل أياما معينة مخصوصة بالعيد يزيد فيها من فضله وعطاياه ومنحه، فيحصل العامل فيه العائد فيه إلى الله على المزيد من الأجر والثواب، كما أنه يشكر الله على نعمه فيها بما وفقه للصوم والحج، ولكي يقدر عظمة وأهمية ما اقترنت به الأعياد، من الصوم والحج والصلاة.
ومن هذه الزاوية فإن العبد يكون فرحا في العيد، وهذا ما يقع في الأعياد حيث يعم الفرح النفوس، قال ابن الأعرابي: “سمي العيد عيدا لأنه يعود كل سنة بفرح مجدد”، غير أن فرحة المسلمين والمؤمنين لا من جهة نيل مشتهيات النفس المادية كالأكل بعد الصوم فإن هذه مما لا توجب الفرحة للإنسان المتأمل والمتمعن في القيم الواقعية للأمور، والإنسان العامل يفرح بالجوائز والهبات الربانية لا بحطام الدنيا الزائل ولذائذها المنصرمة.
روى الشيخ الصدوق عن الإمام الباقر (ع)، عن رسول الله (ص) أنه قال: “…… حتى إذا طلع هلال شوال نودي المؤمنون أن اغدوا إلى جوائزكم فهو يوم الجائزة، ثم قال أبو جعفر (ع): أما والذي نفسي بيده ما هي بجائزة الدنانير والدراهم”. -فضائل الأشهر الثلاثة ص80
وروى ابن شعبة الحراني عن الإمام الحسن المجتبى (ع) أنه مر في يوم فطر بقوم يلعبون ويضحكون، فوقف على رؤوسهم فقال: “إن الله جعل شهر رمضان مضمارا لخلقه فيستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته فسبق قوم ففازوا، وقصر آخرون فخابوا، فالعجب كل العجب من ضاحك لاعب في اليوم الذي يثاب فيه المحسنون ويخسر فيه المبطلون، وأيم الله لو كشف الغطاء لعلموا أن المحسن مشغول بإحسانه والمسيء مشغول بإساءته”. -تحف العقول ص167
غير أن العيد يمتاز عن باقي الأيام بميزة أخرى وهي أن مظاهر العود إلى الله تكون جماعية لا فرادى، أي أنها تعبير عن مظهر اجتماعي عام وليس شأنا شخصيا خاصا. يقول ابن منظور: “والعيد كل يوم فيه جمع”. -لسان العرب ج9 ص461
وهذه نقطة مهمة يجب ملاحظتها في مفهوم العيد، ولها دور في بلورة الجواب عن السؤال الثاني، فعيد الفطر مظهر عبادي عام يرتبط بالمسلمين ككل بعد انتهاء فريضة الصوم، وهكذا في عيد الأضحى بعد الفراغ من أهم أعمال الحج، ويوم الجمعة هو مظهر عبادي عام أيضا يجتمع فيه المسلمون في مساجدهم لأداء الصلاة يوم الجمعة والاهتمام بما يخص أمورهم، وهذا ما نشهد آثاره حتى اليوم، فإن الحضور الذي تشهده تلك الأعياد لا تجده في باقي الأيام طوال السنة، ويحرص الجميع على حضور تلك الأعياد في مظاهر عبادة جماعية.
فالعيد على هذا يمثل عودة جماعية من الخلق إلى الحق تعالى، ولعل في قوله تعالى:
اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا -المائدة/114
تلميحا إلى ذلك من حيث أن العيد شأن مرتبط بالجميع أولهم وآخرهم.
والخلاصة أن العيد بملاحظة معناه اللغوي والعرفي مدعوما بالشواهد الدينية يختزن في مفهومه ثلاثة ركائز: التجمع، والفرحة، والعودة.
وهذه الأمور متحققة في الأعياد الأربعة، ففيها يجتمع المؤمنون في مظاهر عبادية عامة، ويفرحون بالمنح والعطايا الإلهية وبما وفقهم الله فيه من الصلاة والصوم والحج والولاية، ويعودون إلى الله بالطاعة.
أما الإجابة على السؤال الثاني وهو لب الموضوع فلابد من النظر إلى ما يميز عيد الغدير عن بقية الأعياد، فعيد الفطر مرتبط بفريضة الصوم، وعيد الأضحى مرتبط بفريضة الحج، وهما مع كونهما من الضروري إلا أنهما يعدان من الفروع الفقهية، بينما يرتبط عيد الغدير بعيد الولاية وهي تعتبر من الأصول وليس من الفروع، ومن الواضح أن الأصل يفوق على الفرع في الأهمية لأن الفرع يعود إليه فمن خلال الأصل يعلم حكم الفرع، ولأن الله أراد أن يتعبد المخلوق بالإيمان بالحجة الإلهية سواء كانت نبيا أم وصيا والالتزام بطاعته أما إذا أراد أن يعبد الله كما يحلو له فإن مصيره كإبليس عليه اللعنة حيث أراد أن يعبد الله من غير الخضوع للحجة الإلهية.
يقول الإمام الخميني (قدس سره):
“إن ما مر في ذيل الحديث الشريف من أن ولاية أهل البيت ومعرفتهم شرط في قبول الأعمال، يعتبر من الأمور المسلمة، بل تكون من ضروريات مذهب التشيع المقدس، وتكون الأخبار في هذا الموضوع أكبر من طاقة مثل هذه الكتب المختصرة على استيعابها، وأكثر من حجم التواتر. ويتبرك هذا الكتاب بذكر بعض الأخبار.
عن الكافي: بإسناده عن أبي جعفر عليه السلام قال: “ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأشياء ورضى الرحمن الطاعة للإمام بعد معرفته…. أما لو أن رجلا قام ليله وصام نهاره وتصدق بجميع ماله وحج جميع دهره ولم يعرف ولاية ولي الله فيواليه وتكون جميع أعماله بدلالته إليه ما كان له على الله حق في ثوابه ولا كان من أهل الإيمان”.
وبإسناده عن أبي عبدالله عليه السلام قال: “من لم يأت الله عز وجل يوم القيامة بما أنتم عليه لم يتقبل منه حسنة ولم يتجاوز له سيئة”.
وبإسناده عن أبي عبدالله عليه السلام في حديث قال: “والله لو أن إبليس –لعنه الله- سجد لله بعد المعصية والتكبر عمر الدنيا ما نفعه ذلك ولا قبله الله ما لم يسجد لآدم كما أمره الله عز وجل أن يسجد له، وكذلك هذه الأمة العاصية المفتونة بعد تركهم الإمام الذي نصبه نبيهم له، فلن يقبل الله لهم عملا ولن يرفع لهم حسنة حتى يأتوا الله من حيث أمرهم ويتولوا الإمام الذي أمرهم الله بولايته ويدخلوا من الباب الذي فتحه الله ورسوله لهم”.
والأخبار في هذا الموضوع وبهذا المضمون كثيرة، ويستفاد من مجموعها أن ولاية أهل البيت عليهم السلام شرط في قبول الأعمال عند الله سبحانه، بل هو شرط في قبول الإيمان بالله والنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم”. -الأربعون حديثا ص512
وهنا نلاحظ أن أهمية الولاية تعود لأمور عديدة، ومن أهمها شيئان:
أحدهما: إنه من خلال الإمام المعصوم عليه السلام يتم معرفة كيفية الإتيان بالعمل الصحيح لأهم الفروع كالصلاة والصوم والحج، وهذا يعني فقدان تلك الفروع لشرائطها وأجزائها المطلوبة من دون الرجوع إلى الإمام المعصوم (ع).
والآخر: يتجاوز هذا لينظر إلى جوهر العمل لا صورته، فلو أتى شخص للصلاة في عهد النبي (ص) بالشكل الذي كان يفعله من دون إيمان به كما المنافقين ما نفعه ذلك و ما نفعته تلك الصلاة لأن قيمة الصلاة ليست في مجرد أدائها صوريا بالشكل الصحيح، بل في الوجه الذي تصدر منه والداعي الذي ينبعث منه، ونفس الأمر ينطبق بالنسبة لموقع الإيمان بالإمام (ع) إذا ما لوحظ قياسا بالصلاة، ويوم الغدير هو التجسيد الأتم لهذه الولاية التي بدؤها بأمير المؤمنين عليه السلام ومنتهاها بصاحب الأمر عجل الله فرجه الشريف.
ومما مر نعلم أنه لا يمكن للعبد أن يعود إلى الله بالطاعة عملا بالفروع من غير الرجوع للإمام المعصوم (ع) والإيمان به، غير أن هناك معنى راقيا حول شرف عيد الغدير وتميزه عن باقي الأعياد، يمكن استكشافه من خلال التأمل في كلمات الإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه) وسنشير إليه لاحقا بإذن الله عز وجل بعد استعراض المقدمة التالية:
ذكر علماء الكلام دليلين معروفين حول وجود الله عز وجل، أحدهما يستند على البرهان الإني أي السير من المعلول لاستكشاف العلة والوصول إليها، ومن أبرز الشواهد على هذا البرهان ما نقل عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: “البعرة تدل على البعير، والروثة تدل على الحمير، وآثار القدم تدل على المسير، فهيكل علوي بهذه اللطافة، ومركز سفلي بهذه الكثافة كيف لايدلان على اللطيف الخبير”. -جامع الأخبار ص35 ح13 تحقيق: مؤسسة آل البيت، عنه بحار الأنوار ج3 ص55 ح27
والآخر يستند على البرهان اللمي أو المسمى ببرهان الصديقين الذي يكون فيه الاستدلال بالعلة على المعلول، ومن شواهد هذا البرهان قول أمير المؤمنين وسيد الموحدين علي عليه السلام في دعاء الصباح: “يا من دل على ذاته بذاته”، وقول الإمام الحسين (ع) في دعاء عرفة : “كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك؟! أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك؟!”، وروى الكليني بسند صحيح عن محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى، عن منصور بن حازم، قال: قلت لأبي عبدالله (ع) إني ناظرت قوما فقلت لهم: إن الله عز وجل أجل وأكرم من أن يعرف بخلقه، بل العباد يعرفون بالله، فقال (ع): رحمك الله”. -الكافي ج1 ص86
وفي كلا البرهانين هناك نوع تقرر وثبوت للمعلول والموجود الممكن.
وهناك برهان ثالث يذهب إليه أهل العرفان وهو برهان الآية والمجلى للوصول إلى الله عز وجل، ويعتبرونه أرقى من البرهانين السابقين باعتبار أن الآية إنما تكون آية إذا ما لوحظت إلى ذي الآية، نظير المرآة، فقيمتها في أنها مظهرة للصورة التي تنطبع فيها، والناظر فيها لا ينظر لها لذاتها بل لا يلتفت لها أصلا عند النظر فيها وكأنها غير موجودة، ولا يعدها شيئا لأنه لا يرى إلا ما تعكسه، ولعل في قول بعض العرفاء (وينسب لأمير المؤمنين (ع) ولم أجد له مصدرا): “ما رأينا شيئا إلا ورأينا الله قبله وبعده ومعه وفيه” تلميحا إلى هذا البرهان، فالناظر في الأشياء لا يراها بل يرى الله عز وجل بها، وفي هذا البرهان لا يكون هناك أي تقرر أو ثبوت للمعلول.
وهذا البرهان هو الذي أشار إليه القرآن الكريم في كثير من الآيات، كما في قوله تعالى: إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين -الجاثية/3 ، وقوله تعالى: إن في اختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السماوات والأرض لآيات لقوم يتقون -يونس/6
وإذا كان كل ما في الوجود من آيات الله عز وجل، فمن الواضح أن هناك آية أكبر من أختها، وهناك علامة أعظم من غيرها، وكان أمير المؤمنين (ع) هو الآية الكبرى والنبأ العظيم كما وردت في ذلك الرواية، أي أن من يريد أن يكون أقرب من غيره في الوصول إلى الله فعليه النظر في هذه الآية.
روى علي بن إبراهيم القمي بسند صحيح (على رأي السيد الخوئي) عن أبيه، عن الحسين بن خالد، عن أبي الحسن الرضا (ع) في قوله {عم يتساءلون عن النبأ العظيم} قال:
قال أمير المؤمنين (ع): “ما لله نبأ أعظم مني، وما لله آية أكبر مني”. -تفسير القمي ج2 ص401، عنه البحار ج36 ص1 ح2
وقد حمل السيد الخوئي الحسين بن خالد على الخفاف الثقة لا الصيرفي غير الموثق.
وروى الشيخ الصدوق بسند يمكن تصحيحه على بعض المباني، عن محمد بن علي ماجيلويه قال: حدثنا عمي محمد بن أبي القاسم، عن محمد بن علي الكوفي، عن محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر، عن ثابت بن صفية، عن سعيد بن جبير، عن عبدالله بن عباس، قال: قال رسول الله (ص): “…. إنه محنة الورى، والحجة العظمى، والآية الكبرى، وإمام أهل الدنيا، والعروة الوثقى -آمالي الصدوق المجلس8 الحديث4
وشيخ الصدوق وثقه جمع من علمائنا باعتباره من مشايخ الصدوق، ومحمد بن علي الكوفي وثقه الخوئي لكونه القرشي الراوي في تفسير القمي، ومحمد بن سنان اعتمد عليه العلامة المجلسي وجمع كثير من علمائنا.
ولعل من وحي هذا البرهان يذهب العرفاء إلى أن العود إلى الله عز وجل يكون عبر الإنسان الكامل، وهو المعصومون عليهم السلام، يقول الإمام الخميني:
“إن المؤمن يتبع الإنسان الكامل، ولما كان الإنسان الكامل مظهرا لجميع الأسماء والصفات، ومربوبا للحق المتعالي بالاسم الجامع، لم تكن غلبة لإسم على آخر في التصرف في الإنسان الكامل، وكان الإنسان الكامل مثل ربه تعالى وجودا جامعا من دون تفوق مظهرية اسم على آخر، …… وأما الموجودات الأخرى والسائرون إلى الله فلا تنتهج الصراط المستقيم بل تنزع إما بنحو اللطف والجمال، أو نحو جانب القهر والجلال.
وأما المؤمنون فلما كانوا تابعين في مسيرتهم للإنسان الكامل واضعين خطاهم موضع أقدامه وسائرين على ضوء نور هدايته ومعرفته، ومستسلمين للذات المقدس للإنسان الكامل غير معتمدين على أنفسهم خطوة واحدة في سيرهم الروحاني إلى الله، فلما كان المؤمنون كذلك يسلكون أيضا الصراط المستقيم ويكون حشرهم مع الإنسان الكامل ووصولهم تبعا لوصول الإنسان الكامل، شرط محافظتهم على صفاء قلوبهم من تصرف الشياطين والإنية والأنانية”. -الأربعون حديثا ص472
ويقول تعليقا على ما روي عن أمير المؤمنين (ع) حول النفس اللاهوتية الملكوتية:
“وقوله: “وعودتها إليه”، وقوله: “وإليها تعود” مع كون الميعاد إلى رب العباد، فهو إما مبني على أن العود إلى كل واحد منها هو العود إليه تعالى، بل التوجه إلى كل موجود هو التوجه إلى الله تعالى {أينما تولوا فثم وجه الله}، وورد عن رسول الله (ص): (لو دليتم بحبل إلى الأرض السفلى لهبطتم على الله)، وهذا من علم الراسخين والمتدبرين في كلام الأئمة المعصومين عليهم السلام.
وإما مبني على ما هو التحقيق عندنا من أن عود الموجودات إلى الله تعالى بتوسط الولي المطلق صاحب النفس الكلية الإلهية وواجد مرتبة العقل، وأن الموجودات بمنزلة القوى والآلات والمتفرعات من وجود الإنسان الكامل، وفي الحضرة الشهادة بتوسط نفس الإنسان الكامل، وفي الحضرة الشهادة بتوسط نفس الإنسان الكامل، كذلك عودها وختمها، ولهذا كانت استقامة الأمة استقامة رسول الله صلى الله عليه وآله عند قوله تعالى في سورة هود: {فاستقم كما أمرت}: (شيبتني سورة هود) لمكان هذه الآية، وإلا فهو بوجوده المقدس ميزان الاستقامة.
وورد في بعض الأدعية عند الدعاء لبقية الله في الأرضين وحجة الله على العالمين صاحب الأمر صلوات الله عليه وأرواحنا له الفداء بقوله: “أمنا يعبدك لا يشرك بك شيئا” مع كونه روحي له الفداء خالصا عن أنحاء الشرك فعلا وصفة وذاتا، فشرك الأمة وعبادتهم يعد منه، لكونه الأصل وسائر الناس من فروعه”. -التعليقة على الفوائد الرضوية ص109
ومن ثم يكون عيد الغدير مظهرا للعود إلى الله عز وجل من خلال الإنسان الكامل، ويكون في هذا إبرازا لمقام أمير المؤمنين (ع).
إن كل ما جرى في يوم الغدير إنما هو من متفرعات المنزلة الحقيقية لأمير المؤمنين (ع)، أي أنه تنصيب في مقام الإثبات للكشف عن مقام الثبوت والواقع، لا أن التنصيب قد أضاف شيئا لمقام الثبوت.
يقول الإمام الخميني (رض):
“إن قضية الغدير ليست بالقضية التي ستقدم في حد ذاتها لأمير المؤمنين (ع) شيئا، فإن أمير المؤمنين هو الذي أوجد الغدير، فذلك الوجود الشريف الذي هو منبع جميع الجهات أضحى سببا لوقوع الغدير، فالغدير ليست له قيمة عنده، فالذي له القيمة هو نفس أمير المؤمنين (ع)، وتبعا لهذه القيمة وجد الغدير، إن نصب أمير المؤمنين (ع) للخلافة ليس من مقاماته المعنوية، فمقاماته المعنوية ومقاماته الجامعة هي المستوجبة لظهور الغدير”. -صحيفة النور ج20 ص27
والحمد لله رب العالمين