برير بن خضير الهمداني
هو برير بن خضير الهمداني المشرقي، وبنو مشرق بطن من همدان، كان برير شيخاً تابعياً ناسكاً، قارئاً للقرآن من شيوخ القرّاء، من أصحاب أمير المؤمنين (ع)، وكان من اشراف أهل الكوفة من الهمدانيين، ولمّا بلغه خبر الحسين (ع) سار من الكوفة إلى مكة ليجتمع بالحسين (ع) فاجتمع به ولمّا ضيّق الحر على الإمام الحسين (ع) جمع الإمام (ع) أصحابه فخطب فيهم ولما انتهى من خطبته قام إليه برير فقال: والله يابن رسول الله (ص) لقد منّ الله بك علينا أن نقاتل بين يديك، تقطّع فيك اعضاؤنا، حتى يكون جدك يوم القيامة بين ايدينا شفيعاً لنا، فلا أفلح قوم ضيعوا ابن بنت نبيهم وويل لهم ماذا يلقون به الله، وافٍ لهم يوم ينادون بالويل والثبور في نار جهنم، وفي اليوم التاسع من المحرم أمر الإمام الحسين (ع) بفسطاط فضرب وبرير وعبد الرحمن بن عبد ربه على باب الفسطاط، فجعل برير يهازل عبد الرحمن ويضاحكه، فقال عبد الرحمن: دعنا فوالله ما هذه بساعة باطل، فقال برير والله لقد علم قومي اني ما احببت الباطل شاباً ولا كهلاً، ولكني والله لمستبشر بما نحن لاقون، والله أن بيننا وبين الحور العين إلاّ أن نحمل على هؤلاء فيميلون علينا باسيافهم، ولوددت أن مالوا بها الساعة، روى بعض المؤرخين انه لما بلغ من الحسين (ع) العطش ماشاء أن يبلغ، استأذن برير الحسين (ع) في أن يكلم القوم، فاذن اله، فوقف قريباً منهم ونادى: يا معشر الناس أن الله بعث بالحق محمداً بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله باذنه وسراجاً منيراً، وهذا ماء الفرات تقع فيه خنازير السواد وكلابها، وقد حيل بينه وبين ابن رسول الله (ص)، أفجزاء محمد هذا، فقالوا يا برير قد أكثرت الكلام فاكفف، فوالله ليعطشنّ الحسين (ع) كما عطش من كان قبله فقال الحسين (ع) اكفف يا برير، ثم وثب متوكئاً على سيفه، فخطبهم هو عليه السلام بخطبة والتي يقول فيها: انشدكم الله هل تعرفوني؟ خرج يزيد بن معقل من بني عميرة بن ربيعة، فقال يا برير بن خضير! كيف ترى صنع الله بك قال صنع الله بي خيراً وصنع بك شراً، فقال كذبت وقبل اليوم ما كنت كذاباً، اتذكر وأنا اماشيك في سكة بني دودان، وانت تقول أن عثمان كان كذا وأن معاوية ضال مضل وأن علي بن أبي طالب امام الحق والهدى، فقال برير: اشهد أن هذا رأيي وقولي فقال يزيد اشهد انك من الضالين، قال برير فهل لك أن اباهلك ولندع الله أن يلعن الكاذب، وأن يقتل المحق الباطل. ثم اخرج لابارزك، فخرجا فرفعا ايديهما بالمباهلة إلى الله، ثم برز كل واحد منهما إلى صاحبه، فاختلفا بضربتين فضرب يزيد بريراً ضربة خفيفة لم تضره شيئاً، وضرب برير يزيد ضربة قدّت المغفر، وبلغت الدماغ، فخر وأن سيف برير لثابت في رأسه فاخرجه وهو يقول:
أنا برير وابي خضير وكل خيرٍ فلـــه بريـــر
ثم بارز القوم، فحمل عليه رضي بن منقذ العبدي، فاعتنق بريراً فاعتركا ساعةً ثم أن بريراً صرعه وقعد على صدره، فجعل رضي يصيح باصحابه أين أهل المصاع والدفاع، فذهب كعب بن جابر بن عمرو الازدي ليحمل عليه فادركه حتى وضع الرمح في ظهره ثم اقبل يضربه بسيفه حتى برد رحمة الله عليه، فلما رجع كعب قالت له اخته النوار بنت جابر: اعنت على ابن فاطمة (ع)، وقتلت سيد القراء، لقد اتيت عظيماً من الأمر، والله لا اكلمك من رأسي كلمة أبدا.