مسلم بن عوسجة


 


هو مسلم بن عوسجة بن ثعلبة بن دودان بن اسد بن خزيمة وكنيته أبو حجل. وهو من أصحاب الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله. له مواقف بطولية في الفتوحات الإسلامية، وهو من عبّاد الكوفة وملازمي جامعها الأعظم. وكان مسلم بن عوسجة في طليعة الجيش الإسلامي الذي دك حصون الكفر في اذربيجان، وقد شاهد بطولته بعض أهل الكوفة ممن حضر الوقعة. وفي يوم عاشوراء، وبعد مصرعه، ونداء جاريته: يابن عوسجتاه يا سيداه، وتباشر أهل الكوفة بقتله، قال شيث بن ربعي ـ قائد ميمنة ابن سعد ـ لبعض من حوله من أصحابه: ثكلتكم امهاتكم! إنما تقتلون انفسكم بأيديكم، وتذلون انفسكم لغيركم، تفرحون أن يقتل مثل مسلم بن عوسجة؟! أما والذي أسلمت له لربّ موقف له قد رأيته في المسلمين كريم، لقد رايته يوم سلق اذربيجان قتل ستةً من المشركين قبل تتام خيول المسلمين، أفيقتل منكم مثله وتفرحون؟!


وفي الكوفة كان مسلم بن عقيل يأخذ البيعة للحسين (ع) حتى أحصى بديوانه ثمانية عشر الفاً، وقد رتّب مَن يتسلم عنه الأموال، ويشتري السلاح، فكان مسلم بن عوسجة ممن أنيط به بعض ذلك.


وعندما جاء ابن زياد وانقلب الوضع وسيطرة سيطرة تامة على الكوفة وقبض على الأمر بيد من حديد، واختفى مسلم بن عقيل وانصاره، وصار همّ ابن زياد التفتيش عن مسلم بن عقيل ورؤوس أصحابه، وبث العيون والجواسيس، فكان منهم معقل ـ مولى ابن زياد ـ فقد اعطاه ثلاثة الاف درهم وأمره أن يتوسل بها إلى معرفة مسلم بن عقيل. جاء معقل إلى مسلم بن عوسجة وهو يصلي في المسجد وجلس إلى جنبه حتى فرغ من صلاته ثم قال: يا عبد الله اني امرؤ من أهــل الشام أنعم الله عليّ بحبّ أهل البيت وحب مَن احبهم، وتباكى له، وقال: معي ثلاثة الاف درهم أردت بها لقاء رجل منهم بلغني انه قدم الكوفة يبايع لابن بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله فكنت أريد لقاءه فلم اجد احداً يدلني عليه ولا اعرف مكانه، فاني لجالس في المسجد الآن إذ سمعت نفراً من المؤمنين يقولون هذا رجل له علم بأهل هذا البيت، واني اتيتك لتقبض مني هذا المال وتدخلني على صاحبك، فاني اخ من اخوانك، وثقة عليك، وأن شئت اخذت بيعتي له قبل لقائه. فقال له مسلم بن عوسجة: احمد الله على لقائك اياي، فقد سرني ذلك لتنال الذي تحب، ولينصر الله بك أهل بيت نبيه عليه وعليهم السلام، ولقد ساءني معرفة الناس اياي بهذا الأمر قبل أن يتم مخافة هذا الطاغية وسطوته. فقال له معقل: لا يكون الا خيراً، خذ البيعة علي، فأخذ بيعته، واخذ عليه المواثيق المغلظة ليناصحن وليكتمن، فاعطاه من ذلك ما رضي به، ثم قال: اختلف اليّ اياماً في منزلي فاني طالبٌ لك الإذن على صاحبك، واخذ يختلف مع الناس، فطلب له الاذن، فاذن له فاخذ مسلم بن عقيل بيعته وأمر أبا ثمامة الصائدي بقبض المال منه، وهو الذي كان يقبض أموالهم وما يعين به بعضهم بعضاً ويشتري لهم السلاح وكان بصيراً وفارساً من فرسان العرب ووجوه الشيعة وأقبل ذلك الرجل يختلف إليهم، فهو أول داخل وآخر خارج. ثم أن مسلم بن عوسجة بعد أن قُبض على مسلم بن عقيل وهاني بن عروة وقتلا حتى اختفى مدة ثم فرّ باهله إلى الحسين (ع) فوافاه بكربلاء وفداه بنفسه.


وفي كربلاء وبعد أن وافت الإمام الحسين (ع) انباء ردة الكوفة وقتلهم لابن عمه مسلم بن عقيل وهاني بن عروة أخذ يعلن انباء النكسة ويدعو اتباعه إلى الانصراف قائلاً: أن القوم يطلبوني ولو اصابوني لهوا عن طلب غيري، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً، ثم ليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي، وقال له أهله وتقدمهم العباس (ع) بالكلام: لِمَ نفعل ذلك؟ لنبقى بعدك؟! لا أرانا الله ذلك أبدا ثم قام مسلم بن عوسجة فقال: انحن نخلي عنك، ولم نعذر إلى الله في أداء حقك؟! أما والله لا أبرح حتى اكسر في صدورهم رمحي واضرب بسيفي ما ثبت قائمة بيدي ولا افارقك، ولو لم يكن معي سلاح اقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة دونك حتى اموت معك. وقد سجّل المؤرخون واهل المقاتل صور الحرب والقتال فقالوا: ثم خرج مسلم بن عوسجة الاسدي وهو يقول:


إن تسألوا عني فاني ذو لبد         من فرع قوم من ذرى بني اسد


فمن بغاني صائد عن الرشد          وكافـــــر بديــــــن جبــار صمد


فقاتل قتالاً شديداً لم يسمع بمثله فكان يحمل على القوم وسيفه مصلت بيمينه ولم يزل يضرب فيهم بسيفه حتى عطف عليه مسلم بن عبد الله الضبابي.


وعبد الرحمن بن أبي خشكارة البجلي فاشتركا في قتله ووقعت لشدة الجلاد غبرة عظيمة، فلما انجلت إذا هم بمسلم بن عوسجة صريعاً. فمشى إليه الحسين (ع) فإذا به رمق فقال له الحسين (ع): رحمك اله يا مسلم (منهم مَنْ قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا).

... نسألكم الدعاء ...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *