كربلاء .. البطولة .. الفداء


 


من البديهي القول: أن معركة كربلاء وما رافقها من بطولات وتضحيات ومآسٍ تقشعر لها الأبدان، هي التي بلورت إرادة الأمة وعزيمتها باتجاه رفض الظلم ومقاومة الظالمين، وبلورة الأحاسيس الخيرة في الإنسان.


 


وإن سفر الحياة المفتوح، يعلمنا أن البطولات والتضحيات الإنسانية النبيلة، والتي تتجسد بكل معانيها ومستوياتها في كربلاء الحسين، هي عنوان الحضور والشهود، وهي صناعة للتاريخ وفق مقاييس القيم ومتطلبات المثل العليا.


 


فالإمام الحسين(ع) بتضحياته، وفعله الاستشهادي في سبيل الله، والإصلاح في أمة المسلمين، قد كرس خطاً جهادياً في مسيرة الأمة، ضد كل مظاهر الزيغ والانحراف والخروج من ضوابط القيم ومتطلبات الاعتقاد الديني؛ لذلك ووفق هذا المنظور فإن الحسين(ع) ضرورة لكل العصور، لما يجسده من قيم ومبادئ ومثل إسلامية عليا.


 


وعاشوراء الفداء الذي سطر مفرداته ثلة من المؤمنين المخلصين، هو الذي أمسك بدفة التاريخ، وتحكم بشكل أو بآخر في مسار العديد من ظواهر التاريخ الإسلامي بعد معركة الطف.


وعليه فإن مجلتكم (البيان) تشارككم الحزن والأسى بما جرى على سيد الشهداء عليه السلام.


 


وإنه لمن الطالع أن تتواجد بيننا فئة نذرت نفسها للمساهمة الفاعلة في المجتمع من خلال مختلف المواقع، ومن هنا فإننا ندعو لهم وللآخرين بالتوفيق والسداد ونتمنى من الآخرين العون والمساهمة الجادة.


 


إن عاشوراء مناسبة تاريخية مستمرة، لاستيعاب دروس التضحية والفداء، وهذا الاستيعاب يتم وفق النظرة العميقة والمنهج الدقيق والقصد الشريف. ولا نعدو الصواب حين القول: أنه ليست هناك مناسبة تاريخية في الدائرة الإسلامية، استطاعت أن تثير الوعي والضمير، والفكر والوجدان، باتجاه الخير بكل صوره وأشكاله، مثل مناسبة عاشوراء، واستشهاد الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام؛


 


ففي هذه المناسبة التاريخية تنمو نوازع الخير، وتخبو نوازع الشر والطغيان. وكل ذلك بفعل الزخم العاطفي والتربوي الذي تحدثه هذه المناسبة العظيمة في نفوس أتباع مدرسة أهل البيت(ع)؛ لذلك فإن الإحتفاء بعاشوراء، والاستمرار في إحياء ذكرى الطف وأهوالها، ليس من أجل الانحباس في التاريخ، وإنما من أجل أن تأخذ القيم التي نهض من أجلها الإمام الحسين(ع)، طريقها في راهننا، وتتبوأ موقعها في حياتنا المعاصرة فـ(الإمام الحسين قضيتان.. قضية حق مضيّع، وقضية جسد مقطع..


 


أما قضية الجسد المقطع فانتهت، ودخل الحسين في جنات الله، وهو سيد الشهداء، وسيد شباب أهل الجنة، ولكن قضية الحق المضيع هي القضية الباقية. ومن هنا فكل محروم يبحث عن سيده، وكل مستضعف يبحث عن مأوى، وكل مطرود عن البلاد، وكل سجين، وكل معتقل وكل معذب، يبحث عن إمام وقدوة، ليستلهم منه الدروس، ولا يجد أفضل من الإمام الحسين معلما وهاديا ومرشدا. وهنا يكمن السر في حب الناس له، فهم يرون في الإمام مبادئهم وشخصيتهم وكرامتهم وعزتهم).


 


فعاشوراء – وفق هذه الرؤية – ضرورة راهنة، لأنها مناسبة تاريخية تدفع المجتمع، بكل أطيافه وطبقاته وشرائحه، إلى التفاعل مع قيم الفداء والتضحية والنبل والوفاء.. وما أحوجنا اليوم إلى تلك القيم، التي تغرس في محيطنا الاجتماعي كل موجبات الانعتاق والتحرر من كل رواسب الجاهلية والتخلف.


وعاشوراء طريقنا لتربية الأجيال وفق قيم الإسلام الخالدة، وسبيلنا إلى تذليل كل العقبات التي تحول دون التفاعل الاجتماعي المطلوب مع تلك القيم والمبادئ.

... نسألكم الدعاء ...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *