الحر بن يزيد الرياحي
هو الحر بن يزيد بن ناجية بن قعنب بن عتاب بن هرمي بن رياح بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم التميمي اليربوعي الرياحي. وكان رضوان الله تعالى عليه شريفاً في قومه؛ جاهلية وإسلاماً فقد كان جده عتاباً رديف النعمان، وكان الحر رئيساً في الكوفة استدعاه ابن زياد وكلفه باعتراض طريق الإمام الحسين (ع) فخرج على رأس ألف فارس وقد قال الرواة بأنه نودي من خلفه عند خروجه من القصر (ابشر يا حر بالجنة) فالتفت فلم ير أحداً وقال في نفســه والله ما هذه بشارة وأنا اسير إلى حرب الحسين ولما صار مع الحسين (ع) قص عليه الخبر فقال له الإمام (ع) (لقد أصبت أجراً وخيراً) ومن دلائل شخصيته الخيرة أنه واثناء وجوده مع جيشه قرب جيش الامام الحسين إئتم هو واصحابه بالامام عليه السلام، ومرةً حال الحر بين جيش الإمام (ع) ومنعهم من التحرك فقال له الإمام عليه السلام ثكلتك أمك ما تريد؟ قال أما والله لو غيرك من العرب يقولها لي وهو على مثل هذه الحالة التي أنت عليها ما تركت ذكر أمة بالثكل أن أقوله كائناً من كان؛ ولكن والله مالي إلى ذكر امك من سبيل الا باحسن ما يقدر عليه، كما أن هناك عدة مواقف أخرى تدل على نبله وسمو شخصيته، ففي الحادثة المشهورة في منطقة عذيب الهجانات حيث ورود أربعة رجال وفرساً لنافع بن هلال مع دليلهم الطرماح من طرف الكوفة حاول جيش الحر أن يمنعهم من الوصول إلى معسكر الإمام فكان هذا الحوار مع الإمام الحسين (ع):
قال الحر: أن هؤلاء النفر الذين جاءوا من أهل الكوفة، ليسوا ممن أقبل معك، وأنا حابسهم أو رادّهم.
قال الإمام الحسين (ع): لأمنعهم مما أمنع منه نفسي، إنما هؤلاء انصاري وأعواني، وقد كنت أعطيتني أن لا تعرض لي بشيء حتى يأتيك جواب عبيد الله.
قال الحر: أجل لكن لم يأتوا معك.
قال الإمام الحسين: هم أصحابي وهم بمنزلة من جاء معي، فإن تممت على ما كان بيني وبينك والا ناجرتك.
وكانت النتيجة: أن إنسحب الحر واستجاب لرغبة الإمام (ع).
موقفه يوم عاشوراء:
وفي يوم عاشوراء وبعد أن صف كل من الحسين (ع) وابن سعد جيشه للحرب وبعد خطب سيد الشهداء واصحابه اقبل الحر على ابن سعد قائلاً:
أصلحك الله أو مقاتل أنت هذا الرجل؟!
فقال: إي والله قتالاً أيسره أن تسقط الرؤوس وتطيح الأيدي.
قال: فما لك في واحدة من الخصال التي عرض عليكم رضا؟
فقال: أما والله لو كان الأمر لي لفعلت ولكن أميرك قد أبى.
فأقبل الحر حتى وقف من الناس موقفاً، ومعه قرة بن قيس الرياحي، فقال: يا قرة هل سقيت فرسك اليوم؟
قال: لا.
قال: أما تريد أن تسقيه؟
قال: فظننت والله أنه يريد أن يتنحى فلا يشهد القتال، وكره أن أراه حين يصنع فخاف أن أرفعه عليه. فقلت: أنا منطلق فساقيه.
قال: فاعتزلت ذلك المكان الذي كان فيه، فوالله لو أطلعني على الذي يريد لخرجت معه.
فأخذ يدنو من الحسين قليلاً قليلاً فقال له المهاجر بن أوس الرياحي: ما تريد يا ابن يزيد؟ أتريد أن تحمل؟
فسكت، وأخذه مثل العرواء (الرعدة من البرد والانتفاض).
فقال له: يابن يزيد، إن أمرك لمريب، وما رأيت منك في موقف قط مثل شيء اراه الآن، ولو قيل لي من أشجع أهل الكوفة رجلاً ما عدوتك، فما هذا الذي أرى منك؟!!!
قال: إني والله أخير نفسي بين الجنة والنار ووالله لا أختار على الجنة شيئاً ولو قطعت وحرقت.
ثم ضرب فرسه ولحق بالحسين عليه السلام.
فلما دنا منهم قلب ترسه.
فقالوا: مستأمن.
وذكر السيد ابن طاووس رحمه الله قوله: ثم ضرب فرسه قاصداً إلى الحسين عليه السلام ويده على رأسه وهو يقول اللهم إليك تبت فتب عليّ فقد ارعبت قلوب أوليائك وأولاد بنت نبيك.
سلّم على الحسين وقال: جعلني الله فداك يابن رسول الله، أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع، وسايرتك في الطريق، وجعجعت بك في هذا المكان. والله الذي لا اله الا هو ما ظننت أن القوم يردون عليك ما عرضت عليهم أبداً، ولا يبلغون منك هذه المنزل، فقلت في نفسي: لا أبالي أن أصانع القوم في بعض أمرهم ولا يظنون أني خرجت من طاعتهم، واما هم فسيقبلون من حسين هذه الخصال التي يعرض عليهم. ووالله إني لو ظننتهم لا يقبلونها منك ما ركبتها منك، واني قد جئتك تائباً مما كان مني إلى ربي، ومواسياً لك بنفسي حتى أموت بين يديك، أفترى لي توبة؟
قال: نعم، يتوب الله عليك، ويغفر لك، فانزل.
قال: أنا لك فارساً خير مني راجلاً، أقاتلهم على فرسي ساعة وإلى النزول يصير آخر أمري.
قال: فاصنع ما بدا لك.
وكانت له (ره) خطبة مؤثرة قبل بدئه بالقتال، والتي قال فيها:
يا أهل الكوفة لامّكم الهبل والعبر، إذ دعوتموه حتى إذا أتاكم اسلمتموه، وزعمتم أنكم قاتلوا أنفسكم دونه ثم عدوتم عليه لتقتلوه. أمسكتم بنفسه، وأخذتم بكظمه، واحطتم به من كل جانب، فمنعتموه التوجه في بلاد الله العريضة حتى يأمن ويأمن أهل بيته، وأصبح في ايديكم كالأسير لا يملك لنفسه نفعــاً، ولا يدفع ضراً وحلأتموه ونساءه وصبيته واصحابه عن ماء الفرات الجاري الذي يشرب اليهودي والمجوسي والنصراني، وتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه، وها هم قد صرعهم العطش، بئسما خلفتم محمداً في ذريته، لا سقاكم الله يوم الظمأ أن لم تتوبوا وتنزعوا عما أنتم عليه من يومكم هذا في ساعتكم هذه.
فحملت عليه رجالة ترميه بالنبل، فأقبل حتى وقف أمام الحسين عليه السلام.
شهادته:
وبعد الحملة الأولى ومقتل اكثر أصحاب الحسين عليه السلام خرج الحر إلى الحرب وخلفه زهير بن القين يحمي ظهره. فقاتل وهو زهير قتالاً شديداً، فكان إذا شد أحدهما فان استلحم شد الآخر حتى يخلصه ففعلا ذلك ساعة والحر يرتجز:
إني أنا الحر ومأوى الضيف أضرب في أعناقكم بالسيف
عن خير من حل بأرض الخيف
وروى أبو مخنف: أن يزيد بن سفيان الثغري من بني الحرث بن تميم كان قال: أما والله لو رأيت الحر حين خرج لأتبعته السنان قال فبينا الناس يتجاولون ويقتتلون، والحر بن يزيد يحمل على القوم مقدماً ويتمثل بقول عنترة:
ما زلت أرميهم بثغرة نحره ولبــانه حتــى تسربل بالدم
وجال الحر على فرسه فرموه بسهم اصاب فرسه وكبا على الأرض فترجل الحر وهو يقول:
إن تعقروا بي فأنا ابن الحر أشجــع من ذي لبد هزبر
وينزل إلى الميدان وهو يقول:
آليت لا أقتل حتى أقتلا ولن اصاب اليوم الا مقبلا
أضربهم بالسيف ضرباً مفصلا لا ناكلاً فيهــم ولا مهللا
فقتل منهم ثمانين فارساً على ما تذكره الروايات، فضج العسكر، وصعب عليهم أمره، فنادى ابن سعد بالرماة والنبالة فأحدقوا به من كل جانب، فرشقوه بالسهام والنبال حتى أثخنوه بالجراح فحمله أصحاب الإمام الحسين عليه السلام والقوه بين يديه فجعل الحسين عليه السلام يمسح الدم والتراب عن وجهه ويقوله: ما أخطأت أمك إذ سمتك حرا، أنت الحر في الدنيا والحر في الآخرة؛ ثم استعبر عليه السلام.
ويروى أن الإمام الحسين عليه السلام انشأ عند استشهاد الحر قائلاً:
لنعم الحر حر بني ريـاح صبور عند مشتبك الرماح
ونعم الحر إذ فادى حسينا فجاد بنفسه عند الصبــاح