زهير بن القين


 


هو زهير بن القين النماري البجلي، وكان رجلاً شريفاً في قومه÷ شجاعاً له في المغازي مواقف مشهورة، ومواطن مشهودة وكان في الأول عثمانياً، فحج سنة ستين في أهله، ثم عاد فوافق الحسين (ع) في الطريق، فهداه الله وانتقل علوياً، وقصة انتقاله تبدأ حينما أقبل زهير بن القين مع جماعته من مكة يسايرون الحسين (ع)، فلم يكن شيء أبغض إليهم من أن يسايروه في منزل، فإذا سار الحسين (ع) تخلف زهير، وإذا نزل الحسين (ع) تقدم زهير حتى نزلوا يوماً في منزل واحد لم يجدوا بداً من أن ينزلوا فيه فنزل الحسين (ع) في جانب ونزلوا في جانب آخر، فبينما هم يتغدون من طعام لهم إذ اقبل رسول الحسين (ع) فقال لزهير أن أبا عبد الله الحسين بن علي (ع) بعثني إليك لتاتيه فسكت الجميع فقالت له امرأته ايبعث إليك ابن رسول الله (ص) ثم لا تأتيه، سبحان الله لو اتيته فسمعت منه كلامه ثم انصرفت فذهب زهير إلى الحسين (ع) وما لبث أن رجع مستبشراً قد اسفر وجهه فأمر بفسطاطه وثقله ومتاعه فقوض وحمل إلى الحسين (ع)، ثم قال لزوجته انت طالق الحقي بأهلك فاني لا احب أن يصيبك بسببي إلاّ خير. ثم قال لأصحابه من احب منكم أن يتبعني وإلاّ فانه آخر العهد. وعندما عارض الحر بن يزيد الرياحي الإمام الحسين (ع) في الطريق واراد أن ينزله حيث يريد فأبى عليه الإمام الحسين (ع) ذلك ثم انه سايره فلما بلغ ذا حسم خطب أصحابه وبعدها قام زهير وقال لاصحابه اتتكلمون أم اتكلم، قالوا بل تكلم، فحمد الله واثنى عليه ثم قال: قد سمعنا هداك الله يابن رسول الله (ص) مقالتك. والله لو كانت الدنيا لنا باقية وكنا فيها مخلدين الا أن فراقها في نصرك ومواساتك لاثرنا النهوض معك على الاقامة فيها، فدعا له الإمام الحسين (ع).


ولما كانت الليلة العاشرة خطب الإمام الحسين (ع) في أصحابه واهل بيتي فقال في كلامه هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي. فان القوم انما يطلبوني. فقام زهير وقال: والله لوددت أني قتلت ثم نشرت ثم قتلت حتى أقتل كذا ألف قتلة، وأن الله يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن انفس هؤلاء الفتية من أهل بيتك. ولمّا صف الإمام الحسين (ع) أصحابه للقتال جعل زهير على الميمنة وروى أبو مخنف بسنده عن كثير بن عبد الله الشعبي قال لما زحفنا قبل الحسين (ع) خرج إلينا زهير بن القين على فرس له ذنوب وهو شاكٍ في السلاح فقال يا أهل الكوفة نذار لكم من عذاب الله نذار، انّ حقاً على المسلم نصحية اخيه المسلم ونحن حتى الآن اخوة وعلى دين واحد وملة واحدة مالم يقع بيننا وبينكم السيف، فإذا وقع السيف انقطعت العصمة وكنا أمة وكنتم أمة، أن الله قد ابتلانا واياكم بذرية نبيه لينظر ما نحن وانتم عاملون، إنا ندعوكم إلى نصرهم وخذلان الطاغية يزيد وعبيد الله بن زياد فانكم لا تدركون منهما إلاّ السوء عمر سلطانهما كله. انهما يسملان اعينكم، ويقطعان ايديكم وارجلكم ويمثلان بكم، ويرفعانكم على جذوع النخل، ويقتلان اماثلكم وقرائكم امثال حجر بن عدي واصحابه، وهاني بن عروة واشباهه. فسبوه واثنوا على عبيد الله وابيه، وقالوا: والله لا نبرح حتى نقتل صاحبك ومن معه أو نبعث به وباصحابه إلى الأمير، فقال لهم زهير: عباد الله أن ولد فاطمة (ع) احق بالود والنصر من ابن سمية، فان لم تنصروهم فاعيذكم بالله أن تقتلوهم وخلّوا بين هذا الرجل وبين يزيد، فلعمري انه ليرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين (ع) فرماه شمر لعنة الله عليه بسهم وقال له: اسكتْ اسكتَ الله نامتك فقد ابرمتنا بكثرة كلامك، فقال زهير: يا ابن البوال على عقبيه ما إياك اخاطب انما انت بهيمة، والله ما اظنك تحفظ من كتاب الله آيتين، فابشر بالخزي يوم القيامة والعذاب الاليم، فقال له الشمر عليه اللعنة انّ الله قاتلك وصاحبك عن ساعة، قال زهير: أفبالموت تخوفني، والله للموت معه احب اليّ من الخلد معكم، ثم اقبل على الناس رافعاً صوته وصاح بهم: عباد الله لا يغرنكم عن دينكم هذا الجلف الجافي واشباهه، فوالله لا تنال شفاعة محمد (ص) قوم أهرقوا دماء ذريته واهل بيته، وقتلوا مَن نصرهم، وذب عن حريمهم، فناداه رجل من خلفه يا زهير أن أبا عبد الله (ع) يقول لك اقبل فلعمري لئن كان مؤمن آل فرعون نصح لقومه وابلغ في الدعاء، لقد نصحت لهؤلاء وابلغت لو نفع النصح والابلاغ شهادته في يوم كربلاء.


اشتد القتال بعد مقتل حبيب بن مظاهر الاسدي، فقاتل زهير والحر قتالاً شديداً فكان إذ اشدّ احدهما واستلحم شدّ الآخر فخلصه، فقتل الحر رضوان الله عليه، ثم صلّى الحسين (ع) صلاة الخوف ولما فرغ منها تقدم زهير فجعل يقاتل قتالاً لم ير مثله ولم يسمع بشبهه واخذ يحمل على القوم فيقول


أنا زهير وأنا بن القين         أذودكم بالسيف عن حسين


ثم رجع فوقف امام الحسين (ع) وقال له:


فدتك نفسي هادياً مهدياً          اليوم القــى جدك النبيا


وحسناً والمرتضى علياً          وذا الجناحين الشهيد الحيا


فكأنه ودعه وعاد يقاتل فشد عليه كثير بن عبد الله الشعبي ومهاجر بن اوس التميمي فقتلاه رضوان الله عليه ولما صرع وقف عليه الإمام الحسين (ع) فقال: لا يبعدنك الله يا زهير، ولعن الله قاتليك لعن الذين مسخوا قردة وخنازير

... نسألكم الدعاء ...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *