الجزء الثالث من ملف إغتيال الشهيد الشيخ عبد الله المدني
كرة النار المتدحرجة منذ ثلاثة عقود (3-5) … 1



سادسا: حاول أحمد مكي إبراهيم تبسيط قضية مقتل المدني إلي أدني حد، ومع هذا التبسيط حاول تسطيح عقلية القارئ، رغم أن الصحافة والشارع البحريني وحتي أدبيات اليسار في البحرين كانت تصفها دائما بأنهاالقضية التي اهتزت لها البحرين”، لقد جعل مكي من هذه القضية جريمة قتل عادية حيثقرر ثلاثة شبان أن يستمتعوا بسهرة، ولأنهم كانوا يعتقدون بأن الكحول هو أداة الاستمتاع، فلم يبخلوا علي أنفسهم به … وبعد أن لعبت الخمرة دورها وفعلت فعلها وضاعت العقول ..اتخذوا قرارا خطيرا .. قرارا بالقتل” متهما جهاز الأمن بتسييس القضية واستثمارها لقمع حركة اليسار ووضع كوادرها في السجون.



وفي الوقت الذي يحاول فيه أحمد مكي تبسيط القضية تبسيطا مقصودا فإنه يجعل من اعتقاله هو ورفاقه قضية سياسية من الطراز الأول، بينما قضية اغتيال أمين سر أول مجلس وطني في تاريخ البحرين السياسي ومؤسس أول مجلة سياسية ظهرت بعد إعلان استقلال البحرين قضية عادية !!

ولم يخبرنا أحمد مكي علام كان يختلف الشهيد مع قاتليه ومع الحزب الذي ينتمون إليه!!

سابعا: لقد أيد أحمد مكي المحكمة وأثني علي قضاتها، لأنهم برأوه من تهمة القتل -كما يقول- لكنه كال بمكيالين حين عارض حكم المحكمة في الاستئناف حيث عدلت حكم المؤبد الصادر بحق المتهم الثالث علي فلاح إلي الإعدام، بينما أيدت براءته من القتل، فهل أصابت المحكمة حين برأته هو وصارت مسيسة ولعبة في يد أيان هندرسون حين حكمت علي المتهم الثالث بالإعدام؟

يقول أحمد مكي في معرض ثنائه علي حكم المحكمة الصادر بحقه: ”هل قبل القضاة في البحرين أن يبصموا علي هذا الزيف … لا .. لقد صدرت الأحكام ببراءتنا وتم رفض سيناريو الزيف …” ويقول في موضع آخر من مقاله: ”ثم علمت وفيما بعد أن الوزارة تعتزم الاستئناف لتضمن الحكم بإعدام المتهم الثالث .. لاعتقادها بأن بقاءه حيا سيكون عامل كشف للسيناريو المزيف والمعد من مخابراتها .. وهو أمر لم يكن لعناصر أمن الدولة أن تقبل به خشية فضيحة أخري”.

وإذا كان الاستئناف ضمانة الحكومة لإعدام المتهم الثالث فلماذا لم يكن ضمانة كذلك لإدانتك بالاشتراك في القتل، ثم أنك لم تعلمنا أية فضيحة تلك التي ينطوي عليها بقاء المتهم الثالث حيا؟ ولماذا لم تقم أنت بفضح السر الكبير؟


مأساة المدني



ثامنا: لم يرد في كتابات أتباع الشعبية أي تعاطف إنساني مع مأساة المدني الذي قتل شر قتلة وبالغ المجرمون في قتله وتفننوا في ذلك ولا مع معاناة أسرته وأبنائه بعد اغتياله، تلك المأساة التي لا يزال شعب البحرين يتأثر لها ويتذكرها بكل مرارة، ولا يزال يتعاطف مع المدني وأسرته ويلعن قاتليه والراضين بقتله علي الدوام، فإذا كان المنتمون للجبهة الشعبية ينفون عنها هذه الجريمة فلماذا جاءت كتاباتهم متعاطفة مع المتهمين بالقتل ومع المتسترين علي الجريمة، وغلف ذلك بأنه تعاطف إنساني، فهل التعاطف الإنساني يكون مع المتهم بالقتل والذي أدانته المحكمة ولا يكون مع الضحية المقتول؟



ففي مقال أحمد مكي في مجلة الديمقراطي في أغسطس 2003 نجده يتعاطف مع المتهم الثاني، كما يبرئ ساحة عبد العزيز …. الذي سأله المتهمون الثلاثة – وهو صديقهم- عن موقع بيت عبد الله المدني فدلهم عليه، ويترافع عنه بالقول: ” …قرروا أن يطرقوا باب أحد معارفهم وهو السيد عبد العزيز … حيث سألوه عن منزل ضحيتهم المزمعة …. وكان أن دلهم عليه بكل حسن نية  .




وسؤالي: إذا كان قد دلهم علي البيت ”بكل حسن نية” كما تقول فلماذا لم يبلغ عنهم الشرطة في اليوم التالي واحتفظ بالسر إلي أن كشفت التحقيقات أنهم قصدوا بيته ليدلهم علي بيت المدني؟ وأضيف إلي معلوماتك أن عبد العزيز وهو ابن منطقة جدحفص قام بتعزية أسرة المدني واشترك في تشييع جنازته، بل شارك في حمل الجثمان وشوهد وهو يبكي علي قبر الشهيد ومكث مع آخر من تبقي في المقبرة وهو يذرف الدموع الغزيرة دون أن يفكر في إبلاغ الشرطة.”أين حسن النية؟”.


بطولات عبد الله مطيويع
وإجابة سؤال من قتل المدني؟



تاسعا: في التاسع والعشرين من شهر يناير الماضي 2006 فوجئت كما فوجئ الكثيرون بعنوان مثير في جريدة الوسط، العنوان هو: (من اغتال الشيخ عبدالله المدني؟) للكاتب عبدالله مطيويع، قرأت المقال بلهفة فالعنوان يحمل اسم والدي ويحمل في مضمونه الكشف عمن هو القاتل الحقيقي الذي قد يكون خفي علي الناس كما خفي عن أجهزة الأمن والقضاء وها هو عبدالله مطيويع يخبرنا اليوم من هو بعد مرور ثلاثين عاما علي الجريمة ؟ هكذا توقعت – وكانت المفاجأة أكبر حين اكتشفت أن المقال لا علاقة له بقضية اغتيال الشهيد عبد الله المدني، وإنما هو قصة قصيرة رديئة البناء تعبر عن بطولات كاتبها ليس إلا ، ولا علاقة لها بالعنوان من قريب ولا من بعيد، وكأن العنوان دعاية واستدراج للقراء يوهمهم بأن ما كتبه هو حقاً عن عبدالله المدني تلك الشخصية التي لا تزال تسكن قلوب وعقول البحرينيين ويتلهفون للقراءة عنها حتي بعد ثلاثين عاما، ليكتشفوا أن الحقيقة ليست كذلك، ولم يكن المقال يحمل الرقم (1 – 2) ولا (1 – 3) لنعرف أن هناك تكملة آتية للمقال بعد ذلك في الأعداد القادمة من الصحيفة المذكورة.



وفي الشهر التالي طالعتنا صحيفة الوسط بذات العنوان مع تغيير بسيط له دلالته اللغوية بالطبع حيث جاء العنوان نفسه بإضافة الاسم الموصولالذي” ليكون العنوان الجديد ”من الذي اغتال الشيخ عبدالله المدني؟” وليضع عبدالله مطيويع (2 – 2) أمام العنوان هذه المرة، مع أنه لم يكتب أمام عنوان المقال الأول (1 – 2)، ويأتي العنوان ذاته للمرة الثالثة (من الذي اغتال الشيخ عبدالله المدني؟) في مقال ثالث يرد علي مقال لجعفر العصفور في جريدة الوسط بعنوان: ( ”الشعبية” هيأت الأجواء للعملية لكنها بريئة من التخطيط.





كيف تم العثور علي جثة المدني؟؟



عاشرا: يقول عبدالله مطيويع: ” … خلال 42 ساعة تم العثور علي جثته (لا أحد يعرف كيف تم العثور علي جثة المرحوم) . وسؤالي: هل هناك قصة أخري للعثور علي جثة الشهيد المدني يعرفها عبدالله مطيويع أو يرجحها أو يتوقعها، بينما لا يعرفها الناس العاديون؟ فقد احتوي ملف القضية علي شهادة لضابط الشرطة الذي عثر علي الجثة وهو سلمان راشد الزياني يفيد ”أنه في الساعة الواحدة وأربعين دقيقة من بعد ظهر الجمعة 19-11- 1976 وبناء علي أمر مدير التحقيقات الجنائية بالبحث عن المفقود السيد عبدالله المدني تحركت وبرفقتي عدد من أفراد القوة بإحدي سيارات الشرطة، وأثناء مرورنا بالطريق الترابي المار بقرية السهلة وما أن وصلنا إلي منطقة تبعد كيلومترين من قرية أبوقوة وعلي حافة الطريق عثرنا علي جثة شخص عار الجسم ومقيد اليدين، وقد تمكنت من التعرف علي شخصيته وهو المرحوم عبدالله محمد علي المدني” هذه هي إفادة الضابط المختص، فإذا كان عبدالله مطيويع يعرف تفاصيل أخري أو أسراراً عن قصة العثور علي الجثمان الطاهر أو يرجح أمرا ما فلماذا لا يخبرنا به؟ ولماذا يبخل بشهادة هي للحقيقة والتاريخ ومن أجل تنوير جمهور متعطش لمعرفة أي شيئ عن تلك القضية في زمن الحرية والانفتاح؟ هل هناك سر في هذه الجزئية من القصة ؟ وما هو؟


الحرب الكلامية التي تكلم عنها مطيويع



حادي عشر: يتساءل مطيويع من الذي اغتال الشيخ عبدالله المدني؟ هل هم الشباب الثلاثة: محمد طاهر وإبراهيم مرهون وعلي فلاح وذلك بسبب حربهم الكلامية مع الشيخ في القرية أم هي القوي السياسية وتحديدا الجبهة الشعبية؟ ثم يرجح السبب الأول ”الحرب الكلامية مع الشيخ في القرية” .. هذا هو سبب القتل من وجهة نظره. وما أثار استغرابي حقيقة ”الحرب الكلامية مع الشيخ في القرية” إذ لم يكن المتهمون من نفس منطقة سكن عبدالله المدني، ولم يكن يعرفهم من قبل، ولم يتلاسن معهم ولا مع غيرهم في جدحفص ولا خارجها، فليست هذه صفاته، ولا أدري من أين جاءت ”الحرب الكلامية” وفي أية قرية؟ ومتي كان ذلك؟؟ وإذا كان أصدقاء المدني وأهله والمقربون منه وزملاؤه ينفون أي شيء من هذا القبيل فهل سيعرف عبدالله مطيويع عن المدني أكثر من كل هؤلاء؟ ثم أن الحرب الكلامية قد شنت من طرف واحد .. شنت ليلة الاغتيال التي غيرت ملامح الخريطة السياسية في البحرين .. شنت لمدة تزيد علي الساعتين حين أعجز الشهيد قاتلية بالحجة والبرهان فلم يروا إلا السكاكين وحراب السونكي جوابا إلي أن بلغت الطعنات ردا علي كتاباته وكلامه 18 طعنة كل طعنة منها كافية لقتله منها 4 طعنات كافية لقتله في الحال حسب تقرير الطبيب الشرعي .. هذه هي تفاصيل الحرب، و المعروف أن الشهيد المدني لم يكن صاحب حروب كلامية، ولمن خانتهم الذاكرة أقول: كان يصرح بآرائه وأفكاره في النور من خلال منابر هي:



مجلس عائلة المدني في جدحفص وقد تأسس قبل مئات السنين، وكان المدني يستقبل فيه الناس ليحل قضاياهم ويتحاور معهم كما كان يفعل أسلافه من الفقهاء الأجلاء من عائلتي المدني والحرز، وهو ليس مجلس ملاسنة ولا حروب كلامية ولا مهاترات، بل هو مجلس علم وأدب، ولايزال كذلك وسيظل إن شاء الله.




كما كان يدلي بآرائه وأفكاره ومقترحاته من خلال أول برلمان منتخب في تاريخ البحرين بعد الاستقلال المجلس الوطني الذي كان هو أمين سره، وقبله المجلس التأسيسي الذي وضع أول دستور للبلاد وكان أبرز أعضائه.



ومن منابر الرأي لديه مجلة المواقف الأسبوعية التي أسسها الشهيد في العام 1973 وكان يرأس تحريرها.



وكذلك المحاضرات والندوات التي يقيمها أو يشارك فيها في المآتم والمساجد والحسينيات والجوامع والنوادي في أنحاء متفرقة من البحرين. وكانت مجالسه دائما هي مجالس فقه وأدب وحوار وحل لقضايا الناس… فأي حرب يتكلم عنها عبدالله مطيويع؟ علي أنني أتحداه أن يذكر لي ملاسنة واحدة جرت بينه وبين المتهمين أو غيرهم ”في القرية” أوخارجها قبل تلك الليلة المشئومة. ثم أن الشهيد كان يتسم بهدوء الطبع والبعد عن المهاترات، وكان يحاور مخالفيه ويستمع إليهم، ويسمح لهم بالكتابة في مجلته المواقف ودونكم أرشيف المجلة فهو خير شاهد علي ذلك.


                                                 بقلم: حسن المدني

... نسألكم الدعاء ...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *