هل تبنت جريدة الوطن الرواية البوليسية لمقتل المدني؟
رابعا: وقد اتهمت مجلة الديمقراطي جريدة الوطن البحرينية اليومية بأنها تبنت الرواية البوليسية، وتساءلت المجلة: ”هل هي صدفة أن تتزامن عملية نبش قبور محاكمات جرت قبل ثلاثين سنة لتتبني خلالها (صحيفة) رواية الجهاز البوليسي وتشطب قرار المحكمة؟” ولكن المتتبع لملف الإسلام الحركي في البحرين الذي فتحته الصحيفة لا يلحظ تبنيها الرواية، وما حدث فعلا هو نقلها للرواية التي جاءت في جريدتي أخبار الخليج والأضواء آنذاك في تغطيتهما للجريمة ومجريات المحاكمة، بالإضافة إلي نشرها مقابلة مع سماحة الشيخ سليمان المدني، وقد جاء اتهام الجبهة الشعبية بالقتل علي لسانه تحت عنوان: (الجبهة الشعبية اغتالت أخي عبدالله المدني لدوره في شل قوة اليسار)، ومما جاء علي لسانه أيضا: ” للإجابة عن سؤالين: من اغتيال عبدالله المدني؟ ولماذا؟ قال: كان الصراع مع اليسار عموما ومع الجبهة الشعبية التي وجدت الأرض تهتز من تحت أقدامها بسبب انتشار الوعي الديني والأفكار الإسلامية مما دفع بالجبهة الشعبية إلي اغتيال الشهيد عبدالله المدني”، ولم يكن محور الملف هو اغتيال الشيخ عبدالله المدني، بل كان الإسلام الحركي في البحرين ومن ضمنه تأسيس حزب الدعوة وامتداداته في هذا البلد.
وأرجو ألا يفهم كلامي أنه دفاع عن جريدة الوطن فالجريدة لها القدرة علي الدفاع عن نفسها بالطرق التي تراها، والقصد أن أبين هذه النقطة وأضع الأمور في نصابها، فالاتهام الذي أوردته الجريدة جاء منقولا ولم تتهم ولم تدع لنفسها أنها توصلت عن طريق التحقيق لقتلة المدني الحقيقيين، وكان بإمكان الشعبويين الرد عليه دون تشنج ودون اتهامات، علي أن ذات النمط من التفكير سيقودهم لاتهام وتخوين كل المؤسسات الصحفية في البحرين مثل مجلة المواقف الأسبوعية وجريدة الأضواء الأسبوعية ومجلة صدي الأسبوع الأسبوعية وجريدة أخبار الخليج اليومية وجريدة الوسط اليومية، وجريدة الميثاق اليومية فكل هذه الصحف والمجلات وغيرها تناقلت ذات الكلام الذي نشرته مؤخرا جريدة الوطن اليومية، فهل كل تلك المؤسسات الوطنية تقع في دائرة الاتهام والوقوف في وجه ”المعارضة” التي هي هنا متمثلة في الجبهة الشعبية كما يعتقد أعضاؤها؟
القتلة الشهداء !!!
خامسا: من الملاحظات اللافتة في أدبيات الجبهة الشعبية حتي في كتاباتها الأخيرة أنها لا تكني عبدالله المدني بـ”الشهيد” علي العكس من الشارع البحريني وكل القوي الوطنية البحرينية علي اختلاف تلاوينها وأطيافها بما فيها بعض تشكيلات اليسار، بينما لا تذكر قتلاها المتهمين في قضية مصرع المدني إلا بذكر ”الشهيد” ، ورغم نفيها أن تكون لها أية علاقة بدم المدني إلا أن أتباعها من بعض الطلبة البحرينيين المتعاطفين أو المنظمين للجبهة الشعبية في بغداد والكويت ودمشق كانوا يرفعون صور القتلة الثلاثة الأول علي أنهم شهداء الجبهة أو شهداء البحرين، وقد حدثت الكثير من المشكلات انتهت بقطيعة بين المتعاطفين مع القتلة وهم قلة قليلة وبين زملائهم البحرينيين الذين يتعاطفون في جلهم مع الشهيد المدني وقضيته، ولاتزال جمعية العمل الوطني الديمقراطي تحيي ذكري المتهم السادس وغيره علي أنهم شهداء البحرين، ولا تحيي بالطبع ذكري استشهاد المدني، فهل اقتصرت الشهادة علي عناصر الجبهة الشعبية التي تؤمن بالخط الماركسي اللينيني كعقيدة ومنهج حياة وخسرها المدني وهو أشد الناس إيمانا بالله وأكثرهم خدمة للناس وخاصة الضعفاء والفقراء والمحرومين؟ أم أن الجبهة لاتزال متأثرة بتلك الأيام التي كانت فيها تشحن أتباعها ضد المدني وتعبئهم ضد أفكاره التي هي أفكار عروبية وإسلامية وضد خطه المستقل عن الأنظمة السياسية، وقد عز عليها اليوم أن تتحول 180 درجة لتسمي من كانت تصمه بالرجعية في منشوراتها ”شهيدا” رغم التحولات السياسية الخطيرة التي شهدتها البحرين والمنطقة والتي حتمت علي القوي السياسية تغيير خطابها وحتي أفكارها ونهجها والتلون بما فيها الجبهة الشعبية في البحرين؟
عموما أنا لا أطلب من الجبهة الشعبية المتهمة بالقتل أن تسمي عبدالله المدني شهيدا ولا أريد من جمعية العمل الوطني الديمقراطي أن تحيي ذكري استشهاده ولا أتوقع منهما ذلك، ولكني أدعوهم إلي الاعتراف بالحقيقة، ونفض غبار الماضي المثقل، والاستعداد للإصلاح الذي هو شعار المرحلة في البحرين والعالم أجمع، وتغيير خطابهم، والإفصاح عن أيديولوجيتهم الحقيقية بكل شجاعة ودون خوف لينضم إليهم من ينضم ويتركهم من يشاء بقناعة تامة، كما أدعو الأجيال الجديدة المتفتحة التي لم تعاصر الشهيد المدني أن ترصد تلك الإشارات وغيرها في خطاب الجبهة والجمعية المتولدة عنها والتي تدل في محصلتها علي أفكار وتوجهات الحزب الذي يرتبط حبله السري بأنظمة وراء البحار، كما آمل من الأجيال الجديدة التي انضمت إلي جمعية العمل الوطني الديمقراطي وغيرها من الجمعيات السياسية أن تفتش في تاريخ تلك الأحزاب والتيارات التي كانت هذه الجمعيات امتدادا لها وألا تستسلم لـ”بطولات” الحزب أو التيار الأسطورية ولا”خوارقه” الثورية، بل تنقدها بموضوعية وتدرسها بكل تحرر، وتحرج الواقع بالأسئلة والبحث والتقصي لتكتب تاريخ البحرين بأيد بيضاء. علي أنني أعتقد أن هذا اليوم آت لا محالة وأن كل الأوراق ستنكشف بكل تأكيد عاجلا أم آجلا.
بقلم: حسن المدني