الجزء الثاني من ملف إغتيال الشهيد الشيخ عبد الله المدني
كرة النار المتدحرجة منذ ثلاثة عقود (2-5) … 1
لقد استغل بعض المتعاطفين أو المنضمين للجهة المتهمة بالقتل الحرية الممنوحة للصحافة والانفتاح الذي قاده جلالة الملك فحاولوا الإجابة في الغالب عن سؤال واحد فقط هو: من الذي اغتال الشيخ عبد الله المدني؟ ولم يكن ذلك بصورة موضوعية ولا من أجل الحقيقة أو التاريخ، بل لإبعاد التهمة عن ساحتهم، فجاءت إجاباتهم اجترارية للرواية الحزبية التي تصور الجريمة علي أنها جريمة قتل عادية قام بها ثلاثة شبان مخمورين، ثم قامت الحكومة بعد ذلك بتسييس القضية الجريمة واستثمارها لضرب الحركة الوطنية!!
واليوم نحاول فتح بعض الوريقات من ملف لايزال ينضح دما للرد والتعليق علي ما جاء مؤخرا في الصحافة المحلية، تلك وريقات من ملف اغتيال رجل قل نظيره في تاريخ البحرين .. بالغ أعداء الدين والوطن في قتله بكل ضراوة وبدائية وجاهلية ..
نحاول فتح بعض الوريقات لنقدم من خلالها إيضاحا للحقيقة ونقدا لما دار في الصحافة المحلية من حوار وجدل ونقاشات، ونتناول بالتعليق بعض النقاط في ملف به كثير من الألغاز .. والألغام .. والشجون .. والآلام .. والجروح .. والحروق. وعندما نحاول فتح هذا الملف رغم خطورته وحساسيته وكثرة القيل والقال فيه، فأرجو ألا يفهم أننا نحاول تجييش الناس أو استعطافهم ليكونوا معنا حتي علي الباطل، إننا نريد منهم أن يكونوا مع الحق، وهو أولي أن يتبع، نريد منهم أن يكونوا مع ضمائرهم وعقولهم، ولذا فإننا ندعو كل من لديه رأي أو تعليق أو تحليل أو تساؤل أو معلومات أو وثائق أو صور تتعلق بحياة الشهيد عبد الله المدني أو بقضية استشهاده أن يزودنا بها لتتكامل الصورة في حادثة هي الأولي من نوعها في تاريخ البحرين السياسي، علي أن هذه الوريقات هي تمهيد لملف في ذات القضية ننوي فتحه بصورة أوسع وأكبر في الشهور القليلة القادمة.
تساؤلات حول ملف الديمقراطي
ومن النقاط والملاحظات التي تستأهل الإثارة في الموضوعات التي كتبت في الآونة الأخيرة عن الشهيد المدني من وجهة نظرنا هي:
أولا: ما جاء في ملف مجلة الديمقراطي التي تصدرها جمعية العمل الوطني الديمقراطي؛ فقد تصدر غلاف المجلة في عددها (92) الصادر في شهر يناير 2006 عنوان مثير يحمل سؤالا كبيرا كتب باللون الأحمر وهو (هل بدأ العد العكسي للهجوم علي المعارضة؟)، وداخل العدد وتحت نفس العنوان في (ملف العدد) سؤال آخر (لماذا يفتح البعض ملفات قديمة ويوجه سهامه للمعارضة؟) ويناقش الملف ضمن ما يناقش فتح جريدة الوطن لملف مقتل الشهيد عبد الله المدني، في نوفمبر 1976 ويبدأ ملف الديمقراطي باتهام الصحيفة بتبني الرواية البوليسية، ويشبهها بـ”التاجر المفلس الذي يفتش في دفاتره القديمة لعله يلتقط دينا له، فراحت تنبش في الملفات لعلها تلتقط (سبقا) يسوق المولود الجديد لينتزع له مساحة في السوق، فخرجت بمانشيت عريض اتهمت فيه الجبهة الشعبية في البحرين بقتل المرحوم الشيخ عبد الله المدني. ولترويج هذا الموقف اقتبست رواية جهاز المخابرات إبان الهجمة علي الحركة الوطنية التي تم استثمار مقتل المدني فيها، لتتحول البلاد إلي أشبه بمحاكم التفتيش، ونقلت الوطن الرواية الأمنية حرفيا،.
وجاء في سياق الملف شهادات للمتهم الرابع في قضية مصرع الشهيد المدني وهو أحمد مكي إبراهيم، ولعبدالله مطيويع، حيث أسهبا في الحديث عن مظلوميتهما وظروف اعتقالهما بعد مقتل الشهيد المدني، كما حوي الملف رواية لإبراهيم كمال الدين الذي كان معتقلا قبل استشهاد الشيخ المدني. ولم يأت ملف الديمقراطي يتيما، بل جاء قبله وبعده ما ينيف علي عشرين موضوعا في الصحافة المحلية عن الشهيد عبدالله المدني .. وظروف اغتياله، وتوزعت هذه المقالات علي عدد من الكتاب في مقدمتهم عائلة المدني، وأتباع الجبهة الشعبية لتحرير الخليج العربي وعمان، وعدد من اليساريين من غير أتباع الجبهة الشعبية، بالإضافة إلي الإسلاميين.
وفي المقالات التي كتبها أتباع وأعضاء الجبهة الشعبية لتحرير الخليج العربي وعمان كانت هناك محاولات مستميتة لصياغة المنحني الدرامي لقصة استشهاد الشيخ عبدالله المدني من وجهة نظرهم هم دون غيرهم، فهم يرفضون رفضا قاطعا فتح الملف من أية جهة أخري ما لم تماثلهم الرأي، ويعتبرون أية إثارة للموضوع هجوما حكوميا علي المعارضة، وفي هذا الصدد تتساءل مجلة الديمقراطي مستنكرة: (لماذا يفتح البعض ملفات قديمة ويوجه سهامه للمعارضة؟) وكأن فتح الملفات السياسية والوطنية مقصور عليها وعلي كوادرها أو أن الحقيقة محصورة فيهم دون غيرهم!! ولذا فإن أتباع الجبهة يسارعون بالرد علي ما يكتب ويصفونه بأنه ترديد للرواية الحكومية البوليسية التي تفنن أيان هندرسون في حبكتها.
هذا ما يلاحظ بوضوح في كتابات عناصر الجبهة الشعبية في البحرين، فهم ينزعجون بشدة من فتح ملف جريمة مقتل المدني التي اتهمت الجبهة بارتكابها، وهذا ما لا يجب أن يحدث إذا كانت الجبهة واثقة من نظافة ملفاتها وبراءة أعضائها وكوادرها من هذه الجريمة، لأن ظروف الانفتاح السياسي وحرية الرأي في البحرين تمكن كل الأطراف السياسية من قول ما تعتقد بكل حرية وصراحة ودون خوف، فلماذا الخشية والانزعاج من وجهات النظر الأخري ووصمها بأنها تتبني الرواية البوليسية وأنها تتهجم علي المعارضة؟ لماذا لا تناقش الجبهة ما يكتب بموضوعية بدل نفيه وتخوين كاتبيه؟
فلقد استنكر شوقي العلوي ما جاء في كلامي في جريدة الوسط، وخطأت الديمقراطي الكاتب عبدالله خليفة، لأنه قال كلمته بكل صراحة ووضوح ودون خوف أو تردد، في جريدة أخبار الخليج، ولم يسلم رضي السماك الكاتب في نفس الصحيفة حين كتب عن الجريمة التي استنكرها شعب البحرين، وصبوا جام غضبهم علي جريدة الوطن حين فتحت الملف، وأخذوا يكيلون لها الاتهامات واستخدموا كل مهاراتهم اللغوية للنيل منها واستحضروا كل مصطلحات اليسار العربي القديمة للثلب والتخوين، وخطئ جعفر العصفور حين كتب مقالا في جريدة الوسط يرد فيه علي عبدالله مطيويع ويتهم فيه الجبهة الشعبية بتهيئة الأجواء لعملية الاغتيال عبر شحن أتباعها بكره وبغض المدني، ويشهد أن المتهم الثالث كان يتعاطف مع الجبهة الشعبية علي أقل تقدير إن لم يكن عضوا فيها، ولم ينقل كلامه عن أحد، وإنما كان المتهم زميلا له في مدرسة جدحفص الثانوية الصناعية وقد لمس منه شخصيا هذا التوجه. وفي مجلة (الديمقراطي) وخاصة العدد 29 يناير 2006 شواهد عديدة علي الثلب والتخوين وتهويل الأمور دون مبرر معقول.إثارة قضية اغتيال المدني بعد ثلاثة عقود
والرواية الحزبية للاغتيال
ثانيا: وإذا كان كوادر وأعضاء الجبهة الشعبية يستنكرون إثارة القضية في مثل هذا الوقت ويتهمون هذا الطرف أو ذاك بإثارتها لأغراض معينة بعد ثلاثين عاما، فإنني أذكرهم بأن إثارة الموضوع جاءت في البداية من قبل أحمد مكي إبراهيم في مجلة الديمقراطي بعد رقود القضية تحت الرماد لما يقرب من الثلاثين عاما، وذلك في شهر أغسطس 2003 ولم يكن يفتح حينها ملف اغتيال المدني، إلا في مجلة (المواقف) الأسبوعية التي أسسها الشهيد المدني والتي ما فتئت تحيي ذكري استشهاده منذ العام 1976، وأكثر هذه المقالات المؤبنة كانت بقلم (كاتب هذه السطور) دون التطرق إلي اسم الجبهة الشعبية، بينما كانت إثارة المتهم الرابع المذكورة تحمل ختم الجبهة الشعبية بالطبع، وتتبني رواية يمكنني أن أطلق عليها (الرواية الحزبية) وفي طياتها استفزاز لأسرة المدني وللإسلاميين (وسأوضح ذلك لاحقا(
وكان أول فتح لملف هذه القضية في غير مجلة المواقف ومن غير مناصري الجبهة الشعبية ما أثارته الوسط حين أحيت بعد ذلك ذكري استشهاد الشيخ عبدالله المدني في 8 فبراير 4200 الموافق 17 ذوالحجة في تقرير صحفي بعنوان: (عبدالله المدني … بعد ثلاثين عاما من رحيله نور خبأ وشمعة انطفأت)، وأخذ فيه كاتب التقرير (حيدر محمد) آراء العديد من أسرة المدني ومن الإسلاميين وكنت من ضمنهم ، ويبدو أن شوقي العلوي لم يرق له كلامي فعاجلني بمقال في نفس الصحيفة نفي التهمة عن الجبهة الشعبية ونسبها ضمنا للحكومة، وتوالت بعدها المقالات التي تناقش القضية ومن أبرزها مقال الكاتب عبدالله خليفة المعنون بـ(الشهيد عبدالله المدني) بتاريخ 6-2-4200 وقد رد عليه أنصار الشعبية، ثم تكاثرت المقالات والموضوعات في ذات القضية إلي أن خرجت إلي الوجود جريدة الوطن بملفها (الإسلام الحركي في البحرين) ومن ضمنه شخصية الشهيد عبدالله المدني، ونخلص في هذه النقطة إلي أن الشعبويين هم من بدأ بفتح الملف من زاوية اعتقدوا أنها في صالحهم، لكن يبدو أنها ليست كذلك فالقضية كرة نار متدحرجة منذ ثلاثين سنة، إذ سرعان ما استيقظت أقلام كتبت في الموضوع من خارج دائرة الجبهة وأتباعها، وترددت في تلك المقالات التي كتبت الرواية الرسمية التي هي عينها الرواية الشعبية ورواية جزء من اليسار البحريني وهي (تورط الجبهة الشعبية بمقتل عبدالله المدني)!!. اختزال المعارضة في الجبهة الشعبية .
ثالثا: ويرتبط بالنقطة الأولي محاولة الجبهة الشعبية اختزال (المعارضة البحرينية) و(القوي الوطنية) في كيانها هي وفي جمعية العمل الوطني الديمقراطي المتولدة عنها، وهذا بالتأكيد ظلم كبير للمعارضة البحرينية بكل أطيافها وتلاوينها، فقد صورت الجبهة إثارة موضوع قضية اغتيال المدني أنه هجوم علي المعارضة من قبل الحكومة أو من قبل المرتبطين بها، وبالرجوع إلي عناوين مجلة الديمقراطي سالفة الذكر (هل بدأ العد العكسي للهجوم علي المعارضة؟) و(لماذا يفتح البعض ملفات قديمة ويوجه سهامه للمعارضة؟)، يتضح لنا أن الجبهة الشعبية تعتبر نفسها هي المعارضة، وبالرجوع إلي ما كتبه أحمد مكي في مجلة الديمقراطي نجد أنه يحاول اختزال (القوي الوطنية) في الجبهة إذ يقول: ” …. وضعوا سيناريو آخر للحادثة، لقد حاولوا من خلاله أن يجعلوا من القتلة الثلاثة مجرد أدوات تنفيذ الجريمة حاكتها القوي الوطنية في البحرين”.
بقلم: حسن المدني