حفل التأبين
أقام شقيق وأسرة المرحوم عبد الله المدني يشاركهم في ذلك أهالي جدحفص حفل تأبين بمناسبة مرور أربعين يوما على استشهاده , وذلك في مساء الأربعاء – ليلة الخميس – الموافق 5 يناير 1977 .. وقد أقيم الحفل في جامع جدحفص وحضره جمع غفير من مختلف المستويات من المواطنين , وقد تولى إدارة حفل التأبين الأستاذ حميد مسعود سند.
بدأ الحفل في الساعة السابعة والنصف بتلاوة عطرة من القرآن الكريم ثم تعاقب بعدها الخطباء , فمنهم من ألقى نثرا , ومنهم من ألقى شعرا , وكان برنامج هذا الحفل كالآتي:
· كلمة ارتجالية للشيخ عيسى قاسم.
· قصيدة للخطيب محمد علي الناصري.
· كلمة للأستاذ علي الشرقي, نيابة عن نادي جدحفص.
· قصيدة للشاعر جعفر مسعود سند.
· كلمة للأستاذ أحمد طاهر فردان نيابة عن الصندوق الحسيني.
· قصيدة للشيخ عبد الأمير الجمري.
· قصيدة للشيخ عباس أحمد.
· كلمة ختام مرتجلة للشيخ سليمان المدني.
ومما قاله الشيخ عيسى قاسم في مستهل كلمته:
السلام عليكم أيها الأخوة المؤمنون: أبا حسن مضيت سعيدا إذ ذهبت شهيدا خالدا في الخالدين, وأني لأطمئن إلى مصيرك اطمئنان المؤمن الموقن بمصير المؤمن المجاهد وهو أول مفارقة بين صريع الحق وصريع الباطل, إن الذين يتساقطون على درب الضلال من أعدائك خير ما يؤمله أصحابهم فيهم, أنهم قد ذهبوا إلى طي العدم الكاثم, وهذه المفارقة تغري كل مؤمن بمزيد من الإندفاعة إلى العمل في سبيل الله سبحانه وتعالى, وأما من خلفت فقد خلفت أشبالا غدا هم اسود على دربك يجاهدون إن شاء الله, إن الحديث ينبغي أن يتحول إلى حديث منحتنا القائمة لا حديث المصرع الكريم, الذي كان شهيده عبد الله رحمه الله, وإن الظروف لا تسمح لنا بأن نسخو بدمع في مثل هذه الفاجعة المؤلمة, وأشد منها فإن ما تقابلنا به الظروف وتجبرنا به من محنة قاسية لا يمكن أن يقاومها ولا يمكن أن يكون السلاح الذي نخوض غمارها به, إلا سلاح الفكر والتأمل والمحاكمات العقلية الدقيقة .. إن الاعتداء الغاشم يمثل بادرة خطيرة في تاريخ هذا البلد لا لما تكلف هذه البادرة أو ما تستتبعه من مثيلات لها من تضحيات للصف المؤمن, إنما لما تشير إليه من بلوغ الجرأة على الله والجرأة على الدين إلى حد يمكن أن تعطي قضية واضحة تمثل حكما سلبيا على الصف المؤمن نفسه.
وألقى الخطيب محمد علي الناصري قصيدته تحدت عنوان “كبش الفدى”:
خير الشباب وداعه وتعلما
حقا وفي معنى الحياة تفهما
وتفقها في الدين جل حياته
وتأدبا بسلوكه وتحشما
حر أبي الطبع من أخلاقه
وإذا وصفت لدى الشدائد ضيغما
للمعوزين ذوي المشاكل معقل
فرد غدى جيش الدفاع عرمرما
أعني الذي ملأ المسامع شهرة
ملأ القلوب مع النفوس تعظما
أعني المبجل ذاك عبد الله من
ساد الشباب نباهة وتقدما
ركن لتحرير الصحافة قد هوى
في مصرع أجرى المدامع عندما
بحر لعنوان الثقافة طافح
أسفي لقد نضب المحيط وقد طما
كبش الفدى إليك شعبك باذل
أغلا النفوس مؤبنا متألما
لم ينسك الجمهور من بحريننا
حتى الأمير بكى بدمع فرهما
عزا ولكن ثاكل بمصابه
بالثأر يوعد آسفا طالما
أدى إليك الشعب طالما
أسديت إحسانا إليه مقدما
لم تأل جهدا في الدفاع مجاهدا
عن حوزة الإسلام بل ومفهما
عن موطن ذقت الطغام بجرأة
هدت كيان الملحدين تهدما
هذي المواقف بالموافق شاهد
كم موقف غمر القلوب تعلما
أأبا المواقف لا نستك مواقف
أثر سيبقى للقيامة معلما
قلبا من الإيمان تحمل مفعما
في المبهمات وفي الغوامض ملهما
ودعت شيخك أحمد في لهفة
وبذلك التوديع فيك متيما
لم ترق عبرته السخينة ساعة
متنجعا في نطقه متلعثما
أما سليمان أخوك فإنه
أوهى مصابك لبه فتحطما
قد كان يأمل أن تطوف بجنبه
بيت الحرام أبا المغانم محرما
وإذا به للحزن أصبح كعبة
عن قلبه السلوان بات محرما
فعلى اله العرش جبر مصابه
لفؤاده المجروح يبعث بلسما
أما التي في الخدر أنت وحيدها
ستظل طول العمر تنصب مأتما
أيها أبا الأشبال لا ولد لهم
ينحى فكم طفل لديك تيتما
حسودك عبد الله في شأو العلى
شأن الأسافل يحسدون لمن سما
خدعوك لا رفعت إليهم راية
وأذاقهم رب العباد جهنما
نبئت أنك كلما استعطفتهم
زادوك طعنا ثم طعنا كلما
وجهت وجهك في الشهادة قبلة
لله تزحف صابرا مستسلما
تقرى الشهادة مؤمنا نحو السما
قصد الإله وبالشهادة متمتما
قد مثلوا بك في المهامة قسوة
إذ حللوا ما الله شرعا حرما
قتلوك صبرا يا شهيد مكتفا
تركوك تحفص بالتراب والبدما
رحماك ربي من أناس قصدهم
محو الشعوب عدواة وتجرما
هزت لمصرعك البلاد بأسرها
والحزن عم النفوس وخيما
لك بالحسين السبط أحسن أسوة
حيث العقيدة والجهاد تقدما
روح الشهيد ألا اشهدي وتعطفي
طلي من الملا المقدس ريثما
طلي على الحفل المؤبن برهة
يا روح من دار النعيم تكرما
يا روح من روح الجنان طهور
هذه القلوب فقد تذوب تضرما
ثم ارجعي روض الجنان سعيدة
معمورة برضا الإله تنعما
فإليك منا ألف ألف تحية
وعليك من رب العباد ترحما
وجاءت بعد ذلك كلمة نادي جدحفص ألقاها بالنيابة الأستاذ علي الشرقي قال فيها:
والأمل الكبير الذي نعلقه اليوم ونحن نؤبن شهيدنا المدني أن نكون جميعا – مواطنين ومسئولين – في مستوى من الوعي واليقظة المستمرة, كما نأكد أمل الجماهير التي هزتها المصيبة أن تكون العقوبة بحق المتهمين الجناة – الماثلين أمام العدالة – شاملة رادعة بقدر ما كانت الجريمة سافلة وفادحة, عقوبة تعطي العبرة للغادرين وتعيد الأمن والطمأنينة للمواطنين, تحقيقا للعدالة التي أرادها الله وقررها في القرآن الحكيم :”ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب”.
ثم ألقى الشاعر مسعود سند قصيدته وهي بعنوان “خيوط وخيوط”:
يا فؤادي انفطر وذب باحتراق
وأسل ناظري دم الأماق
واتركي للسرور يا نفس إني
قد دهاني المصاب في الأعماق
حادث قد أصابنا ودهانا
عم كل البلاد في إطباق
فأوال قد خيم الحزن فيها
حيث نعي أتى لدم مراق
أي خطب مروع كان هذا
سير الناس في أسى الإقلاق
ذهل الناس ضمن صمت صميت
فأصيبوا بحادث الإصعاق
نبأ فت للقلوب التياعا
لا يرى الدم نازلا أوراق
روع الكل في صباح كئيب
بعد ليل صداه في أوراق
هو ليل من البشلة أبدى
كل غدر في خمسة الآفاق
فخيوط قد أنسجت في خيوط
سم أفعى قد عد للإزهاق
وخيوط التدبير للقتل كانت
في خيوط ليلة الإرهاق
كيف كانت تمر تلك الثواني
لتزيح الستار بعد انغلاق
هكذا الدهر صائب كل يوم
سهمه للكرام في إطلاق
ينكد الدهر أن يرى الحر يمشي
في دروب الإصلاح والإحقاق
ليلة يا لها بوابل هم
جرعتنا المصاب مر المذاق
ليلة لا أعاد ربي مساها
فهي نست نفوسها بمحاق
ليلة في عزيزنا قد فجعنا
فاستعضنا الثراء بالإملاق
جمعة قد تجمع الخبث فيها
لاغتيال بدون أي تلاق
قد خسرنا في شر خطف
شرعة الغاب هذه بالوفاق
نحو سار في وحدة كان سار
مفردا من صحابه في مساق
ذاهب عن صغاره وابنة العم
وعن أمه لغير تلاق
يرسل الطرف من بعيد وقرب
ليرى منجد له من رفاق
لم يلاق المظلوم أي معين
قادم عنده بقصد اللحاق
راح عبد الإله كبش فداء
هكذا الصبح قال في الإشراق
أرهقوا دمه لغير جناة
غير أن الفقيد للدين واق
جرمه أنه غيور أبي
يأنف السير في طريق النفاق
إن نار الأحقاد لما تنامت
عند أهل الإلحاد والانشقاق
وجهوا نار ضغطنهم بلضاها
حيث شب الوقود بالأعناق
إنه لحما فروه كيس بكبش
بل هو النصل في أعز مراق
عز والله يا عزيز علينا
كنت من بين جمعه في وثاق
في مكان خلا من الناس ليلا
حيث صار الستار بالسراق
يا أخا المجد يا كريم المزايا
يا عفيفا وطيب الأعراق
زانك القتل حيث رحت شهيدا
تبتغي الفوز في أعز المراق
كنت بالحبر قد خططت سطورا
وصداها لذا “المواقف” باق
ورأيت التسطير ضعفا
لا يف من طموحك الخلاق
فبذلت الدماء تكتب مجدا
في صحاف تجوب للآفاق
كل حر وأن تطاول عهد
لا يرى في المسير من إيعاق
مؤمن إنه ينال حقوقا
فهو يأبى الحياة باسترقاق
إن عزم الأحرار أمضى سلاح
هازم للقوى على الإطلاق
عصبة الجرم والدنايا تدانت
للحضيض الخسيس في إخفاق
فعلى القوم لعنة وعذاب
في جحيم بوهجها الحراق
وسقى الله تربة أنت فيها
عذب قطر السماء في إغداق
رحمة الله جللتك بصفو
فهو الرب واهب الأرزاق
في جوار الأبرار عند مليك
جنة تدخلونها في سباق
كنت ممن يهواك وقت حياة
صاح لما رحلت زاد اشتياق
فخذ العلم والتعهد مني
لم تغيره أخي بهذا الفراق
ثم ألقى أحمد طاهر فردان كلمة نيابة عن الصندوق الحسيني ومما جاء فيها:
كان الحادث المؤسف الذي أنهى حياة فقيدنا الغالي رئيس تحرير مجلة المواقف قد هز مشاعر المجتمع البحراني، بل وسائر المجتمعات، والصندوق الحسيني يعبر عن استنكاره للحادث المروع والعمل الدنيء الذي استنكرته كل الفئات والقطاعات المختلفة كمبدأ وأسلوب لم يألفه مجتمعنا البحراني من قبل، ذلك أنه مجتمع الأمان والمحبة والإخاء، بل هو مجتمع الأسرة الواحدة في ترابطها وتماسكها ومحبتها.
المصدر: مجلة المواقف – العدد 163-الاثنين 20 محرم 1397 – 10 يناير 1977