الشيخ عبد الله المدني


 


مولده ونشأته:


 


في واحة الورع والتقوى ودوحة العلم والإيمان (بيت الشيخ أحمد بن حرز) ولد الشيخ عبدالله بن العلامة الشيخ محمد علي بن الحاج حسن بن الحاج محمد علي المدني عام 1358هـ الموافق لعام 1939م، ونشأ في ظل أسرتي (المدني وآل حرز) المشهورتين بالأصالة وعراقة المحتد، عاش مع والده مدة سبع سنوات والذي كان يربيه على تعالم الإسلام المقدسة ويغذيه بمكارم الأخلاق العالية، ويغمره بحنانه ولطفه ورعايته الفائقة، وبعد وفاة الشيخ محمد علي (قده) في عام 1945م، ترعرع في كنف والدته الفاضلة وخالته العالمة ابنتي الشيخ أحمد بن حرز، وفي هذه المرحلة حفظ القرآن الكريم وتعلم مبادئ الشريعة الإسلامية، وعرف في صباه بذكائه المتوقد، واتزانه وحسن تدبيره واعتماده على نفسه ووداعته وسكونه، ونقاوة إيمانه وشدة تمسكه بالفرائض والسنن الدينية، ولا غرو في ذلك فهو سليل المجد والتقى وثمرة من شجرة العلم والفضيلة.


 


دراسته في البحرين وحياته العملية الأولى:


 


التحق الشيخ عبد الله في حدود عام 1948م بمدرسة الخميس الإبتدائية، وبعد حصوله على الشهادة الإبتدائية اشتغل كاتباً للسجلات الصحية بدائرة الصحة (مستشفى النعيم الحكومي)، وفي هذه المرحلة بدأ بإجتهاد نفسه في الإطلاع على الثقافة الحديثة والمثابرة في فهم التيارات الإجتماعية والسياسية المعاصرة ومع ذلك فقد اهتم اشد الإهتمام بالتحصيل العلمي الإسلامي، فدرس عند الشيخ باقر العصفور (ره) مقدمات الفقه الإسلامي، كما كان يتابع الكتب والمراجع الدينية والتاريخية واللغوية، ويعد المترجم من أبرز الشباب ثقافة وعلماً في هذه الفترة من حياته حيث مارس نشاطاً ثقافياً في الأندية الثقافية، ظهرت من خلاله مهاراته الخطابية والكتابية في المجالات الاجتماعية والسياسية والدينية، وشهد له زملاؤه بالتقدم والعصامية في فهم واستيعاب ومتابعة ما يصدر من كتب ومجلات على الساحة الثقافية العربية في تلك الفترة التاريخية.


 


دراسته في النجف وحياته العملية الثانية:


 


بعد حصوله على الشهادة التوجيهية بالإنتساب عام 1967م، سافر إلى العراق ملتحقاً بكلية الفقة بالنجف الأشرف (التابعة لجامعة بغداد)، وبعد حصوله على البكالوريوس في اللغة العربية والشريعة الإسلامية مكث للإستزادة من التحصيل الفقهي الحوزوي، ثم عاد إلى البلاد في عام 1971م، فانتظم في سلك المحاماة، ثم تدريس الدين واللغة العربية للمرحلة الإعدادية.


 


في عام 1973م، دخل المجلس التأسيسي (لصياغة دستور دولة البحرين) حيث انتخب عن منطقة قرى الريف الشمالي (الدائرة الرابعة عشرة الإنتخابية)، ثم انتخب عن نفس المنطقة عضواً في المجلس الوطني عام 1974م، وكان رحمه الله الشخصية الثالثة في المجلس إذ فاز بالتصويت من قبل الأعضاء بمنصب الأمين العام للمجلس.


 


وبعد انحلال المجلس عام 1975م استقل العمل الصحافي والاجتماعي الخيري العام والإرشاد والتوجيه الديني.


 


تأسيسه لمجلة المواقف الأسبوعية:


 


في عام 1973م أسس الشهيد المدني مجلة المواقف الأسبوعية، حيث صدر العدد الأول منها بتاريخ 24/09/1973م، وقد لاقت المجلة منذ صدورها قبولاً واسعاً واستحساناً كبيراً من عموم القراء والمثقفين في البحرين لتنوع مواضيعها السياسية والثقافية والاجتماعية والدينية والرياضية، التي يكتبها نخبة من الصحفيين الأكفاء وعلى رأسهم (الشيخ الشهيد) بصفته رئيساً للتحرير، كما كان يكتب فيها بعض العلماء الأعلام حيث يتم طرح الموضوعات العقائدية والشرعية بالإضافة إلى مناقشة واجابة المسائل الدينية التي ترد من القراء إلى المجلة..وللعلم فإن هذه المجلة الغّراء تعد أول مجلة تصدر بعد الإستقلال المجيد.


 


أسلوبه في الكتابة:


 


عرف الشيخ عبد الله المدني في مقالاته الأسبوعية في مجلة المواقف بقوة منطقه وبعد نظره في التحليل السياسي والاجتماعي، معتمداً في صياغته لتلك المقالات على رصانة اللغة وجزالة الألفاظ ورشاقة الأسلوب العلمي المتأدب، وتميزت كتاباته بالمصارحة والجرأة في النقد الاجتماعي وتقديم الحلول العملية لأدواء المجتمع، وطرح القضايا العادلة بمنهج موضوعي بعيداً عن التجريح والمغالطة والتشهير، كما عرف بسعة ثقافته واطلاعاته عن طريق منهجه الواضح في الاستدلال العلمي والمنطقي في الرد في التيارات الشيوعية والماركسية والإلحادية السائدة في ذلك الوقت.


 


ونجد في مقالاته التنوع في أطروحاتها ومناسبتها لوقتها، ولم يترك موضوعاً فيه مصلحة للوطن والمواطن إلا أثاره بفكره النير وبعد نظره وحنكته الأسلوبية، بعيداً عن التملق والمزايدة والتفرقة، مستخدماً النقد البناء طريقاً مضيئاً بالمحبة والتآلف وجمع الكلمة.


 


لقد كتب في النور الواضح المشرق بالتفاؤل والأمل، وابتعد عن ظلام الإزدواجية والوصولية في الفكر والعمل، فقدم الاقتراحات والطلبات منطلقاً من الأسس العامة للعدالة الاجتماعية، ومن خصائص أسلوبه في الكتابة الصحفية التوثيق بالأدلة والحجج والبراهين، وأحياناً بالقوانين واللوائح، وأحياناً أخرى يلجأ إلى الرمز بالسخرية الأدبية الهادفة. وكان التركيز على التنمية وإنشاء الخدمات العامة الصحية والتعليمية والإجتماعية في الريف وغيره من المناطق، والاهتمام بالعامل البحريني ورفع مستوى الأفراد الاقتصادي هو هاجسه وهمه الكبير في مقالاته المتنوعة، ولم يترك المناسبات الدينية والاجتماعية إلا وأطلق عنان القلم فيها بالتحليل الدقيق والعرض الموضوعي بلغة رصينة فائقة في البلاغة والوضوح.


 


وعندما رجعت إلى بعض النماذج من كتاباته في الفترة بين عام 1973م وعام 1976م، وهبّت عليّ نسائم الشمال من عبق الماضي، وتذوقت نكهة الفكر الواعي الأصيل، ثارت في نفسي هموم وشجون، لكون هذا الفكر والطرح الهادف للأمور الاجتماعية والدينية تسلط عليه سيف الإهمال والنسيان، وبقى في حيّز الرفوف وطيّ الكتمان، فتساءلت أما آن الأوان لإعداده ونشره وإخراجه من ذل الأصفاد والأرسان؟، بحيث يجمع في كتاب واحد ليكون معلماً من معالم الفكر والأدب الصحفي البحريني، ويطلع عليه الجيل الجديد ويستفيد منه كمادة فكرية تاريخية وطنية.


 


أخلاقه ومناقبه الشخصية والاجتماعية:


 


عرف الشيخ (ره) في داخل البلاد وخارجها بالفضل والعلم والإيمان، والسماحة وعذوبة المنطق والخلق الرفيع، وقلة الكلام، وكثرة العمل، وشموخ النفس والإيثار، والنزاهة والأمانة، ورفع من شأنه في الساحة الاجتماعية نفسه الأبية المتواضعة المتفائلة، وعمله للخير بهدوء وإتقان وسرور واتزان، فهو بحق ابن بجدة زمانه ونادرة عصره وأوانه.


 


من انجازاته الاجتماعية:


 


أنجز العديد من المنافع المادية لأصحاب طلبات الخدمات الاسكانية والهبات الأميرية لمنطقته الانتخابية وغيرها من المناطق، وكان أعداد من المواطنين من دائرته الانتخابية يردون منزله باستمرار، فيجلس معهم ويستمع إلى مشاكلهم، ثم يرفع طلباتهم إلى المسئولين في الدولة، وبوجاهته، ومتابعته الشخصية حصل الكثير منهم على قسائم ووحدات سكنية.


 


وحينما أعطت الدولة الموقرة الضوء الأخضر للتنمية الشاملة في البلاد، من خدمات صحية وتعليمية وثقافية واقتصادية واسكانيةن ولما كان طموح الشهيد المدني هو التنمية وتوفير الخدمات الصحية والتعليمية والإسكانية لمنطقة الريف، كان الشيخ شعلة من النشاط والتحرك مع اصدقائه –ولا سيما صدق عمره وخلفه في رئاسة تحرير مجلة المواقف الأستاذ السيد مصطفى القصاب-، في هذا الإتجاه الحضاري مع المسئولين في الدولة في تلك الفترة، حتى أثمرت تلك الجهود بإنشاء الدولة الموقرة لمشاريع متعددة في المنطقة كالمركز الصحي ومشروع بيوت الإسكان –حوالي مائتي وحدة سكنية- التي وزعت على المواطنين من ذوي الدخل المحدود، واستقبل الشيخ عبدالله (ره) الخبير التعاوني –الهندي الجنسية-  في نادي جدحفص، حيث ألقى محاضرة باللغة الإنجليزية حول العمل التعاوني وأهميته، وكان الشيخ يترجم كلامه للحضور، وأثمرت تلك التحركات والمتابعة مع المسئولين في وزارة العمل والشئون الاجتماعية عن تأسيس جمعية جدحفص التعاونية الاستهلاكية، حيث أول المؤسسين لها، وأول المساهمين فيها.


 


علاقته بعلماء عصره:


 


احتفظ شهيدنا (ره) بعلاقات ممتازة مع أعلام عصره من العلماء والمثقفين الواعين، وكان يقدر ويحترم العلماء من جيل الروّاد مثل أصحاب الفضيلة/ الشيخ منصور الستري، والشيخ باقر العصفور، والشيخ ابراهيم المبارك، والشيخ أحمد العصفور، والسيد جواد الوداعي، والسيد علوي الغريفي، والشيخ عبدالحسن آل طفل، بالإضافة إلى الأعلام الذين زاملهم أثناء دراسته في النجف الأشرف، وحريّ بنا أن نذكر علاقته الخاصة والمميزة مع أخيه فضيلة العلامة الشيخ سليمان المدني، إذ لم تكن الأخوة النسبية والنشأة الواحدة أو المنهل والتوجه الواحد هي التي حددت العلاقة الحميمة بينهما، وإنما ازدانت تلك العلاقة بالأخوة الإيمانية وتوّجت بأهوة درب ذات الشوكة الذي اختطاه وعاهدا الله تعالى عليه في تبليغ الأحكام الشرعية بأمانة وإخلاص، والدفاع عن العقيدة والشريعة الإسلامية في مواجهة التيارات الشيوعية والإلحادية، ومحاربة الفساد والإنحراف الخلقي، وخدمة المجتمع والعمل للصالح العام، مستنيرين بنور العلم والإيمان ومستندين على ركن وثيق من الورع والتقوى.


 


و كان للتشاور وبعد النظر ووضوح الرؤية وسلامة الضمير في شخصيتهما، أثر كبير في سلامة مواقفهما من التيارات السياسية والثقافية التي ظهرت في الساحة الإجتماعية ودفع عجلة العمل الديني والنفع الإجتماعي في المنطقة وغيرها.


 


من جهة أخرى كان العلماء يكنّون لزميلهم في العلم كل الحب والاحترام ويقدرون فيه نزاهته وأمانته وإخلاصه لدينه ووطنه ومجتمعه.


 


استشهاده


 


استشهد الحاج الشيخ عبدالله ابن الشيخ محمد علي المدني (ره) في 27/11/1396هـ الموافق 19/11/1976م، حيث غدرت به ثلة من اليساريين الموتورين فاختطفته في جنح الظلام، وكان عازماً على السفر إلى حج بيت الله الحرام، ثم زيارة الرسول الأكرم (عليه وآله أفضل الصلاة والسلام) فاغتالته شهيداً في الصحراء والناس نيام، وتركت قلوب أهله وذويه محترقة مكلومة لفقده واستشهاده في تلك الظروف المأساوية العصبية، وعزّ على المؤمنين في أرجاء البحرين أن يموت هذا الرجل المؤمن المخلص لدينه ووطنه غدراً على يد طغمة فاسدة حاقدة من الشيوعيين، وكان العلماء قد لزموا الفاتحة وعلى رأسهم أخو الشهيد سماحة العلامة الشيخ سليمان المدني، ولقد هزت هذه الفادحة البحرين بأسرها وخيم الحزن والأسى والتألم على جميع مدنها وقراها، وشاركت في مراسم الفاتحة والتعزية جميع الطبقات من المسئولين في الدولة وعدد من سفراء الدول، والعلماء والمثقفين من الخارج والداخل، وانهالت البرقيات من خارج البلاد وخاصة من علماء الدين في النجف ولبنان على عائلة المدني للتعزية والمواساة.


 


 —


 



صورة للسيرة الذاتية في تقويم وزارة الإعلام البحرينية لعام 2008م

... نسألكم الدعاء ...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *