من اغتال الشيخ عبد الله المدني؟ 1-2
من اغتال الشيخ عبد الله المدني؟ قصص عدة قيلت، وحدثت أمور كثيرة.
.. وهذا بعض ما حدث لي بعد اغتيال المدني، رغم انه ليست أية صلة بالموضوع. فجر 26 نوفمبر / تشرين الثاني 1976 طرق باب بيتنا الكائن في المحرق (محطة السيارات القديمة) وكان الطرق شديداً ومستعجلاً، إذ فزع جميع من في البيت وخرج الوالد من داره (البيت على الطراز القديم) لأن الجو كان شتوياً.
ذهبت إلى الباب لأرى من يكون هذا الطارق في هذا الوقت، كان قد سبقني إلى الباب أخي الأستاذ عيسى مطيويع. وعرف من هو الطارق، أشار إليّ بيديه أنهم العسس كالعادة، فقد تعود الأهل منذ مارس/ آذار 1965 أن عسس الفجر يأتون في هذا الوقت دائماً.
توجهت إلى الباب وسألت من بالباب؟، فرد عليّ صوت يقول: افتح يا عبد الله، هذا بيت عبد الله مطيويع؟ قلت: نعم، وماذا تريد؟ قال: افتح الباب وسنخبرك، صمتُّ لفترة لم أجبه، أفكر لكي آخذ القرار الصحيح تلك اللحظة، قد تعودت في مرات سابقة ألا أجعل من عملية اعتقالي سهلة هيّنة كما فعلت في أبريل/ نيسان 1965 هربت عبر سطوح منازل الجيران، وحين اعتقلوا أخوي إبراهيم وعيسى وهددوا الجد بالاعتقال إن لم يبحث عني ويسلمني، والمرة الثانية في أبريل أيضاً .1972 ويا للصدف، حين أوشكنا في الحركة العمالية أن ننتزع حق الاعتراف بحرية العمل النقابي بحسب قانون العمل 1957 بقيادة اللجنة التأسيسية لإتحاد عمال البحرين، حين اكتشفت عدم صدقية الحكومة في التفاوض معنا والاعتراف باللجنة التأسيسية مفاوضاً ممثلاً للعمال، فهم سلكوا سلوكاً مريباً يتفاوضون معنا في النهار ويرسلون لنا الشرطة في الليل. يومها قررت الهرب خارج البحرين لكي أوصل صوت عمال البحرين إلى عمال العالم والعمال العرب، وهكذا صار وصارت أشياء أخرى ليس هنا مجال تفصيلها.
وبينما أنا أفكر في فتح الباب من عدمه ازداد الطرق، التفت خلفي وإذا بجميع الأهل يقفون خلفي، فتحت الباب ونظرت إلى الخارج وكان المشهد: شخص بلباس مدني (ثوب وغترة) و«متلثم» ووراؤه ثلاثة مدنيين، ومعهم عدد من الشرطة والمسلحين. قال لي الملثم: يا عبد الله تعال معنا، أنت مطلوب، قلت له: من أنت؟ قال: ستعرف فيما بعد. قلت له: لا، تقول لي من أنت وتزيح اللثام عن وجهك لكي أعرفك. والتفت إلى الشرطة الذين برفقته وقال: أنا الأمن، ألا ترى هؤلاء الشرطة؟ قلت له: طيّب، هؤلاء شرطة، لكن أنت من؟ وبعدين آتي معك وليس لديك أمر من القاضي بالقبض عليّ، هذا بحسب القانون، أليس كذلك؟ قال وهو يستعجل الأمر: «أنت دعمت (صدمت) امرأة عجوز بسيارة وهربت، والمرأة ماتت. قلت له: متى حدث ذلك؟ قال: أمس. قلت له: متى أمس؟ قال: أمس العصر. قلت: أين؟. قال: في المنامة. قلت له: اسمع، أنا أمس كنت في مكتبي في الخطوط الجوية العراقية حتى المساء، لأن لدينا طائرة تطير إلى كراتشي، وأنا في اليوم الذي عندنا طائرة لا أخرج من المكتب إلا مساءً لأني أقوم بمراقبة قائمة المسافرين للتأكد من سفرهم، ولم أخرج من المكتب وعندك مدير الخطوط الجوية العراقية السيد ضياء الجبوري، فاسأله.
هنا اكتسبت نبرات صوته لهجة التهديد، فقال لي: اسمع يا عبد الله، أنت ستأتي معنا أو آخذك بالقوة. الجماعة يبونك. هنا أفصح ضابط المخابرات عندما حاول عدم الإفصاح عنه. التفت خلفي ونظرت في عيون أبي محمد بن راشد الذي يقف خلفي ويستمع، الذي تعلمت منه أولى دروس العزة والكرامة والرجولة والإقدام، فقرأ سؤالي، تنحنح لكي يزيح الغصة التي في حلقه، وقال: «يا بوك يبونك يعني يبونك».
أركبني الملثم في سيارة المخابرات في المقعد الخلفي كالعادة بين اثنين وجلس هو في المقعد الأمامي، وطلب أحدهم مفتاح سيارتي (الفلكس ويكن) ولحق بنا. السيارة انطلقت بنا سريعاً كالصاروخ إلى القلعة. والدي أخذ سيارتي وذهب إلى مركز شرطة المحرق. فقد سمعت الضابط يتحلطم عليه وانه لا يعرف أين نحن ذاهبون.
دلفنا إلى بوابة القلعة سريعاً ثم لبوابة الداخلية المؤدية إلى محيط الأبراج الأربعة الذي يضم السجن والتحقيقات الجنائية والقسم الخاص وقسم أمن الدولة. ثم أنزلني من السيارة ودخل بي إلى داخل سجن وكاتب وزنازين أمن الدولة، وسلمني إلى شخص لا أذكر من كان، وهذا الشخص أدخلني إلى غرفة يسمونها غرفة الانتظار، لكنها أشبه بغرفة شبيهة بما رأيت لاحقاً غرفة من غرف التعذيب. وكان الحارس مسلحاً وغير بحريني الجنسية، قلت له: أريد أن أكلم المدير، قال: «مدير بعد ما يجي، بعدين صبح مدير يجي أنت تكول حق نفر بدلي أنت يبي مدير»، ويعني أن المدير ليس موجوداً وسيأتي صباحاً وسيتبدل الدوام ويأتي بدلاً عني حارس آخر واطلب منه ذلك، كان الصبح قريباً. قبل الخروج معهم من المنزل حرصت على أن ألبس كامل لباسي (الثوب والغترة والعقال والحذاء)، وكان أخي عيسى قد جلبها لي بإشارة من الوالد.
بعد نحو نصف ساعة أو أكثر خلالها كانت أصوات جلبة. لم تنقطع حركة سيارات تذهب وتجيء وأناس يُجلبون من الخارج واللغط يصل إليّ. كان انتظاري فجأة ودخل شاب وسيم يعتمر الغترة والعقال ومعه اثنان من المدنيين يرتدون اللباس المدني (غترة وعقال)، وبينما أنا أتأمل خطواته نحوي هجم علي هجمة سريعة وأمسك بعقالي وغترتي وسحبها بعنف وألقى بها على الأرض وفركها برجله كما لو أن بينه وبين الغترة والعقال ثأراً أو مشكلة. وصرخ باستخفاف، وسخرية: (متغتر لي بعد،)، أي لابس غترة وعقال هنا، في دائرة المخابرات، وصرخ هو ومن معه صرخة واحدة، كما لو أنهم حنجرة واحدة، «جابل الطوفة يا…» وتلفظ بكلمة وقحة (تدل على مستواه الواطي جداً) وألصق وجهي بالجدار بعنف،
هنا هجست ما ينتظر عبد الله مطيويع هذه المرة، إنها ليست كسابقات المرات، فهذا فصل جديد من طراز جديد ينفتح.
المصدر: عبد الله مطيويع – صحيفة الوسط – العدد 1241 – الأحد 29 ذو الحجة 1426هـ – 29 يناير 2006