قصة الإسلام الحركي في البحرين (7)
الشيخ سليمان المدني: الجبهة الشعبية اغتالت أخي عبدالله لدوره في شلّ قوة اليسا خطة لتصفية كبار الصحافيين البحرينيين وأخرى لاختطاف طائرة لطيران الخليج برلمان 73 انهار لأنه كان أكثر مثالية مما تحتمله الأوضاع.
لم يكن بروز الإسلام الحركي في البحرين مفصولا عن بيئات الدعوات الأم التي قامت في الدول العربية والأقطار الإسلامية المحيطة. وإذا كانت البدايات التنظيمية الأولى قد تواكبت مع اتساع نفوذ الأخوان المسلمين المصريين في الأربعينات على المسار السني، ومع البدايات الأولى لحزب الدعوة العراقي أواسط الخمسينات من القرن العشرين في المسار الشيعي، فإن ما شهدته الساحة المحلية منذ منتصف السبعينات حتى اللحظة الحاضرة يؤشر إلى عمق تأثير هذه التيارات والحركات في العمل السياسي والاجتماعي والخيري وفي المزاج العام الشعبي على كل المناحي والممارسات.
ورغم تشعب مجالات العطاء والتأثير إلا أن الذاكرة التاريخية المحلية لا تحتفظ بالكثير من الأدبيات حول هذه الجماعات والتيارات. وقد ظلت المدونة التوثيقية في هذا الصدد مفتقرة إلى الشهادات والبيانات والتأليفات التي تسجل وتحفظ وتمارس النقد.
لقد تدشنت ظواهر الإسلام الحركي في البحرين، غالبا، في أعقاب ازدهار عدد من التنظيمات السياسية اليسارية والقومية مثل جبهة التحرير التي مثلت التيار الماركسي وحزب البعث العربي الاشتراكي وحركة القوميين العرب، وكان خط الأخوان المسلمين هو الأسبق ظهوراً من بينها في أواخر الأربعينات، حيث شكل الفرع المحلي للأخوان عام 1948 قوة رمزية شاركت في القتال في فلسطين. أما التيار الشيعي فقد أينعت اختماراته الأولى في السبعينات حين نجح عدد من ممثلي الكتلة الدينية في انتخابات المجلس الوطني ومنذ هاتين اللحظتين أمتد تاريخ حركي عرف المهادنة والصدام والانكفاء وإعادة إنتاج الخطاب، وكانت الأجيال المختلفة من المنتمين لهذه التيارات تؤسس لممارساتها ورؤاها وعلاقاتها المحلية والخارجية بأنماط شتى ووفق مروحة واسعة من الاجتهادات.
ورغبة في خلق ذاكرة تراكمية حول قصة الإسلام الحركي في البحرين فإن صحيفة »الوطن« تفتح الباب لتسجيل الوقائع والشهادات. وهي تأخذ على نفسها أن ترصد وتعرض تاركة العهدة على الرواة من أبناء ورموز هذه التيارات. ومشرعة المجال، في الوقت نفسه، للتعقيبات والتوضيحات التي تردها من المعنيين وأصحاب الصلة بتاريخ التنظيمات والجماعات المتماسة مع الموضوع. تنشر فصول هذا الملف على حلقات متتابعة. ويخضع تراتب النشر لاعتبارات فنية تحددها أولويات اعداد المادة الصحفية.
في لقاء لم ينشر من قبل
مما يؤسف له أن الشيخ سليمان المدني – أحد أهم الزعامات التاريخية لحزب الدعوة في البحرين – رحل عن الدنيا ورحلت معه ذكريات مرحلة من أشد المراحل حساسية في تاريخ البحرين الحديث، رحل ورحلت إلى القبر معه أسرار مرحلة مثقلة بالأحداث والمنعطفات والتفاصيل المهمة، لقد أهيل التراب على كل هذه الحقائق التي حواها صدر المدني وعقله، مما كان همساً في غرف الحزبيين المغلقة، واجتماعاتهم التنظيمية الموغلة في التستر .
الشيخ المدني تخرج بدرجة بكالوريوس ثم درس في الحوزة على النهج الحوزوي، وانضم إلى حزب الدعوة الإسلامية في العراق مع عدد من الحوزويين والجامعيين البحرينيين آنذاك. وبما انه كان من الأوائل في التنظيم شرع في تأسيس فرع للحزب في البحرين، واستطاع استقطاب عدد مهم من الشخصيات السياسية الفاعلة. ولعل أهمها أخوه الشهيد عبدالله المدني، الذي كان أحد قياديي حركة القوميين العرب، ولكن بتأثير من الشيخ سليمان المدني خرج من الحركة وانضم إلى حزب الدعوة، كما كان الحال مع عدد آخر من الشخصيات.
كانت الكتلة الدينية تمتلك مقومات كبرى للتأثير في الحياة السياسية: 6 أعضاء في برلمان 1973 ومعهم ثلاثة آخرون يساندونهم ليصبح عدد الكتلة عند التصويت تسعة أشخاص ”من أصل ثلاثين عضوا منتخبا”، ثم هناك الدعم الصحافي من خلال مجلة المواقف، وأهم من ذلك ربما المؤسسة الاجتماعية التي نظمت النشاطات في مختلف أنحاء البحرين وهي جمعية التوعية الإسلامية. بعد حل المجلس الوطني العام 1975 بقيت الجمعية هي المحرك الأساس للعمل الحركي الداعم لنشاطات ثقافية واجتماعية وشبه سياسية. في هذه الفترة ”منتصف السبعينات” حدث اختلاف داخل صفوف حزب الدعوة. واستمر هذا الوضع حتى فبراير/شباط 1984 عندما أجهزت المخابرات على حزب الدعوة واعتقلت معظم قيادييه وتم تفكيك الحزب تنظيميا، وأغلقت جمعية التوعية الإسلامية بعد اتهامها بأنها جزء من كيان ذلك الحزب السري..
صباح يوم الخميس 19 من سبتمبر (أيلول) 2002 حملت معي قراطيسي ودواتي، وآلة تسجيل وجدتها ضرورية لأرشفة الحدث وتوثيقة بالصوت، مع إحساس داخلني بحاجتي الى ما يمكن أن يمثل تفاصيل مهمة تحتاج الى إعادة استماع وتأمل.
أنا الآن في قرية جدحفص، والساعة تشير إلى العاشرة تماماً من أحد نهارات الصيف المشمسة، دخلت مجلس دار الشيخ، وبعد دقائق دخل عليّ بهامته المديدة، مع وجه رسمت عليه السنون أخاديدها القاسية، ورحت أشرح له بتهذيب محسوب وربما مبالغ فيه مهمتي الصحفية، أنصت الرجل، وأجاب على استفساراتي بأريحية بالغة عززت لديّ شعوراً مبكراً بنجاح محقق لهذا اللقاء ذو القيمة التاريخية البالغة، عندي على الأقل.
يقول الشيخ سليمان ”ولدت أنا وأخي عبدالله المدني في عام واحد، فأنا أكبر منه بأشهر، دخلنا مدرسة الخميس الابتدائية في وقت واحد والتحق هو بالعمل في مستشفى النعيم بوظيفة كاتب بطاقات بقسم النساء قبل ان يتم دراسته الابتدائية، وقد أكمل المرحلة الابتدائية والثانوية بعد ذلك عن طريق ما كان يسمى بـ ”الدراسة المنزلية” التي كانت تتم بطريقة ذاتية، وقد تلقى دروساً ودورات تعليمية في مادة الرياضيات والإنجليزي ودروس في الآلة الكاتبة في المدرسة الأهلية التي أسسها عبدالرسول التاجر وقد كنت معه في هذه الدروس.
ومن حيث النشاطات الاجتماعية كان للشهيد عبدالله المدني في البحرين عموماً أدواراً وأنشطة بارزة، فقد كان عضواً في نادي جدحفص الثقافي والرياضي وقد ترأسه وأصبح مديراً له في فترة من الفترات، كما حمل عضوية عدد من الجمعيات الثقافية في منطقة جدحفص.
انخرط عبد الله في صفوف التيار القومي الناصري، ثم لم يتمكن من السير معهم عندما تبنى المذهب الاشتراكي، بعدها قدم الى النجف الاشرف يبحث عن التيارات الإسلامية المنتشرة في العراق، وهناك تبدلت وجهة نظره من النظرة القومية، والتي كانت تصل الى قرب العنصرية في ذلك الوقت الى التوجه الاسلامي، وانضم في العراق الى حزب الدعوة الإسلامية قبل عودته الى البحرين، كان ذلك عام بين 61 – ,1962 وقد استمرت زيارته للعراق شهر وبضعة أيام، وقد كان من أوائل البحرينيين الذين انخرطوا في هذا الحزب وتأثروا به، وقد كان لايزال حينها موظفاً بوزارة الصحة بمستشفى النعيم.
بعد سنتين أو ثلاث سنوات عاد الى النجف الأشرف مرة أخرى، والتحق بكلية الفقه وتخرج منها بشهادة البكالوريوس في اللغة العربية والعلوم الإسلامية، ورجع الى البحرين و التحق بسلك التدريس. وبحلول عام 1973م التحق بالمجلس التأسيسي، وفي هذا العام ابتدأ الإسلاميون بمواجهة قوى اليسار، ومنذ أواسط الستينات رأى الإسلاميون بأنهم في حاجة إلى صحيفة تعبر عن توجهاتهم الفكرية فانبرى الشهيد عبدالله المدني الى تأسيس مجلة المواقف التي كانت تمثل الخصم اللدود للفكر اليساري والتوجهات العلمانية بشكل عام.
وفي عام 1974م انضم الشهيد المدني للمجلس التأسيسي، وعندما حصلت الأزمة بين الحكومة وأعضاء المجلس بسبب قانون أمن الدولة كنتُ قد اقترحت تشكيل لُجنة من أعضاء المجلس الوطني وأخرى حكومية تشكل من الوزراء، ووضعت مشروعاً أعطيته للشهيد عبدالله المدني والشيخ عبدالأمير الجمري ليتم طرحه وعملت أنا أيضاً مع سمو الشيخ حمد بن عيسى ملك مملكة البحرين الحالي، وقد كان في تلك الفترة رئيساً للوزراء بالنيابة بسبب ظروف سفره خارج البلاد، عملتُ معه على تقبل فكرة الالتقاء بين اللجنتين، وكان عبدالله المدني والشيخ عبدالأمير الجمري والشيخ عباس الريس هم الذين مثلوا التيار الإسلامي في هذه اللجنة، إلا أن اللجنة لم تتمكن بعد الاجتماع بالوزراء من الوصول الى تسوية مرضية فقد كان الوزراء في ذلك الوقت متشددين، مما أدى الى انهيار التجربة النيابية الأولى، والتي كانت قد فُصلت أوسع مما كانت تتحمله البحرين والمنطقة آنذاك.
لقد زاول عبد الله المدني بالإضافة إلى عمله رئيساً لتحرير مجلة المواقف مهنة المحاماة لدى المحاكم، وكان الصراع مع اليسار عموماً ومع الجبهة الشعبية – التي وجدت الأرض تهتز من تحت أقدامها بسبب انتشار الوعي الديني والأفكار الإسلامية – مما دفع بالجبهة الشعبية الى اغتيال الشهيد عبدالله المدني.
إن استشهاده قد تسبب في انتهاء قدرة التيار اليساري بل العلماني بجميع أطيافه على البقاء في الشارع، وأخذت الأفكار الإسلامية تكتسح مناطق البحرين الشيعية بشكل أخص، ومع انتصار الثورة الإسلامية في إيران ازدادت رقعة الصحوة الإسلامية اتساعا، وعند جميع الطوائف الإسلامية الأمر الذي شكل ضربه موجعة للتيارات العلمانية عامة والوجود الماركسي بصفة خاصة.
لقد كان دور الشهيد عبدالله المدني كبيراً في مواجهة التيار اليساري، فقد جنّد نخبة من الكتاب الإسلاميين عبر مجلة المواقف لمواجهة هذا الفكر. كذلك كانت له مساهمات في الندوات الفكرية والاحتفالات والعمل الاجتماعي الدءوب، وقد كان في عمله الإسلامي مستقلاً لم يتبع أي جمعية ثقافية أو إسلامية، وقد امتد عمله الإسلامي من بداية عام 1973م وحتى تاريخ استشهاده.
ورغم أن ممثلي التيار الإسلامي في المجلس التأسيسي كانوا بالمقياس العددي قلةّ، إلا أنهم استطاعوا التأثير بقوة في صياغة الدستور، خصوصاً فيما يتعلق باسم الدولة وهويتها وفي ربط الاقتصاد والعدالة الاجتماعية بالإسلام، وإصرارهم على إطلاق صيغة العدالة الإسلامية بدلاً من جعل المواد مطاطة كما كانت في المسّودة بعنوان العدالة الاجتماعية، وبالرغم من تكاتف اليساريين والعلمانيين مع الوزراء في الدفاع المستميت ضد تلك المسودة، إلا النضال والجهاد الذي خاضة أفراد التيار الإسلامي أحدث إيجابيات كبيرة على الدستور وقد كان للشهيد عبدالله المدني أدوار مشهودة في هذا الصدد”.
سليمان المدني في سطور
* الشيخ سليمان بن الشيخ محمد علي.
* ولد في العام 1939 في جدحفص، وكان من المتفوقين في دراساته. وأنهى دراسته في كلية الفقه في النجف وعمل في أوساط الحركة الإسلامية العراقية آنذاك والتي نظمت صفوفها في إطار حزب الدعوة الإسلامية.
* رئيس محكمة الاستئناف الجعفرية العليا سابقا.
* كان الشيخ المدني في هو الذي قاد تأسيس حزب الدعوة الإسلامية – فرع البحرين، واستمر في قيادة التنظيم حتى منتصف السبعينات.
* كان له دور فاعل في نشاط الكتلة الدينية التي دخلت المجلس التأسيسي والوطني. ورغم أنه لم يكن عضواً في أي من المجلسين إلا أنه كان يتصدر العمل الإسلامي المنظم وكان ينشط مع أعضاء الكتلة الدينية ومن خلال الصحافة عبر مجلة المواقف.
* استشهد أخوه الشيخ عبدالله المدني في العام 1976 وبعد ذلك حدثت تحولات سياسية كثيرة في البحرين، وانتهج خلالها الشيخ المدني نهجاُ ميزه عن أصدقائه الآخرين الذين نشطوا معه ما بين منتصف الستينات ومنتصف السبعينات.
* كان للشيخ المدني حضورا فاعلا في الشأن العام وتمكن أنصاره من دخول الانتخابات والفوز في بعدة مقاعد في الانتخابات النيابية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
* كان قد ذهب إلى المانيا قبل وفاته بأسبوعين لمواصلة العلاج عن ظهره ورجليه بعد أن كان قد أجرى عملية هناك قبل عام وقد أصيب الشيخ المدني بحمى شديدة هناك إلى أن توفي على أثرها في 24 مارس (آذار) 2003م.
قصة اغتيال عبد الله المدني
طرق أحدهم بيت أحد أهالي قرية جدحفص في ساعة متأخرة من الليل مستفسراً عن بيت عبدالله المدني، خرج صاحب البيت (وهو مدرس سيلعب دوراً أساسياً في الكشف عن الجناة) وأشار لهم على بيت المدني من بعيد، لكنه في الوقت ذاته لمح السيارة الحمراء ولم يكن متأكداً فيما إذا كانت هي من ماركة داتسون أو تويوتا، وتعززت رواية المدرس ببلاغ تلقته أجهزة الأمن بأن سيارة حمراء تنقل يومياً عمالاً من قرية المقشع إلى أعمالهم توقفت عن عملية النقل هذه يومي السبت والأحد 21 ,20 نوفمبر 1976 وجندت أجهزة الأمن رجالها بمختلف الأقسام من مدنيين وعسكريين لمسح البحرين وحصر جميع السيارات الداتسون، ولم يطل الوقت بتلك الأجهزة إذ سرعان ما تعرفت على السيارة وصاحبها وتم مساء يوم السبت 20 نوفمبر، استصدار أمر بالقبض على صاحب السيارة والتحفظ على سيارته بكراج وزارة الداخلية داخل فناء القلعة.
وبدأ التحقيق مع صاحب السيارة فلم يصمد طويلاً في مواجهة أسئلة رجال قسم التحقيقات الجنائية حيث أدلى بإفادته كاملة وقال : أنه كان من بين ثمانية – ذكر أسماءهم – كانوا قد اتفقوا على إحياء ليلة نهاية الأسبوع، وأكد أن الاجتماع كان يستهدف اللهو ليس إلا، وحين أوشكت عقارب الساعة أن تشير إلى الحادية عشرة ليلاً من مساء الخميس 18 نوفمبر سنة 1976 قام المتهم علي فلاح (19 سنة) من قرية الديه وإبراهيم عبدالله مرهون من قرية بوصيبع يستأذنان الستة الباقين في الانصراف ويطلبان أن توصلهما سيارته، فكلف سائق سيارته بأن يوصلهما إلى حيث يريدان، وفعلاً ركب الاثنان السيارة الداتسون الحمراء وطلبا من السائق التحرك، وبعد أن سارت السيارة مسافة بحيث اجتازت القرية طالباه بالنزول وإعارتهما السيارة بعض الوقت حيث سيصلان بها إلى أحد أصدقائهما ويعودان مباشرة بعد ذلك، أخذا السيارة وانطلقا بها إلى حيث لا يعلم ثم عادا بها قبيل الساعة الواحدة من بعد منتصف مساء يوم الخميس 18 نوفمبر، ولم يلحظ أي شئ بها يدل على استعمالها لارتكاب جريمة.
وصدرت الأوامر على الفور بالقبض على من حامت حولهم الشكوك وبوشر باعتقالهم وهم السبعة الباقون ممن كانوا يشتركون في جلسة ”نهاية الأسبوع” بغرفة في مكان منعزل خلف قرية الشاخورة، كانت الساعة آنذاك حوالي الرابعة في الصباح الباكر من يوم الأحد 21 نوفمبر.
كان أول المعترفين هو على فلاح الذي قال : أنه لأول مرة تجمعه تلك الجلسة مع المتهم الثاني إبراهيم عبدالله مرهون، وأنه لم تكن له صلة به فيما سبق تلك الجلسة . وأضاف أن الفكرة ساورتهما معاً أثناء الجلسة، وأخذا يتهامسان بها، ثم استأذنا في الانصراف ولم يخبرا الستة الباقين عما عزما عليه وقبل نزول السائق، أسر إليه إبراهيم بأنه يعرف صديقاً له اسمه محمد طاهر (21سنه) من قريته ”أبو صيبع” وان صديقه محمد طاهر يعمل في قوة الدفاع، وفي وسعهما الاستعانة به في تنفيذ الجريمة التي قررا ارتكابها وتزويدهما بالسلاح لتنفيذها”، واستطرد على فلاح ”أنهما بعد إنزال السائق توجها إلى بيت محمد طاهر، واخبراه بنيتهما فوافقاهما على الفور وركب السيارة معهما بعد أن أحضر معه مسدسين غير صالحين وليس بهما أية ذخيرة، وكذلك رأس حربة ”سونكي”.
اتجه الثلاثة إلى قرية جد حفص، وبما أنهم لا يعرفون بيت عبدالله المدني، طرقوا باب بيت المدرس فخرج لهم وأشار عليه لكنهم لما طرقوا الباب لم يجبهم أحد فظنوا أنهم أخطأوا البيت ولم يتعرفوا عليه .. عادوا ثانية إلى بيت آخر فطرقوه حيث خرج معهم صاحب البيت واركبوه معهم السيارة فأرشدهم إلى نفس البيت الذي كانوا قد طرقوه ولم يجبهم أحد فشددوا الطرق على الشباك إلى أن خرج معهم المدني وأركبوه السيارة موهمينه أنهم من رجال المباحث، وبعد أن اجتازوا المناطق المأهولة أخذوا يناقشونه فيما يحرره في مجلته (المواقف) وما يبديه من عداء للشباب عموماً، ولما وصلوا الموقع المنعزل عن طريق الشاخورة دار حوار قصير بينهم وبينه لم يدم سوى دقائق معدودة تخللته توسلات من المرحوم يستعطف قاتليه بأن يبقوا عليه ولكن استعطافات الفقيد لم تفده، فقد انهال عليه الجاني محمد طاهر بـ ”السونكي” (رأس حربة) وأخذ يطعنه بكل قواه وهو مغمض العينين بعد أن ربطوا يديه وسالت الدماء غزيرة منه ولفظ أنفاسه الأخيرة في الساعة الثانية عشرة والدقيقة السابعة عشرة من بعد منتصف الليل، ثم نزعوا ملابسه وتركوها بجانبه وعادوا أدراجهم وأنزلوا المتهم الأول محمد طاهر بقريته وأخذ الاثنان السيارة إلى صاحبها بالمقشع . وعن سؤال وجه إلى علي فلاح فيما إذا كان المغدور به لم يستنجد فأكد أنه كان في وسعه ذلك لكنه لم يفعل وأنهم لم يكمموا فاه أثناء سير السيارة ولا حين الإجهاز عليه.
وفي رواية لأحد أهالي القرية قال بأنه علم بقصة أحد أبناء قرية الديه الذي اختطف قبل شهرين بذات الطريقة والأسلوب الذي اختطف به المرحوم المدني لكن المخطوف لم يقتل ولم يبلغ هو رجال الأمن بواقعة اختطافه.
وفي رواية أخرى لأحد أبناء القرية ذكر بأن أحد الناس قد أبلغ أخاه بأن على عبدالله المدني أن يأخذ حذره ولا يخرج ليلاً حيث أنه تناهى إلى سمعه بأن هناك أناساً يريدون قتله، ذلك جرى قبل أربعة أيام من وقوع الجريمة.
البعض أيضاً يؤكد أن عبدالله المدني كان قد تسلم عدة رسائل تهديد وأبلغ الشرطة بشأنها وهم ينحون باللائمة على أجهزة الأمن لكونها لم تأخذ الاحتياطات اللازمة لحمايته.
المثير في الأمر أن المتهمين في قضية المدني أدلوا باعترافات خطيرة أمام قاضي التحقيق شكيب الجيوسي، تضمنت الكشف عن خط التآمر والنسف والاغتيالات التي دبرتها الجبهة التي نسبت اليها جريمة الاغتيال، كما وان هناك خطة وضعت للقيام بحركة اغتيالات بين كبار الصحافيين ونسف مقر جمعية التوعية الإسلامية، واختطاف إحدى طائرات طيران الخليج والمطالبة بإطلاق سراح بعض المعتقلين السياسيين، فقد اعترف المتهم الثاني إبراهيم عبدالحسين مرهون الذي كان يحمل اسماً حركياً باسم حسن أ 5 أن قائد خليته المتهم أحمد مكي واسمه الحركي جاسم وأن الأخير أخبره بأن ”لديه أوامر من قيادة الجبهة الشعبية لاغتيال عبدالله المدني وانه قد وافق على اختيار محمد طار لمشاركتنا في عملية الاغتيال” كما أكدت الاعترافات أيضاً أن عبدالامير (أحد قياديي الجبهة الشعبية) قد انضم ومجموعة أخرى لجمعية التوعية الإسلامية بقصد التجسس عليها. وأن هناك خططاً وتدريبات للتخريب واستخدام العنف.
عبدالله المدني في سطور
* عبد الله بن الشيخ محمد علي بن حسن المدني
* ولد في العام 1939 في بيت الشيخ أحمد بن عبدالرضا آل حرز (جده لأمه).
* تربى في جدحفص، وتوفي والده وله من العمر حينها 6 أعوام.
* أكمل دراسته النظامية، وسافر الى النجف الاشرف بالعراق في العام ,1967 والتحق بكلية الفقه التابعة لجامعة بغداد.
* تخرج من كلية الفقه وحصل على البكالوريوس في اللغة العربية والشريعة الاسلامية في العام 1971م.
* مارس عدد من المهن، منها التدريس في المدارس الحكومية بجدحفص والخميس وامتهن المحاماة.
* انتخب في المجلس التأسيسي في العام ,1973 وشارك في صياغة دستور دولة البحرين، ثم انتخب عن منطقة قرى الريف الشمالي (الدائرة الرابعة عشرة الانتخابية) في العام .1974 وكان الشخصية الثالثة من حيث عدد الأصوات بعد الشيخ عيسى قاسم والشيخ عبدالامير الجمري.
* أسس مجلة المواقف الاسبوعة في 24 سبتمبر (أيلول) 1973م وكانت منبراً للقوى الدينية حينها.
* كان صحافيا وسياسيا واستطاع من خلال مجلة المواقف دعم نشاطات الكتلة الدينية داخل المجلس الوطني ”وكان هو أيضا أمين سر المجلس”، وكان أثر الشيخ سليمان المدني ـ بصفته التنظيمية وبصفته الدينية ـ واضحا جدا على العمل البرلماني في الكتلة الدينية.
* قتل بتاريخ 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 1976م على يد أفراد محسوبين على الجبهة الشعبية لتحرير عمان والخليج العربي طبقا لم جاء في الاحكام الصادرة في القضية.
المصدر: وسام السبع – جريدة الوطن