من الذي اغتال الشيخ عبد الله المدني؟
أولاً، أشكر الأخ العزيز جعفر العصفور على ما قاله مصداقاً لبراءة الجبهة الشعبية لتحرير عُمان والخليج العربي، وإنها بريئة من مقتل الشهيد الشيخ عبد الله المدني، لكننا لم نفهم قوله إن الجبهة هيأت الأجواء، هل نفهم أن أي خلاف في الرأي أو أي شأن من شئون الحياة ينتهي بالشجار أو القتل أو الاغتيال؟ لو أن أي نزاع بين كل اثنين يختلفان أو لا يتفقان في الرأي يقتتلان لامتلأت المقابر بالقتلى.
أما من الذي هيأ للاغتيال فينبغي البحث عنه في الثنايا والتفاصيل، لأن إبليس الرجيم يكمن دوماً في التفاصيل، وأنا لا ألوم الأخ جعفر على فهمه عن طبيعة ما حصل في تلك الأيام السوداء، ولكن بالعودة إلى صحافة تلك الأيام، يتوصل إلى نتيجة جديدة لمقتل المرحوم، ذلك أن الجبهة الشعبية لتحرير عُمان والخليج العربي كان حلمها أكبر من رأسها، ولم يكن نهجها قط أسلوب الاغتيالات.
كان الحلم الكبير للجبهة الشعبية لتحرير عُمان والخليج العربي هو تحرير الخليج وعُمان من الاستعمار وتوحيده، وكان عليهم أن يهيئوا أجواء التحرير والتوحيد من الكويت شمالاً حتى (ضربة علي) في الجنوب، أي من الكويت/ ساحل عُمان (الإمارات العربية المتحدة اليوم)، وقطر والبحرين و(عُمان الداخل) أي حتى آخر الحدود العمانية في محافظة ظفار عند (ضربة علي)، لذلك لم يكن مستغرباً إن كان من الذين تم اعتقالهم داخل عُمان في منطقة (أزكى) هما: من البحرين أحمد حميدان، ومن الكويت أحمد الربعي، لأنهما آمنا بقضية كبرى، وإن عُمان هي مربط الفرس، فرأس مسندم ليس ككل الرؤوس فهو رأس المضيق الذي تمر فيه ناقلات النفط العملاقة، ولا مزاح مع من يقترب من منابع النفط. ولو سألت أحداً من الأحمدين: لماذا ذهبت إلى هذه المجازفة الكبرى، إلى عُمان الداخل، للشهادة أم للنصر؟ فسيقول لك: للشهادة حتماً، وسيقول لك: لأن رأسنا كان مليئاً بالأحلام الكبيرة التي لا تسعها الآفاق، فقد كان جيلنا جيلاً حامي الرأس جسوراً مقداماً قدم حياته على راحة يده.
لذلك، حين أرادت الإدارة الامبريالية أغنى كارتيلات النفط الذين لا يقبلون المزاح في شأن النفط فقط، إنهاء الصداع الذي كان يؤرقها في ثرى جبل سمحان في إقليم ظفار وفي شعبوت والمغسيل ومرباط وريسوت وضلكوت وفي الخط الأحمر، أرسلوا 20 ألف جندي بحراً وبراً وجواً، وأمطروا معاقل الثوار بأطنان القنابل جواً ثم بحراً، ثم زحفوا من القواعد البريطانية في صلالة، لكي يفاجأ الثوار الذين لم يتجاوز عددهم الـ 200 هم وأطفالهم ونساؤهم وشيوخهم وأيضاً مواشيهم، بأنهم يقابلون جيشاً عرمرمياً ليس لهم به طائل، مدججون بكامل العتاد، فانسحبوا إلى حدود اليمن وبقي بعضهم في مغارات وكهوف جبال ظفار. وفي البحرين لم يكن في وارد الجبهة الشعبية في البحرين أو في برنامجها قط اللجوء إلى العنف أو الاغتيال ضد أي من الخصوم السياسيين، وحتى الجلاد الأكبر إيان هندرسون على رغم أنه كان هدفاً سهلاً حين يسافر من البحرين إلى لندن عبر مطار بيروت في السبعينات، وكانت الجبهة تعرف ذلك، فلم تفكر قط في اغتياله أو اختطافه، لأنها كانت تفهم وتعرف أن لكل منطقة أسلوباً من النضال، وكان نضالها في البحرين سلمياً، على رغم أنها ملكت السلاح وهرّبته إلى البحرين وخزنته وتم اكتشافه حين وقع الانفجار في المخبأ السري في المحرق الذي كان فيه الشهيد محمد بونفور في 3/7/.1973 وأعتقد أن هذا يكفي لكي يعرف من يجهل مثل هذه الحقائق أو أنه لم يولد يومها، ولم تكن أية تعبئة أو تحريض ضد أية شخصية سياسية أو دينية ولا يمكن لأحد أن يتقدم ببيان أو تعميم داخلي جرى فيه أية إشارة إلى مثل هذه الموضوعات، على رغم أن مجلة «المواقف» لم تتردد في الانتقادات والتهجمات على كل أطراف اليسار الخليجي في تلك الفترة التاريخية الحرجة.
وثالثاً، ان المحكمة برأت أحمد مكي وأمير منصور في الحكم الأول وفي الاستئناف، وحكمت على الثلاثة بالإعدام وتم تنفيذ الحكم بالسرعة التي عرفناها، فأرجو من الأخ العصفور العودة إلى تواريخ الأعداد من صحيفتي «أخبار الخليج» و«الأضواء» ومجلة «المواقف» في التواريخ 19 و20 و21 و23 و24 و25 و26 و30 نوفمبر/ تشرين الأول، وعدد «المواقف» في 6/12/1976 خصوصاً ويقرأه بعناية وبعين الفاحص المحايد غير المنحاز، أو لديه حكم مسبق عن الناس والأشياء وسيتوصل إلى ما قد يكون قد خفي عليه.
الأولون وأهلنا منذ القدم قالوا: «ما كل ما ينعرف ينكال،» وهذه حكمة الأولين. وإنني أتمنى من كل قلبي لك أخي العزيز جعفر العصفور كل المحبة من المحرق ومن كل قرية ومدينة في هذا الوطن، وسترى أن الأوطان تعود إلى أهلها وتكبر كالأطفال شريطة أن يغادر المتخندقون طائفياً خنادقهم، ويدركوا بوعي مبكر أن تاريخ نضالات شعب البحرين لا يكلل بالنجاح والانتصار إلا حين يتوحد هذا الشعب كما حصل في أيام الهيئة 1956م: الباكر، الشملان، العليوات، بن موسى وإبراهيم فخرو، وكذلك في تجربة أخرى كانت متواضعة ولم يكتب لها النجاح لأنها وئدت في المهد وهي حركة اللجنة التأسيسية للاتحاد العام للعمال والموظفين وأصحاب المهن الحرة في البحرين في العامين 1971 ،1972 وكان لكاتب هذه السطور وعدد من الإخوة النقابيين شرف قيادة ذاك النضال المطلبي العمالي الذي وحّد كل عمال البحرين تحت مطلب واحد هو «تفعيل الباب الثالث من قانون العمل 1957م» المواد (42/67)، وأذكر من هؤلاء المناضلين: هشام الشهابي، يوسف صباح البنعلي، حسن رضي الستراوي، يوسف يتيم، عباس عواجي، جليل الحوري، علي الشيراوي، علي ضيف، أحمد سند والبنكي، عزيز جناحي، حميد القائد، إبراهيم رجب وأمين محمد علي وآخرين لا تسعفني الذاكرة لذكر أسمائهم.
ولا يسعني أخي جعفر إلا أن أشكرك على توضيح بعض الحقيقة للأجيال التي تجهل الكثير من تاريخ هذا الشعب ومحطاته المهمة ونضالاته الأولى، وسبب ذلك هو القمع والإرهاب وضعف ذاكرة البعض من هذا الشعب المناضل واستثمار بعض الكتبة وآخرون يتبرعون بأنفسهم تزلفاً ويزيفون التاريخ ويجيّرونه، لكن تاريخ الشعوب لا يزيف ولا يمكن إلا أن تعاد كتابته بحروف ناصعة البياض حين تتاح له الفرصة، ويتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود.
كلمة ليست بالأخيرة للأخ العصفور تعقيباً على «من الذي اغتال الشيخ عبدالله المدني؟»، هناك في هذا الوطن الممتد من البحر إلى البحر، أسئلة كثيرة وغير معروفة أجوبتها حتى يومنا هذا.
السؤال الأول الذي أوقعنا في حيرة كبيرة، خلال احتدام المصادمات في التسعينات: من صاحب دعوة الوجهاء الشيعة الأربعين (40 وجيهاً) لكي يلتقوا في مجلس الوجيه أحمد منصور العالي؟ وما أجندة الاجتماع الذي حضره 40 وجيهاً بحسب مراسل «الحياة» حسن اللقيس الذي نشره في الصفحة الأولى؟
والسؤال الثاني: من الذين انسحبوا من هذا الاجتماع وقالوا قولتهم المشهورة التي سمعناها منهم: لن نساهم في اجتماع يقتصر على الشيعة فقط؟ فهناك مجلس في بيت جاسم مراد أكثر شمولية وأكثر وطنية وليس طائفياً، يوحد ولا يُفرق، يجمع ولا يشتت، وسأوفر عليك عزيزي معرفة أسمائهم، فهم: رسول الجشي، المحامي حسن رضي والمحاسب جواد حبيب، فأرجو أن تسألهم» لماذا انسحبوا من هذا الاجتماع التاريخي؟
أما ثالثة الأثافي فهي أن اجتماعاً بديلاً عن الاجتماع السالف الذكر كان يدعو إليه جاسم مراد في منزله الذي طالما كان ملاذاً وطنياً غير عرقي ولا طائفي ولا اثني ولا قبلي، وليس هنا مجال سرد الذين حضروا ذلك الاجتماع، فمنهم الآن وزراء ووكلاء وزارات ولا يرغبون في أن تُذكر أسماؤهم.
لكن ذلك الاجتماع تم وأده في المهد، لأنه لاح للبعض «بعبع» الإجماع الوطني ممثلاً في هيئة الاتحاد الوطني.
كنا في لجنة العريضة الشعبية نتمنى أن يتم اعتقال أحدنا، لكنهم كانوا حذرين جداً يعرفون خطورة مثل هذا الإجراء، لكنهم كانوا يفاجئوننا دائماً بالاستدعاءات كلما اخترنا توقيتاً لإثارة موضع تقديم العريضة، والاعتقال الوحيد الذي تم لأحمد الشملان حين كانوا يبحثون عن العريضة الأصلية وتصريحاته للـ «CBB» واتصالاته بالإخوة في لندن وكتاباته في «القدس العربي» و«الخليج».
لقد كانت الأجندة التي رسمها إيان هندرسون أن يوقع إخوتنا الشيعة فيما خطط له ونجح في الجزء الأول منه لكنه فشل في الجزء الثاني. وأخيراً وليس آخراً، نتمنى أن نكون حذرين جداً، لا يجرنا أحد أو يوقعنا في الفتنة التي بدأت تطلّ برأسها، وهناك من يهندس لإذكائها وقلب الطاولة تمهيداً لتنفيذ خطة طائفية الهوى تهدف إلى هدم المعبد على من فيه.
المصدر: عبد الله مطيويع – صحيفة الوسط – العدد 1254 – السبت 12 محرم 1427هـ – 11 فبراير 2006