قبل ثلاثة عقود طالب الشهيد المدني بحل مشكلة الإسكان في القرى
وتبقى في الذاكرة لغة تحكي عن ألم الواقع، ويراعا يتلمس وجع المواطن… ثلاثة عقود مرت على كتابة مقالاته لكنك مازلت اذا ما تلمستها تشعر بالنبض… قد تختلف معها حينا لكن ليس بوسعك الا احترامها وخصوصا اذا ما اقتربت من ملامسة هموم المواطنين… انها كتابات الشهيد عبدالله المدني… قبل ليال مكثت ساعات أتنقل بين مقالات كاتبنا فوجدت لزاما علي ان اعاود طرح بعض ما طرحه كي يقترب الناس والمواطنون من بعض سجالات الماضي وهموم الصحافة البحرينية لما قبل 30 عاما.
فكاتبنا رشق بحجارة بعض الصحافيين لانه دعا عبر مقالاته إلى الاقتراب من مواجع المواطن… وهناك عقدت له أكثر من مشنقة صحافية فراح يقول في عدد “26” تاريخ 8 ابريل/ نيسان 1974 “صدقتهم لأني أنا الجاهل وهم الدارسون… صدقتهم انا الفقير، وهم الموســـرون… نعـــم صدقتهم، فلم أطالب على سبيل المثال بادخال ابنائي في شرف الخدمة العسكرية، ولم اطـــالب بتســـنم مـــراكز مرموقـــة في الدوائر والــــوزارات كغيرهم من المواطنين لأني أســـتكثر ذلك على نفسي كما هم يســــتكثرون ذلك علي… ولأني قــــرأت في التاريـــخ ان طبقة الفلاحين لا يرقـــون إلى طبقــــة الفرســـان”.
وراح يطالب “بإنشاء المدارس والمعاهد العلمية، بانشاء المستوصفات والمستشفيات للريف”. “ما رأيكم لو اعتبرنا الريف حديقة حيوان موسعة فنادينا بردم المياه الآسنة والمستنقعات وشق الشوارع وتنظيفها من القاذورات، وتشييد المنازل الصحية والقرى الحديثة فيها. ما رأيكم ان ننادي بمساواة ابناء الريف مع “الأجانب” القاطنين في الريف في القرى التجـــارية النمــوذجية. ليس في كل شيء، فقط نسقيهم من الماء الذي يشـــربون منـــه ليس إلا…”.
قضية الإسكان كانت دائما ما تطرح عبر أدبيات الشهيد وكان كثيرا ما يعتب على الدولة لاهمالها القرى، فكان يقول في مقال بعنوان “نماذج للحرمان”: “مشكلة الاسكان من اخطر مشكلات سكان القرية الذين يعيشون في زنزانات خربة، الظلام يلف طرقاتهم الضيقة المتعرجة، والمستنقعات والمجاري الآسنة، والقاذورات لاتزال مصدرا للأوبئة والأمراض التي يصاب بها سكان القرية”. “خزان الماء الذي ترشف منه القرية عفوا، ترشف منه ثلاث قرى هي: القدم والحجر وأبوقوة، اصغر من خزان ماء يوجد في بيت احد الموسرين من اصحاب القصور والفيلات، ومع ذلك فالماء غير صالح للشرب لملوحته الزائدة وللصدأ الذي يأتي مع الماء…” تاريخ المقال 1974م.
أتمنى أني استطعت أن أسلط الضوء على بعض ما كان يطرحه المدني في كتاباته… مقالات تعكس طبيعة الواقع الذي تعيشه البحرين في تلك السنين. لاشك ان هناك امورا تغيرت، ولكن اعتقد ان هناك ملفات مازالت عالقة.
فحال القرى الغربية والشمالية مازالت هي هي إهمال فظيع غير مبرر. اليوم على رغم مرور 30 عاما “ثلاثة عقود” مازلنا نطالب بشبكة مجار لقرية سار الطيبة وبشوارع ومصابيح اضاءة للدراز وباسكان للمنطقة الشمالية.
كرانة تبحث عن اسكان لها، وجنوسان غزتها الفيلل فلا توجد الا أرض صغيرة قد تستثمر لبناء مشروع سكني، والجنبية على رغم حداثتها مازالت تعاني من فقر كثير في الخدمات.
أما البيوت المتصدعة فالقرى مليئة بها، بل مليئة ببيوت وصلت اعمار بعضها إلى 70 عاما، وهي منتشرة هنا وهناك. فالدراز مثلا بحاجة إلى تغيير كامل… اعتقد ان هذه القرى دفعت الفاتورة كاملة وقد آن الاوان للمصالحة مع شوارعها وبيوتها.
في الشمالية يوجد مركز صحي واحد يغطي عشرات القرى المنثورة على شارع البديع، وكثيرا ما يصل الاسعاف بعد موت المصاب… نتمنى الاسراع في بناء مستشفى كبير لهذه المنطقة وليس مركزا صحيا فذلك لا يكفي… وعلى رغم ذلك لا نعلم إلى اين وصل مشروع بناء مركز صحي؟ الوزير الجديد وعوده كثيرة، ولكنها للأسف مازالت متواضعة ومتلكئــة وبـــدأت تفقـــد صدقيتها لدى كثير من الجمهور.
توزيع الابتسامات طبعا لا يغني عن بناء المشروعات. فذلك لا يطعم من جوع ولا يؤمن من خوف وخصوصا أن أطباء الأسنان والأطباء العامين مازال الكثير منهم غير مثبت. أعتقد ان مشروع المقشع يجب ان يعمم على كل القرى وهذا أملنا.
فالدستور والميثاق يعطيان للمواطن حق المطالبة بالسكن والعمل والحياة الكريمة.
سيد ضياء الموسوي