عتاب و تهئنة من القلب


 


 


لست متأسفاً ولا حتى حزيناً على موتك يا أبا الأيتام السبعة لأن الموت حق ولا مناص للأحياء منه، ولست منزعجاً او متألماً لفقدك أو فراقك لأني أعلم أن طبيعة الحياة من شأنها أن تفرق بين الأحبة مهما طال طبيعة الحياة من شأنها أن تفرق بين الأحبة مهما طال بهم العمر، أنك الآن يا أبا حسن في أحسن جال منا، تعيش بروحك المطمئنة المؤمنة في مقام عظيم يحسدك عليه الأحياء ويغبطونك، كيف لا وقد لقيت مصرعك مظلوماً مقتولاً لا تملك من حطام هذه الدنيا شيئاً، كيف لا وقد استشهدت مجاهداً دون عقيدتك مؤمناً بربك، ولكن احب أن أوجه إليك كلمة حادة أعتب فيها عليك.


 


أخي وعزيزي عبدالله المدني: لقد كان عهدي بك أنك تحبني تماماً كما أحبك، وتقدر الصداقة المتينة القائمة بيني وبينك، تلك الصداقة التي لم تشبها شائبة قط منذ أيام صغرنا، تلك الصداقة التي كانت تغمر حياتنا بنفحاتها الطيبة، وتظل أيام سعادتنا بنفحاتها الطيبة، وتظل أيام سعادتنا ببراءتها ووداعتها، كنا نفترق إلا في سويعات قليلة، اما لظروف العمل أو لسفر احدنا خارج البلاد، وقد كنت انا كما كنت انت من واقع هذه الصداقة يفضي بعضنا للآخر بما عنده ولم يعد هناك شيء مخفي بننا طيلة أيامنا الحلوة، فما الذي دهاك هذه المرة وحذا بك إلا تخبرني بالدعوة التي وجهت إليك ولبيتها في مساء الخميس ليلة الجمعة لأصحبك كما هي العادة، دون أن أكون معك لأشاطرك فيما قدمه اليك الداعون؟ ما هكذا ظني بك، ولا عهدت ذلك منك من قبل، لقد ازعجني تصرف أيما ازعاج، حتى قادني هذا الازعاج أن أنكفئ على نفسي الومها مرة على تلك الصداقة التي بدأت بفصمها، وأحدثها مرة أخرى بخطأ اخفائك على تلك الدعوة، نعم يا صديقي من حق كل صديق وفي مخلص أن يعتب على صديقه إذا ما رأى منه ما يسيئه وليس من السهل أن يزول هذا العتب إلا إذا اتضح له خلال ذلك، أجل هذا ما يحصل لي معك يا صديقي فحينما أسأت الظن فيك واتهمتك باخفاء تلك الدعوة كنت لا اعلم سر اخفائك واسمح ليي الآن أن اعتذر وابرر اتهامي وسوء ظني راجياً قبوله.


 


أخي عبداللخ: بينما كنت أمعن التكفير في دوافع استجابتك للدعوة دوني وإذا بامك المثكولة تطرب باب بيتي في الصباح الباكر تعتذر إليك عندي لعدم اخبارك لي بتلك الدعوة، إذ انها لم تكن دعوة طبيعية، بل هي دعوة الموت وجهها اليك المجرمون ليغتالوك في جنحح الظلام انها دعوة وراءها مؤامرة شنيعة دبرها اللئام في الخفاء للقضاء على حياتك، فراعني حقاً ما سمعت من أمك، واذهلني ما اخبرتني به وتمنيت لو انني معك في ذلك الوقت الحرج الذي اختطفك فيه سفاكو الدماء لا جاهد دونك بما وهبني الله من قوة إيمان وصلابة عقيدة لا نقذ حياتك او أموت معك، أو على الأقل أواسيك في مصابك الأليم وما حل عليك في تلك الليلة السوداء، ولكن ما تشاءون إلا أن يشاء الله، فتلك هي إرادته تعالي قد شاءت ان ينفرد بك المجرمون في وقت هدأت فيه العيون، واجهزوا عليك وحيداً لا ناصر ولا معين، وكأني بك حين خدوعك وارغموك على الركوب معهم في سيارتهم المشئومة واقتادوك ملبياً تحت تهديدهم إلى مكان جريمتهم البشعة قد تذكرتني وتذكرت جميع محبيك لعل أحد يحضر منهم ليخلصك من قبضة أعدائك الجبناء، لكن القتلة لم يمهلوك ولم يعطوك فرصة تستغيث فيها، وكأني بك قد التسمت منهم أن يرحموك ويطلقوك لاطفالك فأبى الطغاة القساة إلا قتلك وتيتم أطفالك وعيالك، وكاني بك قد شخصت بعينك إلى السماء في ذلك الظرف العصيب فأبت نفوسهم الدنيئة الشريرة إلا أن يوجهوا إلى جسمك الطاهر تلك الطعنات النجلاء القاتلة التي أودت حياتك.


 


وأعود يا صديقي لأكرر عذري لما وقعت فيه من خطأ واشتباه تجاهك، وأهنئك بهذه الخاتمة السعيدة حيث حصل لك الشرف ان تفارق روحك هذه الحياة النكدة على أيدي القتلة المجرمين من غير ذنب اذنبته أو جرم اقترفته وحصل لك الشرف ان تموت موتة الأحرار المجاهدين في ذلك الله، وثق أن أطفالك تظللهم رحمة الله الواسعة وأن أولئك القذرين لم يضروك بل أضروا أنفسهم وثق أن طريق الجهاد الشائك والدرب الوعر الذين سلكتهما نحن سائرون عليهما حتى نلقى الله كما لقيته، وثق أننا لن نهادن أعداءك وسنواجههم بنفس الصلابة التي كنت تواجههم بها مهما كلف الثمن، وإذا كنت قد فارقتنا بجسمك اليوم فإن روحك الخالدة لم تفارقنا أبداً، وسيقبى دويها يتردد في أعماقنا ما بقيت لنا الحياة، لنحذو حذوك في شجاعتك.. ونضالك.. وصلابة إيمانك.. وشدة بأسك مع أعدائك.. أعداء الله ورسوله… ونم أنت يا ضحية الغدر قرير العين، هادئ البال مع الشهداء الأبرار، والصالحين الأخيار في جنات النعيم.


 


 


السيد مصطفى القصاب – المصدر: مجلة المواقف – العدد 157 – 29نوفمبر1976

... نسألكم الدعاء ...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *