المواقف خالدة إلى الأبد


 


وهكذا شاءت إرادة الخالق أن يرحل الأستاذ عبد الله المدني من دار الشقاء والعناء إلى دار السعادة والهناء, ومن دنيا الفناء والمسئولية والجهد إلى دنيا الراحة والاطمئنان والخلد, والأستاذ المدني برحيله المفاجئ هذا قد ترك فراغا كبيرا في مجتمعنا, وتكمن حقيقة هذا الفراغ في إخلاصه وصدق كلمته وعفة نفسه ونزاهة معاملته وحسن طباعه وخصاله وقوة إيمانه, فما أحوج مجتمعنا إلى رجل يتصف بهذه الصفات التي تندر أن تجتمع في شخص في عصرنا الحاضر.


 


ومن غير شك أن المتهمين إنما تآمروا عليه بالأمس وقرروا اغتياله والتخلص منه لا لشيء سوى أنهم يعيشون على طرفي نقيض مما هو عليه,  ويعلمون أن تلك الصفات التي يتحلى بها عبد الله تشكل خطرا يعيق خط سيرهم المنحرف ويداهم مبادئهم الملحدة, ويرون في شخصه إذا ما قدر له البقاء عاملا أساسيا قادرا على فضح أساليبهم الغوغائية الملتوية وما يمثلونه من دور قد على مسرح مجتمعنا الوداع, ومن أجل ذلك لم يعد بإمكانهم تقبله أو تحمل بقائه على قيد الحياة أكثر.


 


لقد ظنوا أنهم بعد اقترافهم جريمتهم البشعة في حق المدني سيخلو لهم الجو, وتصورا أن منبره “المواقف” الذي طالما انبرى منه مفندا ما يتبجحون به عن المحرومين وحقوق العمال والحرية والعدالة والديمقراطية سيتوقف بعد رحيل صاحبه عنه,وما حسبوا أن هذا المنبر ولد حرا أصيلا لا يتزعزع ولا يهادن أحدا من الغاشمين والمارقين مهما حاولوا التستر بزيف شعاراتهم وقذارة نهجهم وانحراف مسلكهم, وقد خابت ظنونهم وتصوراتهم فهذه هي المواقف باقية خالدة إلى الأبد قذى في عيونهم وشجى في حلوقهم, وستطلع بدورها العقائدي وواجبها الوطني مهما كلف الثمن.


 


ولكن ثمة شيئا يؤسف له هو أنه بعد أن تعقب رجال الأمن المتهمين بالقتل وساقوهم إلى القضاء خرج قوم – لحاجة في نفوسهم – بمحاولات يائسة وشبهات مضللة واجتهادات مغرضة وأخذوا يدسونها فيما يكتبونه حول القضية وما جرى على شهيدنا المدني, يلتمسون الأعذار الوهمية الواهية لهم بغية الابتعاد بهم عن الدوافع الحقيقية فيما اقترفوه بحقه ظلما وعدوانا دفاعا عن المتهمين سفاكي الدماء وتبريرا لأفعالهم الشنيعة اللا انسانية , ولكن هيهات هيهات أن تنطلي هذه المحاولات على البسطاء من الناس فضلا عن رجال القضاء, وسيقول القضاء كلمته الفاصلة بنزاهة وعدل وبعدها سنقول “قل موتوا بغيظكم”..


 


وليعلم هؤلاء وألئك أننا لسنا ممن يعض على أنامله ندما فهذه سنة الله في خلقه, وما مأساة المدني إلا حلقة من سلسلة طويلة جاءت تتويجا للكفاح ضد أهل الزيف والضلال ودعاة المبادئ الهدامة, واستجابة لنداء الحق وامتدادا لبقاء الدعوة إلى الله حية نابضة بالحركة وروح العطاء والتضحية والفداء لتقض مضاجع الظالمين.


 


وحري بنا اليوم ونحن نعيش ذكرى مأساة كربلاء التي أعطت أروع مثل في التضحية حتى طوحت بالأمس عروش الطغاة الظالمين أن نستلهم من هذه وتلك العزم والإصرار على مجابهة الأعداء كما جابههم “أبو الشهداء” إمامنا الحسين عليه السلام إذ قال مستهينا بالموت في سبيل الله “إني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما”.


 


مصطفى القصاب – المصدر: العدد 163-الاثنين 20 محرم 1397 – 10 يناير 1977

... نسألكم الدعاء ...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *