الشهيد عبدالله المدني ( مقتبس )
الشهيد عبدالله المدني وهموم القرية البحرينية
السلام عليكم
كان يفصل بين بيته وبيتنا بيت واحد. وكنا نشاهده بحقيبته السوداء عندما كنا صغارا نتكدس أمام مدرسة الشيخ داوود في جدحفص ونحن نراه يسير بخطى ثابتة ليكتب عن قرانا المهملة، ومازالت الذاكرة تحمل لنا بعض الصور … كانت جميلة ولكن الكثير يحمل لغة الدموع!
إنه الأستاذ الشهيد عبدالله المدني رئيس تحرير مجلة “المواقف”… قبل 30 عاما وبتاريخ سبتمبر 1973م راح بمداده ليكتب عن قضايا المجتمع وعن همومه فكانت عناوين المقالات: “لنبدأ المسيرة” وأجرى مقابلة مع وزير الإعلام سابقا فكانت إجابة الوزير: “لا نريد أن نخلق من الصحافيين موظفين للدولة”. وقال أيضا: “إذا وضعت الرقيب قضيت على حياة الصحافة”. “تاريخ المقابلة 8 أكتوبر/ تشرين الأول 1973 العدد 3”. وكتب بتاريخ 24 ديسمبر/ كانون الأول مقالا آخر “ماذا تريد الصحافة الصفراء؟” وتحت عنوان “ثورة إسكانية” راح كاتبنا يقدم اقتراحات للمسئولين، قائلا: “يجب عدم تركيز مشروع الإسكان على منطقة سكنية واحدة وحرمان المناطق الأخرى على رغم ما تكون لهذا التركيز من فوائد بالنسبة إلى توافر الخدمات في تلك المنطقة”.
وتكلم عن القرى في حينها قائلا: “تعمير القرى التي تعاني من سوء الحالة الصحية والغذائية وعلى سبيل المثال تخطيط النخل في قرية كرانة وبناء مجمعات سكنية حديثة فيه وكذلك بناء مناطق سكنية حديثة للقرى التي حرمت التوسع والتي منعت من البناء بسبب وجود الآثار أو الأراضي الزراعية في مناطقها”. وتحت عنوان “التعاونيات… والمشاركة الشعبية في ثروات الأمة” في العدد 18 كتب: “نهيب بالمسئولين أن يتخذوا خطوات أخرى بسحب امتياز تسويق النفط في الأسواق المحلية من الشركات الأجنبية والأفراد لتصبح شركات مساهمة مفتوحة لكل مواطن”. وكتب مقالات تعرف مضامينها من عنوانها “الدولة ورعاية الشباب”، “الخبز مع الكرامة” وطالب عبر المقال بعدم تجاوز الدستور وبوضع حلول أيضا لمسألة الغلاء، وطالب نواب الشعب بالترافع عن هموم الناس. وفي مارس/ آذار 1974م راح الشهيد عبدالله المدني يطالب بالأرقام عن أرقام زيادة الدخل من ارتفاع أسعار البترول، وكان يتساءل منتقدا المسئولين في تفاوت الأرقام التي يطرحونها، فمرة يقال 35 مليون دينار، ومرة 60 مليونا، فيقول: “فهل يا ترى يصل عدم الاستقرار إلى هذا البون الشاسع بين الرقمين 35 و60؟”.
ثم عرج على قضية في غاية الأهمية قائلا: “ولو تجاوزنا هذه المسألة وأوجدنا لها المبررات، فما هو المبرر الذي تقدمه السلطة التنفيذية في عدم إطلاع لجنة الشئون المالية والاقتصادية على عدد وكوادر موظفي ثلاث وزارات هي: وزارة الدفاع ووزارة الداخلية ووزارة البلديات، ما اضطر اللجنة إلى أن تضع أرقاما تقديرية تفتقر إلى الدقة”. واليوم نطالب الأخ النائب جاسم عبدالعال كونه رئيس اللجنة ذاتها من الوزارات الحساسة بالمطالبة بعدد وكوادر الوزارات الحساسة والسر في عدم قبول إحدى الفئات فيها على رغم أن المادة الدستورية تقول: “بالمساواة بين المواطنين”، وهذا حق دستوري. فجريرة البعض يجب ألا تجرى على الجميع وعلى كل الأجيال. فبعد مرور 30 عاما مازال المطلب واحدا والموقف الآخر: الصمت.
وراح الشهيد يتساءل: “هل هي أزمة ثقة بين الحكومة والنواب؟ أم تقليل من مكانة النواب وصلاحياتهم؟”.
وفي العدد 25 راح كاتبنا يتحدث ويركز على المستوى المعيشي والمتردي لوضع الريف، وان ذلك قد يسبب أزمات كبرى: “إذا ما تغافل المسئولون عن حقوق الريف وأهملوها إلى الأبد”، “فهل نستفيد من تجارب غيرنا من دون أن نمر بالتجربة نفسها في بلدنا؟”.
ما أجمل الشهيد عبدالله وهو يترافع عن أوجاع هذا المجتمع… صدقه بقي في الذاكرة حضورا، فلابد أن نحيي ذكراه. كانت كلماته حضورا وكانت حروفه إدانة للطبقية. فمن جملة ما كتب مقالا تناقلته أيدي المواطنين كان بعنوان: “كفروا بكل شيء لأن الفقر كافر”: “العامل، الفلاح، الموظف، الكاسب، أصحاب الدخل المحدود… كيف نطالبهم بأن يؤمنوا بالحياة الديمقراطية قبل أن نوفر لهم أبسط مستلزمات المعيشة الضرورية؟”. وراح يقول: “ولكن الشيء الملموس أن ما أعطته الدولة باليمين أخذه بالشمال سوء التطبيق والجشع. وإلا فأين عمل دائرة التموين من ظاهرة اختفاء الأطعمة المنخفضة من الأسواق إذا ما طلبها المواطن بالسعر المعلن؟”.
كتابات الشهيد عبدالله المدني كانت تحكي عن واقع مرحلة مطلع السبعينات لكنها – مع الفارق الزمني – تحكي عن بعض هموم اليوم. مقالاته في غاية الأهمية. أتمنى على أهله أن يعطونا إجازة طبعها في كتاب خاص لتستفيد منها الأجيال.
رحمك الله ياابا حسن
سيد ضياء الموسوي – 2003/11