هــل تنجح الوساطة المصرية؟!
بقلم: عبد الله المدني
كالعادة أخذت الدول العربية تبعث بمندوبيها إلى الجزائر والمغرب، بعضها للتسجيل موقف وبعضها لإظهار وجوده في الأزمات وبعضها لمعرفة ماذا يجري في الصحراء الغربية وما هي درجة الخلاف بين الجزائر والمغرب وبعضها لإيجاد حل حاسم للخلاف.
ولكن هل ستحقق القاهرة في الصحراء الغربية مثل ما حققته دمشق في لبنان وهل ينجح حسني مبارك في إخماد المدافع بين الجزائر والمغرب بقيام اتفاقية سياسية بين البلدين حول الصحراء كما نجح عبد الحليم خدام في بيروت بالتوصل إلى الاتفاقية العسكرية والسياسية بين أطراف النزاع، بل هل ينجح العرب في تلافي خلافاتهم الدموية ويجنبوا أمتهم وصمة جديدة في تاريخهم الحديث التي ارتسمت على جبهته وصمة سوداء في أحداث لبنان.
بطبيعية الحال فإن أزمة الصحراء تختلف كثيراً عن أزمة لبنان، فأزمة لبنان الداخلية بين طوائف الشعب ووجود النازحين الفلسطينيين وأكثرية إسلامية ووجود مليشيات من أحزاب أقوى من الجيش الرسمي كما أن لبنان تربطها حدود طويلة مع دمشق أما أزمة الصحراء فهي بين دولتين عربيتين كبيرتين أو ثلاث دول إذا اعتبرت موريتانيا كطرف في الأزمة إلى جانب المغرب والجزائر. لذلك فإن الفتنة حول الصحراء إذا لم تخمد في مهدها وتصفيتها نهائياً فإن المواجهة والتي بدأت نذرها ستكون وخيمة وكبيرة. وإنه كلما كانت الخلافات بين الأنظمة العربية كبيرة وعميقة وكلما كان الجامعة العربية ولا يعطى أثراً ملموساً في حل القضايا العربية، كلما كان مجال لتدخل خارجي في قضايا العربي (وحلول) دولية لمشاكل العرب، أين كانت الجامعة العربية أين كانت الدول العربية من الصحراء الغربية قبل أن تكون هناك أزمة متفجرة، هل فاجأت مدريد العرب بالخروج من الصحراء؟ أم أن العرب لا يتحركون إلا بعد أن تحدث الأزمة وإلا بعد أن تتعقد الأزمة لماذا لم تقم أي مشاكل حول الصحراء عندما كانت تحت سيطرة الاستعمار الاسباني ولماذا تقوم الخلافات بعد الاستقلال هل كانت مدريد تعلم أنها قدرت الوقت المناسب للخروج من الصحراء وهل تعلم مسبقاً أن ظروفاً جديدة وخلافات ستنشأ بين الدول العربية المحيطة بالصحراء أنفسهم وبذلك ستوجد أرضية لتقبل لنقول بأن وجود الاستعمار الاسباني في الصحراء كان رحمة بها وكان حفظا للأمن والاستقرار في غرب أفريقيا؟!
إن سير الأحداث يثبت أن مجلس الأمن الدولي وكذلك الأمم المتحدة تتحملان جانباً كبيراً من وجود الأزمة حول الصحراء مجلس الأمن الدولي الذي نظر مسألة الصحراء وقرر تبعيتها للمغرب إلا أنه في نفس الوقت أتى بعبارة هي مثار الخلاف عندما قال –بعد اعترافه بأن الصحراء جزء من المغرب تاريخيا- وأن شعب الصحراء حر في تقرير مصيره، فهذا القرار في نصفه الأول جاء في صالح وجهة النظر المغربية بينما جزئه الأخير في صالح الدعوى الجزائرية. ولم تكن الأمم المتحدة في قراراتها حول الصحراء بأوضح من قرار مجلس الأمن الدولي..
فهكذا عندما لا يسيطر العرب على قضاياهم فتطرح للتدويل تكون القرارات دائماّ ذات جانبين متناقضين تحمل بذور الشقاق والخلاف.
وأمام المبعوث المصري الآن مهمة كبيرة في إقناع الجزائر بحضر القضية في النطاق العربي وعدم تدويلها سواء في نطاق المفاوضات أو نطاق الاقتتال. وإن مهمة المبعوث المصري لن تكلل بالنجاح إلا إذا جعلت الدولتان الشقيقتان المتنازعتان المصلحة العربية العامة فوق الخلافات الإيديولوجية بين الدولتين وفوق المطامع في الحصول على ثروات الصحراء أو التوسع الإقليمي والسياسي في المغرب العربي الكبير.
المصدر: مجلة المواقف – العدد 116 – 9فبراير1976