على طريق الوحدة
بقلم: عبد الله المدني
يقال إن العرب لا يتفقون إلا عند اشتداد الأزمات، ولا يتوحدون إلا في الحروب المصيرية، وعندما تنفرج حالة الخطر الشديدة يعودون إلى الاختلاف والتباعد، وأكبر دليل معاش يستدلون به لهذا القول هو توحد العرب في حرب رمضان، واختلافهم بعد هدوء المدافع والصواريخ والطائرات.ويضربون اختلاف العرب أكثر من مثل: علاقات مصر وسوريا، سوريا والعراق، وليبيا ومصر، وأخيراً الجزائر والمغرب.
هذه الظاهرة وإن وجد لها دليل ودليل إلا أنها ليست قاعدة يبنى عليها تاريخ العرب الاجتماعي السياسي.وأكبر دليل حي يدحض هذه النظرية وهذا الزعم هو خطوات الاتفاق والالتحام الوحدوي لدول الخليج العربي منذ استقلال المنطقة من حماية الإنجليز.
فقيام دولة اتحاد الإمارات العربية الذي يضم سبع إمارات هو حدث وحدوي كبير، ولا يمكن أن يقارن بالسلبيات التي صاحبته مع الانجازات الوحدوية التي تعمق مفهوم الوحدة يوماً بعد يوم، وآخر هذه الخطوات هو القرار الذي اتخذه المجلس الأعلى لاتحاد الإمارات العربية المكون من حكام الإمارات السبع، القاضي بتوحيد أجهزة الشرطة والأمن العام والهجرة. وكذلك القرارات الوحدوية الانفرادية التي أعلنها حاكم الشارقة بدمج دوائر الشرطة والأمن العام والعدل والإذاعة والحرس الوطني والمواصلات السلكية واللاسلكية في إمارة الشارقة بالوزارات الاتحادية ورفع علم الاتحاد بدلاً من علم الإمارة. وكذلك أعقبه حاكم الفجيرة بقرارات وحدوية انفرادية فأعلن عن إلغاء علم الفجيرة واستبداله بعلم دولة الاتحاد ودمج جميع الأجهزة المحلية رسمياً بالوزارات الاتحادية.
والتجربة الاتحادية التي قامت بين الإمارات السبع لعلها غير قادرة ومجدية لأن تشمل دولاً أخرى في الخليج إلا بعد أن تبرز دولة اتحاد الإمارات كوحدة سياسية متكاملة، ومن ثم تقوم بخطوات وحدوية ثنائية أو جماعية مع الدول الخليجية الأخرى.
فدولة البحرين بما لها من ثقل سكاني كبير ونصيب ثقافي وحضاري، وأجهزة سياسية بالنسبة لكل إمارة من الإمارات السبع منفردة بجعلها في وضع غير متكافئ مما يعرض هذه التجربة لهزات لا تتحملها المنطقة.
وإنه كلما تعمقت واشتدت أواصر دولة اتحاد الإمارات وبرزت كوحدة سياسية أمكن للدول الخليجية الأخرى القيام معها بخطوات وحدوية مدروسة راسخة الأقدام.فقرار البحرين التاريخي الذي اتخذه وزراء مالية دول الخليج مؤخراً الهادف إلى تكوين وحدة نقدية لدول الخليج والذي تمخض عن توقيع اتفاقية بتأسيس (بنك الخليج الدولي) ويضم ست دول خليجية هي البحرين،المملكة العربية السعودية والكويت ودولة الإمارات العربية المتحدة وقطر وسلطنة عمان إن هذه الاتفاقية بلا شك تعد خطوة وحدوية تاريخية تجعل من دول الخليج العربي وحدة اقتصادية هائلة مما يؤهلها لنهضة اقتصادية ويحررها من أشكال الاستعمار الاقتصادي.
وبجانب الخطوات الوحدوية التي تقوم بين مؤسسات الدول في الخليج من توحيد الاقتصاد وتوحيد التعليم ورسم خطة أمنية ودفاعية موحدة للمنطقة، فإنه يمكن أن تقوم خطوات وحدوية على مستوى المؤسسات الشعبية، كما يحدث الآن بين شطري اليمن الشمالي والجنوبي مع ما بين النظامين من خلافات ففي شطري اليمن قامت خطوات وحدوية على المستوى الشعبي فقام اتحاد للأدباء والكتاب بين القطرين وكذلك اتحاد للحقوقيين ونقابة للأطباء. ويعقد في شهر ديسمبر المقبل مؤتمر في صنعاء للصحفيين في شطري اليمن لبحث إنشاء نقابة موحدة للصحفيين.
إن مثل هذه الخطوات الوحدوية على المستوى الجماهيري التي قامت في اليمن يمكن أن تنجح بين دول الخليج العربي وتكون إرهاصات وتمهيدات لوحدة خليجية تقوم على أسس راسخة ثابتة.
المصدر: مجلة المواقف العدد 107 – 24نوفمبر1975