الحجر الأسود
أصل الحجر الأسود ملك عظيم، وهو يجدّد الميثاق الذي أخذه في عالم الذر لمن يسلم عليه ويقبله، فعن نكير بن أعين قال: قال لي أبو عبدالله عليه السلام: هل تدري ما كان الحجر، قال قالت: لا، قال: كان ملكاً عظيماً من عظماء الملائكة عند الله عزّ وجل، فلما أخذ الله من الملائكة الميثاق كان أوّل من آمن به، وأقّر ذلك الملك، فاتّخذه الله أميناً على جميع خلقه فألقمه الميثاق، وأودعه عنده، واستبعد الخلق أن يجددّوا عنده في كلّ سنة الإقرار بالميثاق، والعهد الذي أخذه الله عليهم، ثم جعله الله مع آدم، فأخرج من الجنة، أنساه الله العهد والميثاق الذي أخذه الله عليه، وعلى ولده لمحمد ووصيه، وجعله باهتاً حيراناً، فلماَ تاب على آدم حول ذلك الملك في صورة درة بيضاء، فرماه من الجنة إلى آدم، وهو بأرض السند-الهند- فلما رآه آنس إليه وهو لا يعرفه بأكثر من أنّه جوهرة، فأنطقه الله عز وجل، فقال: يا آدم أتعرفني قال: لا قال: أجل استحوذ عليك الشيطان فأنساك ذكر ربّك، وتحول إلى الصورة التي كان بها في الجنة مع آدم، فقال لآدم: أين العهد والميثاق، فوثب إليه آدم، وذكر الميثاق، وبكى وخضع له وقبله وجدد الإقرار بالعهد والميثاق، ثم حول الله عز وجل إلى جوهر الحجر إلى درّة بيضاء صافية تضيء فحمله آدم على عاتقه إجلالاًَ وتعظمياَ فكان إذا أعيى حمله عنه جبرئيل حتى وافى به مكة، فما زال يأنس به بمكة ويجدد الإقرار له كل يوم وليلة ثم إن الله عز وجل لما أهبط جبرئيل إلى أرضه وبنى الكعبة هبط إلى ذلك المكان بين الركن والباب وفي ذلك الموضوع تراءى لآدم حين أخذّ الميثاق، وفي ذلك الموضع ألقم الملك الميثاق، فلتلك العلة وضع في الركن ونحى آدم من مكان البيت إلى الصفا، وحواء إلى المروة، وجعل الحجر في الركن، فكبر الله وهلله ومجده فذلك جرت السنة بالتكبير في استقبال الركن الذي فيه الحجر، وأن الله عز وجل أودعه العهد والميثاق وألقمه إياه دون غيره من الملائكة، لأن الله عز وجل لما أخذ الميثاق له بالربوبية ولمحمد بالنبوة ولعلي بالوصية اصطكت فرائض الملائكة، وأول من أسرع إلى الإقرار بذلك الملك، ولم يكن فيهم أشدّ حباً لمحمد وآل محمد منه فلذلك اختاره الله عز وجل من بينهم وألقمه الميثاق فهو يجيء يوم القيامة وله لسان ناطق وعين ناظرة ليشهد لكل من وافاه إلى ذلك المكان وحفظ الميثاق.
وعن أبي سعيد الخدري، قال حجّ عمر بن الخطاب في إمرته، فلما افتتح الطواف حاذى الحجر الأسود فاستلمه وقبله، وقال أقبلك وإني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولكن كان رسول الله صلى الله عليه وآله بك حفياً، ولو لا أني رأيته يقبلك ما قبلتك، قال: وكان في القوم الحجيج علي بن أبي طالب عليه السلام قال: بلى والله إنه ليضر وينفع، قال: وبم ذلك يا أبا الحسن؟ قال: قول الله عز وجل: أشهد أنك لذو علم بكتاب الله، فأين ذلك من الكتاب؟ قال: قول الله عز وجل: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا}، وأخبرك أن الله سبحانه لما خلق آدم مسح ظهره، فاستخرج ذرية من صلبه سيما في هيئة الذر، فألزمهم العقل وقرّ ربهم أنه الرب، وأنهم العبد، فأقروا له بالربوبية وشهدوا على أنفسهم بالعبودية والله عز وجل يعلم أنهم في ذلك منازل مختلفة، فكتب أسماء عبيده في رق، وكان لهذا الحجر يومئذٍ عينان ولسانان وشفتان، فقال له إفتح فاك قال: ففتح فاه فألقمه ذلك الرق، ثم قال له: اشهد لمن وافاك بالموافاة يوم القيامة، فلما أهبط آدم عليه السلام هبط والحجر معه فجعله في موضعه من هذا الركن وكانت الملائكة تحجّ إلى هذا البيت من قبل أن يخلق الله آدم، ثم حجه آدم ثم نوح من بعده، ثم تهدم ودرست قواعده فاستودع الحجر من أبي قبيس، فلما أعاد إبراهيم واسماعيل بناء البيت، وبناء قواعده واستخرجا الحجر من أبي قبيس بوحي من الله عز وجل، فجعلاه بحيث هذا اليوم من هذا الركن وهو من حجارة الجنة، وكان لما أنزل في مثل لون الدر وبياضه، وصفاء الياقوت وضيائه، فسودته أيدي الكفار، ومن كان يمسه من أهل الشرك بتعايرهم، قال فقال عمر: لا عشت في أمة لست فيها أبا الحسن.
وعن النبي صلى الله عليه وآله: الحجر الأسود يمين الله في الأرض يصافح بها من يشاء من خلقه.