الشيخ أحمد آل طعان
العالم الأعظم الرباني الشيخ أحمد ابن العالم العامل الزاهد العابد المرحوم الشيخ صالح بن طعان بن ناصر بن علي الستري البحراني (قدس الله تربته وعلى في الجنان رتبته) كان رحمه الله تعالى خلاصة علمائها الأخيار وبقية فقائها الأبرار جامعاً لأنواع الكمالات ومحاسن الصفات والحالات في مكان مكين من الورع والتقوى والتمسك بالعروة الوثقى والسبب الأقوى في غاية من التواضع والإنصاف في نهاية حسن الأخلاق والعفاف والكرم الذي لم يزل بيته العالي مناخاً للوافدين والأضياف محبوباً عند العوام والخواص من ذوى الوفاق والخلاف، لم أر في العلماء ممن رأيناهم على كثرتهم في الجامعية للكمالات مثله (أعلى الله في دار الكرامة محله).
وكان رحمه الله تعالى من أهل سترة جزيرة من البحرين ثم انتقل مع والده إلى قرية المنامة وقرأ عند السيد التقي النقي اليسد علي ابن اسحاق (المتقدم ذكره) أكثر العلوم من نحو وصرف ومعاني وبيان وتجويد ومنطق وغير ذلك حتى أذعن هو وغيره له بالفضيلة وبقي مقدار سنتين وأكثر لا يحضر عند أحد لعدم قابلية من في البحرين حينئذ لحضوره عنده مشتغلاً بالتصنيف والمطالعة والتأليف وأجوبة بعض المسائل التي ترد عليه وقد قرر شرح الباب الحادي عشر للفاضل الشيخ مقداد السيوري الحلي على العالم الأواه الشيخ عبدالله ابن الشيخ عباس المذكور إذا جاء لقرية المنامة في أثناء قراءئه على السيد علي المذكور إلى أن من الله عليه بالتشرف لزيارة العتبات الطاهرة وتفضل عليه بالوصول إلى النجف الأشرف للمجاورة فحضر عند جماعة من فحول علمائها وأساطين فقائها كشيخنا المحقق المدقق الشيخ مرتضى الأنصاري (ره) والفقيه النقي الشيخ راضي النجفي والفقيه الزاهد الأمين الشيخ محمد حسين (ره) والزاهد العابد التقي النقي سلمان الزمان الشيخ ملا علي ابن الميرزا خليل الطهراني النجفي وتوفى الشيخ مرتضى (ره) وهو حاضر فرثاه بقصيدتين فريدتين يأتي الكلام عليهما وعلى غيرها إن شاء الله تعالى، ثم توجه بعد وفاة والده والوالد المرحومين ومن هو السبب في اقامته هناك إلى البحرين ملانا من العلوم والمعارف يهتف به في محافل أولي الكمال الهواتف وكان له كثير من الرسائل وأجوبة المسائل قبل رواحه النجف الأشرف قد فرط بها آذان أهل الفضل وشف، وأقام في البحرين مدة ثلاث سنوات ملازماً على التدريس والتصنيف والعبادات مواظباً على أنواع الطاعات، ثم سافر لزيارة الأئمة الهداة والمقامات العاليات ثم رجع وسكن في القطيف وشرفت به غاية التشريف لسبب ذكرناه سابقاً ملازماً للمطالعة والتصنيف والتدريس والتأليف مواظباً على طاعة ذي الجلال ملازماً لمحلسن الخصال مرجعاً لأهلها حالاً لمشكلها ثم سافر الزيارة وإلى الأمام الرضا (ع) زاره، ثم رجع إلى القطيف وفي أواخر عمره الشريف صار يتردد إلى البحرين مع بعض الأهل لإرشاد أهلها وانقاذهم من هلكة الجهل والحين بعد مراسلات من أهلها كثيرة وترددات والتماسات وفيرة حتى هتف به داعي الحمام فأجاب أمر الملك العلام وعرج بروحه المقدسة إلى دار السلام وجوار أوليائه الكرام في ليلة الأربعاء عيد الفطر (أو ثانية) على الإختلاف في رؤية الهلال من السنة 1315 هجرية الخامسة عشر والثلاثمائمة والألف من هجرو سيد الأنام عليه وآله أفضل الصلاة والسلام.
وقبره المقدس في الحجرة التي فيها قبر العالم الربائي اشيخ ميثم البحراني المتصلة بالمسجد بقرية هلتا من الماحوز من البحرين بوصية منه بذلك، لأنه قد رآه في المنام قبل وفاته بأيام كأنه يعاتبه على تركه الزيارة له والحال أنه من قريب قد زاره فأولها شيخنا بأنه قد طلب جواره، وقد حصل له من التشييع والإكرام ما لم يتفق لأحد من العلماء العظام والملوك والحكام وبعض الكرامات عند دفنه وبعده من قبره في بعض الليالي والإيام وعطلت لفقده الأسواق سبعة أيام وأقيمت له من المآتم العظام في البحرين والقطيف ولنجة والنجف الأشرف وغيرها في سائر بلاد الإسلام ما يزيد على مائة وخمسين مأتماً بالمراثي الكثيرة الجسام وسائر النظام ولم تر مثل ذلك اتفق لأحد من مشاهير العلماء الأعلام والسلاطين والحكام (قدس الله نفسه وطهر رمسه) وقد ذكرنا أكثر أحواله بتفصيله وأجماله في رسالتنا المسماة بالحق الواضح في أحوال العبد الصالح.
(وله قده) من المصنفات الرشيقة والتحقيقات الدقيقة وافرة منها كتاب (زاد المجتهدين في شرح بلغة المحدثين) والأصل للعالم الرباني الشيخ سليمان الماحوزي البحراني في علم الرجال ذكر في أوله فوائد وقواعد عجيبة في علم الرجال لم بشرح إلا قليلاً مجلد حسن، ورسالة ((قرة العين في حكم الجهر بالسملة والتسبيح في الأخيرتين)) مبسوطة عجيبة، وله (ره) رسالة ثانية نختصرة، وله رسالة ثالثة نقضاً لرسالة المعاصر الشيخ على الستري البحراني كما قدمنا، وله شرح اللمعة، وله كتاب (سلم الوصول إلى الأصول) أصول الفقة لم يخرج منه إلا القليل، وله كتاب (ازالة السجف عن موانع الصرف) في النحو مجلد حسن، وله (اقامة البرهان على حلية الأربيان) رد فيها على بعض الشارحين على اللمعة حيث استنكل في حليته وزعم أنه الريان المنهي عنه في بعض الأخبار وله رسالة في حكم الخارج عن بلد الإقامة سماها (منهاج السلامة) وله مع علماء البصرة قصة عجيبة يطول ذكرها لانكارهم فتواه في المسألة فصنف هذه الرسالة وأرسلها إليهم فسلموا وأذعنوا، وله رسالة في الحبوة وما يحبي به الولد الأكبر رجح فيها إدخال الكتب العلمية فيها كما هو قول بعض القدماء ونطقت به بعض الأخبار، وله رسالة في حكم الجمع بين الشريفتين رجح فيها قول صاحب الحدائق بتحريم الجمع، وله رسالة في تحقيق العقل وأقسامه جيدة مليحة وله رسالة في صوم يوم عاشوراء أي العاشر من المحرم وتحقيق خبر ابن وهب رجح فيه كراهة لصوم في ذلك اليوم وأنه امساك إلى بعد العصر لا صوم، وله كتاب (ملاذ العباد في أحكام التقليد والإجتهاد) مبسوط جيد بذكر الأدلة والأقوال رجح فيه جواز تقليد الأموات من جهة الدليل واحتاط فيه بالمنع لفاعدة الإشتغال وله كتاب (الدرر الفكرية في أجوبة المسائل البشرية) جواب اربع مسائل للسيد شبر مجلد حسن كما تقدم في أصول الفقه وله رسالة جيدة في شرح فقرة من دعاء كميل (ره) وهي (فهبني الخ) وإعرابها وقد سأله عنها العالم الشيخ حسن ابن الشيخ علي بن عصفور البحراني فكتب جوابها معنى واعراباً مبسوطاً وارسلها إليه فكتب عليها السائل بعض الإيرادات والإعتراضات فأجاب عنها برسالة أيضاً جيدة وله أجوبة مسائل كثيرة في دفعات متعددة للسيد باقر ابن استاذه السيد علي ابن السيد اسحاق البحراني (المتقدم ذكره) وله أجوبة مسائل للفاضل الشيخ ضيف الله بن سيف وغيره كثيرة مما يبلغ مجلدين وله كتاب (الصحيفة الصادقية) سماها (التحفة الأحمدية للحضرة الجعفرية) مجلد كبير جداً رتبه كترتيب الفقه من الطهارة بدأ أولا بأدعيتها وتوابعها ثم الصلاة ثم الصيام وهكذا مما هو مختص ببحر الحقائق ابي عبدالله الصادق (ع) أو ما رواه عن آبائه (ع) والأحراز والعوذ والإستفاءات كلها فيها بأثم تتبع واحسن ترتيب بقدر العلويين البحانية والطوسية فجزاه الله خير الجزاء وله حواش عليها وله حواش على كتاب الميرزا الكبير في الرجال والنجاشي، وله منظمومة كبيرة في الفقه تبلغ الفين وخمسائة بيت، نظم نخبته الكلشاني وله المنظومة الجليلة المسماة (بالعمدة نظم الزبدة) للشيخ البهائي في الأصول عجيبة جيدة وله منظومة في الكشكول والسهو.
مائة وخمسة وعشرون بيتاً حسنة جيدة وله منظومة عجيبة في التوحيد غير تامة أيضاً وله كتاب (قبسة العجلان في وفاة غرب خراسان) صنفها في جدة عند رجوعه من حج بيت الله الحرام وزيارة النبي وآله الكرام عليهم أفضل الصلاة والسلام وقد حصل لهم عطال كثير في جدة فلما كان قبل وفاة الإمام الرضا (ع) بيوم التمس منه أصحابه ورفقاؤه تصنيف وفاة لقراءتها يوم وفاته عليه السلام ولم تكن عنده كتب في هذا الفن فصنف هذا الكتاب العجيب في يومه وليلته وذكر الروايات المتضمنة لمناقبه ووفاته وأحواله بالمعنى وزوجها بما يناسبها من الأشعار الجيدة له ارتجالاً حتى أكملها وقراءها يوم وفاته عليه السلام وكادت تلحق بالمعاجز والكرامات فلما وصل إلى البلاد كتب الروايات بلفظها وهي الآن تقرأ في أطرافنا كالقطيف والبحرين والبصرة ولنجة أحسن ما صنف في هذا الباب فجزاه الله خير جزاء وثواب. وله ديوان شعر في مدح النبي والأئمة عليهم السلام ومراثيهم (ع) وغير ذلك جمعه بعض الأخوان وطبعه بعد وفاته وسماه بـ(الديوان الأحمدي) ولم يستوف جميع أشعاره الرائقة لعد إحاطتة بكلها.