عليٌ الإمام المعصوم والمبدأ الميكيافلي السياسي

(الغاية تبرّر الوسيلة)


مختصر كلمة سيد جميل المصلي بحسينية شهداء الطف بالمصلى بمناسبة ذكرى مولد أمير المؤمنين عليه السلام


{ عليٌ الإمام المعصوم والمبدأ الميكيافلي السياسي (الغاية تبرّر الوسيلة)


 


* العناوين:


1) عقيدتنا في علي عليه السلام.


2) موآمرة إقصاء علي عليه السلام وحرمان الأمة من فيوضاته الطاهرة.


3) صبر علي عليه السلام.


4) الخلافة في وجهة نظر علي عليه السلام.


5) تعامل علي عليه السلام مع الخصوم وتحكيمه القيم الآلهية على المسلك الميكيافلي الذي هو صنعة السياسيين اليوم.


 


الأول: عقيدتنا في علي عليه السلام:


لا حاجة لسرد الأدلة في حقانية الإمام علي عليه السلام في الإمامة بعد أن بلغت حد التواتر عند جميع المسلمين سواء النقلية منها أو الكلامية فإن ذاك باب يبحث في محله. لكننا نقول باختصار عن عقيدتنا فيه بأنه الامتداد الآلهي لختم النبوة والإرادة الآلهية في ترسيخ معنى الآية الكريمة ((إني جاعل في الأرض خليفة)) الإنسان الكامل من جميع النواح.


الإنسان المعصوم المنزه عن الرجس والمبرء عن العيب، أعلم الأمة وأفقهها وأشجعها وأقضاها وأكرمها وأسخاها وأعدلها وأحرصها على مصلحة الإسلام.


اصطفاه الله تعالى لهذه المنزلة من دون سائر البشر هو واحد عشر من ولده عليه السلام واختصه بكرامات لما يتمتع به من خصائص بدنية ونفسانية أهلته أي ينزل في عظيم شأنه آيات الذكر الحكيم والتنويه بمكرماته وفضله أحاديث من الرسول الرحيم صلى الله عليه وآله حتى أصبح العلامة الفارقة بين المؤمن والمنافق، وقسيم بين الجنة والنار يوم الحساب وزوج البتول وأب السبطين الحسن والحسين ولو لم يكن إلاّ هذه المرتبة لكفاه فخراً وشرفاً إلى يوم يقوم الناس لرب العالمين وهو الحقيق بها بالفعل ما خالط الخمر دمه ولحمه ولم يسجد لصنم قط وليد الكعبة وشهيد المحراب.


تاه في كنهه الناس محب إلى حد الإلوهية ومبغض إلى حد الكفر وكلاهما رفضه علي عليه السلام “إذا قال: هلك فيّ اثنان محب غال ومبغض قال”.


الثاني: مؤامرة إقصاء علي عليه السلام وحرمان الأمة من فيوضاته الطاهرة:


        هذه المؤامرة تم تدبيرها في الواقع قبل حادثة السقيفة المشومة وفي أيام النبي صلى الله عليه وآله مع الأسف من أناس يمكن أن نطلق عليهم بالطابور الخامس في لغة السياسة لم يرق لهم أن يكون علياً إمام المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وإن عاندتهم حادثة التنصيب يوم الغدير وبعث جيش أسامة لمعرفتهم بواقع الظروف الموضوعية إن الأمر لن يعدو علياً وكان دافعهم في ذلك كله الحسد وحب الدنيا والطموح لكرسي الزعامة.


        وبالفعل قد تم حياكة المؤامرة بشكل دقيق وحصل الانقلاب كما أشارت إلى ذلك الآية الشريفة ((وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفان مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم)).


        وأقصي الإمام الحق المنّصب من الله سبحانه وتعالى ورضي المسلمون مع الأسف بذاك الانقلاب بعد أن سلّموا على صاحب الحق بإمرة المؤمنين في آخر حجة لرسول الله صلى الله عليه وآله.


        بهذا الإقصاء حرمت الأمة من فيوضات علي عليه السلام وبركاته وعاشت سنين التّيه ولا زالت تعيشه على جميع المستويات. قيادة الأمة وفق المنهج الرباني الأصيل. بل هي التي حرمت نفسها يوم إن قبلت بذاك الانقلاب.


* والفيوضات التي نقصدها هي السير بسفينة الأمة إلى بر الأمان بعيداً عن القبلتين  والعشائرية والقومية والعرق والرأي والاستحسان في القيادة.


        وبهذا الإقصاء تكالبت الأمم على أمة الإسلام نتيجة لتسنّم رجال أعماهم عشق الدنيا ومجدها وفكّروا في ذواتهم فقط وفقط ولم يفكروا في مصلحة الإسلام العليا بل في مصالحهم الشخصية.


        وحلّ محل تلك الفيوضات المفترضة مآسٍ وآلامٍ وأشلاءٍ ودماءٍ من أجل شهوة حب الزعامة وخفق النعال. إلى يومنا هذا. فمن هو المسئول الأول؟


* إنها الأمة التي لم يجد الإمام عليه السلام كما يسرد لنا التاريخ أربعون رجلاً يقاوم بهم الانحراف وذاك الانقلاب.


الثالث: صبر علي عليه السلام:


        وصبر مولانا علي عليه السلام مدة 25 عاماً وهو يرى حقه منتهباً. صبر وهو يجمع كتاب الله “يقول عليه السلام: فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجى أرى تراثي نهباً”.


        صبر وهو يرى الانحراف بأم عينيه هو صبر ليس له حدود يكشف عن ذلك خطبته الشقشقية فراجعها في نهجه الشريف. تحكي لك قصة المعاناة المريرة مع قومه.


الرابع الخلافة من وجهة نظر علي عليه السلام:


        وتلاحقت الأحداث وعلي يلملم جراحاته، وبعد أن ضاق صدر الأمة بالانحراف تطلب المنقذ الذي هجرته أن يحافظ على ما تبقى من نظارة الإسلام وتنشد العدل الذي غاب عنها طويلاً.


        جاءت إلى علي عليه السلام وكأنها أحسّت بمظلوميته ورفض بإصرار لكنها أبت إلاّ أن تسلمه مقاليدها. اسمعه ماذا قال؟


قال عليه السلام: والله إن خلافتكم هذه لا تساوي شسع نعلي إلاّ أن أقيم حقاً أو أدفع باطلاً.


·        وإن خلافتكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز. وبعد قبوله عليه السلام: أرادهم لله وأرادوه لأنفسهم.


* وهل قبلوا عدل علي وجرأته في الحق؟ لم يقبلوا وتأسفوا على ذلك التنصيب من جديد. فسقوه كاست المحن والفتن أربع سنين إلى أن وافى ربه شهيداً مضرجاً بدمه يقول فزت ورب الكعبة.


    الخلافة في وجهة نظره ليست منصباً شرفياً يستعلي به على العباد والبلاد. الإمامة من وجهة نظره عليه السلام خلافة إلهية ترسي معالم العدل والإحسان والجعل من الإنسان خليفة في الأرض يعبد الله كما يريد سبحانه لا كما يريد الإنسان من تحكيم هواه واختراع نظريات أرضية من عقل الإنسان القاصر.


الخامس تعامل علي عليه مع خصومه وتغليبه القيم الإلهية على المسلك الميكيافلي (الغاية تبرر الوسيلة) الذي هو حرفة الساسة اليوم.


    وشغب عليه معاوية لعنه الله في الشام وخرج عليه أصحاب الجمل في مكة ومرق عنه الخوارج يوم صفين. وابتلي بأتباعه في الكوفة.


    وكان بإمكانه أن يتّبع سياسة الغاية تبرر الوسيلة من أجل تدعيم خلافته كما فعل أسلافه الثلاثة. كان بإمكانه أن يحكم بكتاب الله وسيرة الشيخين كما طلب منه عبد الرحمن بن عوف لترشيحه للخلافة.


       كان بإمكانه أن يساوم طلحة والزبير عندما قالا له: نبايعك على أن نكون شركاءك في الأمر وأطفأ شمعة بيت المال لمجرد انتهاء طرح الفكرة.


       كان بإمكانه أن يحتوي معاوية ويقره على ولاية الشام ثم يعزله كما أشار عليه ابن عباس رضي الله عنه.


       كان بإمكانه أن يقبل بالتحكيم من بادئ الأمر في حرب صفين.


       كان بإمكانه أن يقر ولاة عثمان ويهادن أعداءه.


       أن يستمليهم ويتبع معهم سياسة الإغراق بالأموال والمناصب. لكنه لم يفعل ويخوله دينه ويخون الأمة التي سلمته زمام أمورها وتترقب منه العدل الآلهي. وهو الذي أعطاها عهداً.


بعض الكتاب المهرجين تتجرأ ويقول: لم يكن علياً سياسياً، ولو كان لما تفوّق عليه معاوية ولكان في غنى عن كثير من المشاكل التي واجهته.


ونقول في معرض الرد عليه: نعم لم يكن علياً سياسياً وفق المقاييس السياسية المتبعة اليوم التي يحترفها الساسة وضاع القرار. لأن قناعاته الشرعية الدينية ومرؤته تأبى عليه أن يستخدم سياسة الكذب والدجل وسفك الدماء واللعب على ذقون البسطاء من أجل كرسي زعامة يصدر منه أمر أو نهي واستباحة لثروات الأمة وتسخيرها من أجل الشهوات. ولأجل ذلك قال قائلهم: لا طاقة لنا بعدلك يا علي.


لقد قال قولته المشهورة: “والله ما معاوية بأدهى مني، ولكنه يغدر ويمكر” “قد يعلم الحوّل القلب وجه الحيلة فيدعها لحاجز من أمر الله”


    وهذا ما دعى قادة مؤامرة إقصائه عن منصبه إلى تهميشه، ولو أراد ذلك ما غلبه على الكرسي غالب.


    وما الكرسي وبهرجته عند علي عليه السلام؟


إنه يعيش بصر من حليت الدنيا في أعينهم وراق لهم زبرجها أما هو صلوات الله وسلامه عليه فلم يقبل به إلاّ أن يسوس الأمة به طبق الموازين الشرعية لا طبق الهوى والرأي والقياس كما يصنع السياسيون اليوم.


* وتعال معي لتقف بإجلال واحترام في تعامل علي مع خصومه عبر هذه الأسئلة:


– هل سعى لاغتيالهم وقصف أجنحتهم؟


– هل تركهم من دون إلقاء الحجج البالغة؟


– هل سبهم في معاركه؟


– هل حاول رشوتهم؟


– هل قبل عطاياهم مقابل تركه لهم؟


والحمد الله رب العالمين


وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين 







ألقيت في ذكرى مولده الشريف


في حسينية شهداء الطف بالمصلى 1425هـ

... نسألكم الدعاء ...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *