الخطبة العارية من الألف لإمام علي عليه السلام
في البحار: روى ان الصحابة قالوا: ليس من حروف المعجم حرف أكثر دوراناً في الكلام من الألف فنهض أمير المؤمنين عليه السلام وخطب خطبة علي البداهة طويلة … تشمل على الثناء على الله تعالى والصلاة على نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم وفيها الوعد الوعيد ووصف الجنة والنار والمواعظ والزواجر والنصيحة للخلق وغير ذلك.
قال عليه السلام
حمدت من عظمت منته، وسبغت نعمته، وسبقت غضبه رحمته، وتمت كلمته، ونفذت مشيته، وبلغت حجته، وعدلت قضيته، حمدت حمد مقر بربوبيته، متخضع لعبوديته، متنصل من خطيئته، معترف بتوحيده، مستعيد من وعيده، مؤمل من ربه رحمة تنجيه، يوم يشغل كل عن فصيلته وبنيه، ونستعينه ونسترشده ونستهديه، ونؤمن به ونتوكل عليه وشهدت له شهود عبد مخلص موقن، وفردته تفريد مؤمن متق ووحدته توحيد عبد مذعن، ليس له شريك في ملكه ولم يكن له ولي في صنعه، جل عن مشير ووزير، وتنزه عن مثل ونظير، علم فستر وبطن فخبر، وملك فقهر، وعصي فغفر، وعبد فشكر، وحكم فعدل، وتكرم وتفضل، لن يزول ولم يزل، ليس كمثله شيء، وهو قبل كل شيء وبعد كل شيء. رب متفرد بعزته متملك بقوته متقدس بعلوه، متكبر بسموه، ليس يدركه بصر ولم يحط به نظر، قوي منيع، بصير سميع حليم حكيم، زؤوف رحيم، عجز عن وصفه من وصفه، وظل نعته من نعته، من عرفه قرب فبعد، وبعد فقرب، يجيب دعوة من يدعوه، ويرزق عبده ويحبوه، ذو لطف خفي، وبطش قوي، ورحمة موسعة، وعقوبة موجعة ورحمته جنة عريضة مونقة، وعقوبته جحيم موصدة موبقة.
وشهدت ببعث محمد (ص) عبده ورسوله ونبيه وصفيه وحبيبه وخليله وبعثه في خير عصر وحين فترة وكفر، رحمة لعبيده ومنة لمزيده ختم به نبوته، وقوى به حجته، فوعظ ونصح وبلغ وكدح رؤوف بكل مؤمن ولي سخي زكي رضى عليه رحمة وتسليم وبركة وتكريم من رب غفور رحيم قريب مجيب حكيم.
وصيتكم معشر من حضرني بتقوى ربكم وذكرتكم بسنة نبيكم فعليكم برهبة تسكن قلوبكم وخشية تذري دموعكم وتقية تنجيكم يوم يذهلكم ويبليكم يوم يفوز فيه من وزن حسنيه وخف وزن سيئته لتكن مسألتكم مسألة ذل وخضوع وشكر وخشوع، وتوبة ونزوع، وندم ورجوع، وليغتنم كل مغتنم منكم صحته قبل سقمه وشيبته قبل هرمه وسعته قبل فقرد وخلوته قبل شغله وحضره قبل سفره وحياته قبل موته وشبيبته، قبل هرمه ثم يكبر ويهيمن ويمرض ويسقم ويمل طبيبه ويعرض عنه حبيبه وينقطع عمره ويتغير لونه. وقل عقله ثم قيل: هو موعوك وجسمه منهوك قد جد في نزع شديد. وحضره قريب وبعيد فشخص ببصره وطمح بنظره ورشح جبينه وخطف عرينه وجنبت نفسه وبكته عرسه وحفر رمسه ويتم منه ولده وتفرق عنه عدده. وقسم جمعه وذهب بصره وسمعه. ولقن ومدد ووجه وجرد وغسل وعري ونشف وسجي وبسط له وهيء ونشر عليه كفنه وشد مه ذقنه وقمص وعمم ولف وودع وسلم وحمل فوق سرير وصلى عليه بتكبير بغير سجود وتعفير ونقل من دور مزخرفة وقصور مشيدة وحجر منضدة فجعل في ضريح ملحود ضيق مرصود بلبن منضود. مسقف بجلمود وهيل عليه عفره وحثى عليه مدره، فتحقق حذره، ونسي خبره ورجع عنه وليه ونديمه ونسيبه وحميمه وتبدل به قرينه وحبيبه فهو حشو قبر ورهين قفر يسعى في جسمه دود قبره. ويسيل صديده في منخره، نسحق تربته لحمه وينشف دمه ويرق عظمه ويقيم في قبره حتى يوم حشره فينش من قبره وينفخ في صور ويدعى بحشر ونشر فثم بعثرت قبور.وحصلت سريرة في صدور، وجيء بكل نبي صديق وشهيد ونظيق ووقف لفصل حكمه عند رب قدير بعبيده خبير بصير من زفرة تضفيه وحسرة تنضيه في موقف مهول عظيم بين يدي ملك كريم بكل صغيرة وكبيرة عليم يلجمه عرقه ويحفزه قلقه فعبرته غير مرحومة.. وصرخته غير مسموعة وحجته غير مقبولة وبرزت صحيفته وتبينت جريرته ونطق كل عضو منه بسوء عمله فشهدت عينه بنظره ويده ببطشه ورجله بخطوه وجلده بلمسه وفرجه بمسه ويهدده منكر ونكير وكشف له حيث يسير فسلسل جيده وغلت يده وسيق يسحب وحده فورد جهنم بكرب وشدة فظل يعذب في جحيم، ويسقى شربة من حميم، تشوى وجهه وتسلخ جلده يضربه زبانيته بمقمع من حديد ويعود جلده نضجه كجلد جديد يستغيث فتعرض عنه خزنة جهنم ويستصرخ فيلبث حقبة بندم نعوذ برب قدير من شر كل مصير ونسأله عفو من رضى عنه ومغفرة من قبل منه فهو ولي مسألتي ومنجح طلبتي فمن زحزح عن تعذيب ربه سكن في جنته بقربه وخلد في قصور مشيدة وملك حور عين وحفدة، وطيف عليه بكؤوس من تسنيم وشرب من عين سلسبيل ممزوجة بزنجبيل، مختزمة بمسك وعبير، مستديم للسرور ومستشعر للحبور، يشرب من خمور، في روضة مغدق ليس يصدع من شربه وليش ينزف هذا منقلب من خشى ربه وحذر نفسه وتلك عقوبة من عصى منشئته وسولت له نفسه معصيته مبدئه ذلك قول فصل، وحكم عدل خير نزل به روح قدس مبين على نبي مهتد رشيد صلت عليه رسل سفرة مكرمون بررة عذت برب رحيم من شر كل، رجيم، فليتضرع متضرعكم، ويبتهل مبتهلكم، فنستغفر رب كل مربوب لي ولكم.
انتهت الخطبة الشريفة