غزوة العشيرة
قد خرج رسول الله (ص) فيما يدعي المؤرخون وكتاب السيرة كابن هشام وابن جرير أنه خرج ليعترض على قافلة لقريش كانت في طريقها إلى مكة، واستخلف على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد، وكانت في السنة الثانية من هجرته، ولواؤه مع الحمزة بن عبدالمطلب، ومضى حتى نزل العشيرة من بطن ينبع ولم يلق بها أحداً، غير أنه وادع فيها بني مدلج وحلفاءهم من بني ضمرة.
وحدث ابن إسحاق عن جماعة عن عمار بن ياسر أنه قال: كنت أنا وعلي بن أبي طالب رفيقين في غزوة العشيرة فلما نزل رسول الله وأقام بها رأينا أناساً من بني مدلج يعملون في عين لهم فيها نخل، فقال لي علي بن أبي طالب: يا أبا اليقظان هل لك أن تذهب إلى هؤلاء القوم فتنظر كيف يعملون؟ قال قلت إن شئت فجئناهم ونظرنا إلى عملهم ساعة ثم غشينا النوم، فانطلقت أنا وعلي (ع) حتى اضطجعنا في صور من النخل وفي دقعاء (أي على التراب اللين) فنمنا والله ما أيقظنا إلا رسول الله (ص) يحركنا برجله وقد تتربنا من تلك البقعة التي نمنا فيها ففي ذلك اليوم قال رسول الله لعلي: ما بالك يا أبا تراب، ثم قال: ألا أحدثكما بأشقى الناس قلنا بلى يا رسول الله، قال أشقى الناس رجلان أحيمر ثمود الذي عقر ناقة صالح، والذي يضربك يا علي على هذه ووضع يده على قرنه حتى يبتل منها هذه وأخذ بلحيته الكريمة.
ورواها ابن جرير الطبري ف تاريخه على هذا النحو أولاً، وأضاف أنه قيل غير ذلك، وتتلخص روايته الثانية أن عبدالعزيز بن أبي حازم روى عن أبيه أنه قال قيل لسهل بن سعد الساعدي أن بعض أمراء المدينة يريد أن يبعث إليك لتسب علياً على المنبر، وتقول له يا أبا تراب، قال ولله ما سماه بذلك إلا رسول الله.
قلت وكيف ذاك قال، دخل على فاطمة ثم خرج من الدار واضطجع في المسجد في فيئه، ثم دخل رسول الله (ص) على فاطمة وسألها عن علي (ع)، فقالت له هو ذاك مضطجع في المسجد، فجاءه رسول الله فوجده وقد سقط رداؤه عن ظهره وخلص إليه التراب، فجعل رسول الله يمسح عن ظهره التراب ويقول: أجلس يا أبا تراب، فوالله ما سماه بهذا الاسم إلا رسول الله (ص)، وكان والله أحب أسمائه إليه.
ولا منافاة بين الروايتين فمن الجائز أن يكون أول ما سماه بهذا الاسم في غزوة العشيرة كما جاء ذلك في رواية عمار حينما رآه نائماً فأيقظه ومسح عن ظهره التراب وقال كلمته الخالدة التي ظلت لغزاً طيلة أربعين عاماً حتى جاء ابن ملجم أحد الشقيين فضربه بالسيف في محرابه فخضب كريمته من دم رأسه، وناداه بهذا الاسم حينما رآه نائماً على تراب المسجد وقد علق التراب بظهره فمسحه وقال له اجلس أبا تراب.
ورى ابن هشام عن إسحاق أن جماعة من أهل العلم حدثوه بأن النبي أنما سمى علياً أبا تراب لأنه كان إذا تشاجر مع فاطمة على أمر من الأمور لم يلكمها ولم يقل لها ما تكره إلا أنه كان يأخذ التراب ويضعه على رأسه حتى أصبح علامة على أنه في نزاع م فاطمة (ع) فكان رسول الله إذا رأى ذلك منه عرف أنه في نزاع مع فاطمة، فيقول له مالك يا أبا تراب.
وبلا شك أن هذه الرواية من موضوعات عروة أو أبي هريرة اللذين روى عنهما ابن إسحاق في سيرته كثيراً ومن الثابت أن عروة كان يتعمد يسيء إلى علي وآل علي ويسند مروياته إلى خالته عائشة في الغالب، وموقف السيدة عائشة من علي و فاطمة معلوم لذا كل منصف، فلد أعلنت حرب طائشة على علي إمام المسلمين، وأراقت دماء الألوف من الأبرياء وتجاهلت نصوص القرآن التي أمرت نساء النبي أن يقرن في بيوتهن، ووصية رسول الله التي أحذرها فيها من موقفها المعادي لعلي.
ولكنها خالفت كل ذلك وقادت جيشاً لحربه في البصرة مخالفة بذلك نصوص القرآن وسنة رسوله (ص) والسيدة فاطمة (ع) أرفع شأناً من أن تغضب علياً أو تسيء إليه في قول أو فعل كما تؤكد ذلك سيرتها الكريمة.