ما كان قبل آدم في الأرض
من قصص الرواندي عن أبي جعفر عليه السلام قال: سُئل أمير المؤمنين عليه السلام هل كان في الأرض خلق من خلق الله تعالى يعبدون الله قبل آدم عليه السلام وذريته؟
فقال: نعم، قد كان في السموات والأرض خلق من خلق الله يقدسون الله ويسبحونه ويعظمونه بالليل والنهار لا يفترون، فإن الله عز وجل لما خلق الأرضين خلقها قبل السموات ثم خلق الملائكة روحانيين لهم أجنحة يطيرون بها حيث يشاء، فأسكنهم فيها بين أطباق السموات يقدسونه الليل والنهار، واصطفى منهم إسرافيل وميكائيل وجبرائيل، ثم خلق عز وجل في الأرض الجن روحانيين لهم أجنحة فخلقهم دون خلق الملائكة وخفضهم أن يبلغوا مبلغ الملائكة في الطيران عن ذلك فأسكنهم فيما بين أطباق الأرضين السبع وفوقهن يقدسون الله بالليل والنهار لا يفترون، ثم خلق خلقاً دونهم لهم أبدان وأرواح بغير أجنحة يأكلون ويشربون نسناس أشباه خلقهم وليسوا بإنس وأسكنهم أوساط الأرض على ظهر الأرض مع الجن يقدسون الله الليل والنهار لا يفترون، قال وكان الجن تطير في السماء الملائكة في السموات فيسلمون عليهم ويزورونهم ويستريحون إليهم ويتعلمون منهم الخبر، ثم إن طائفة من الجن والنسناس الذين خلقهم الله وأسكنهم أوساط الأرض مع الجن تمردوا وعتوا عن أمر الله فمرحوا وبغوا في الأرض بغير الحق وعلا بعضهم على بعض في العتو على الله تعالى حتى سفكوا الدماء فيما بينهم وأظهروا الفساد وجحدوا ربوبية الله تعالى قال وأقامت الطائفة المطيعون من الجن على رضوان الله وطاعته وباينوا الطائفيين من الجن والنسناس الذين عتوا عن أمر الله تعالى، قال فحط الله أجنحة الطائفة من الجن الذين عتوا عن أمر الله وتمردوا وكانوا لا يقدرون على الطيران إلى السماء وإلى ملاقاة الملائكة لما ارتكبوا من الذنبوب والمعاصي، قال وكانت الطائفة المطيعة لأمر الله من الجن تطير إلى السماء الليل والنهار على ما كانت عليه، وكان إبليس واسمه الحرث يظهر للملائكة أنه من الطائفة المطيعة، ثم خلق الله تعالى خلقاً على خلاف خلق الملائكة وعلى خلاف خلق الجن وعلى خلاف خلق النسناس يدبون كما يدب الهوام في الأرض يأكلون ويشربون كما تأكل الأنعام من مراعي الأرض، كلهم ذكران ليس فيهم إناث لم يجعل الله فيهم شهوة النساء ولا حب الأولاد والحرص ولا طول الأمل ولا لذة عيش، لا يلبسهم الليل ولا يغشاهم النهار، ليسوا ببهائم ولا هوام، لباسهم ورق الشجر وشربهم من العيون الغزار والأدوية الكبار، ثم أراد الله أن يفرقهم فرقتين فجعل فرقة خلف مطلع الشمس من وراء البحر فكون لهم مدينة أنشأها، تسمى جابرسا طولها اثني عشر ألف فرسخ في اثني عشر ألف فرسخ وكون عليها سوراً من حديد يقطع الأرض إلى السماء ثم أسكنهم فيها وأسكن الفرقة الأخرى خلف مغرب الشمس من وراء البحر وكون لهم مدينة أنشأها تسمى جابلقا طولها اثني عشر فرسخ وكون لهم سوراً من حديد يقطع إلى السماء، فأسكن الفرقة الأخرى فيها، لا يعلم بهم أهل أوساط الأرض من الجن والنسناس، فكانت الشمس تطلع على أهل أوساط الأرضين من الجن والنسناس فينتفعون بحرها ويستضيئون بنورها ثم تغرب في عين حمئة، فلا يعلم أهل جابلقها إذا غربت، ولا يعلم بها أهل جابرسا إذا طلعت لأنها تطلع من دون جابرسا وتغرب من دون جابلقا، فقيل يا أمير المؤمنين فيكف يبصرون ويحيون وكيف يأكلون ويشربون وليس تطلع الشمس عليهم، فقال عليه السلام إنهم يستضيئون بنور الله فهم في أشد ضوء من نور الشمس ولا يرون أن الله تعالى خلق شمساً ولا قمراً ولا نجوماً ولا كواكب لا يعرفون شيئاً غيره، فقيل يا أمير المؤمنين فأين إبليس عنهم، قال لا يعرفون إبليس ولا سمعوا بذكره، لا يعرفون إلا الله وحده لا شريك له لم يكتسب أحد منهم قط خطيئة ولم يقترف إثماً لا يسقمون ولا يهرمون ولا يموتون إلى يوم القيامة يعبدون الله، لا يفترون، الليل والنهار عندهم سواء، وقال إن الله أحب أن يخلق خلقاً وذلك بعدما مضى للجن والنسناس سبعة آلاف سنة، فلما كان من خلق الله أن يخلق آدم للذي أراد من التدبير والتقدير فيما هو مكونه في السموات والأرضين كشط عن أطباق السموات ثم قال للملائكة انظروا إلى أهل الأرض من خلقي من الجن والنسناس هل ترضون أعمالهم وطاعتهم لي فاطلعت ورأوا ما يعملون فيها من المعاصي وسفك الدماء والفساد في الأرض بغير الحق اعظموا ذلك وغضبوا لله وأسفوا على أهل الأرض ولم يملكوا غضبهم وقالوا يا ربنا أنت العزيز الجبار القاهر العظيم الشأن وهؤلاء كلهم خلقك الضعيف الذليل في أرضك، كلهم يتقلبون في قبضتك ويعيشون برزقك ويتمتعون بعافيتك وهم يعصونك بمثل هذه الذنوب العظام لا تغضب ولا تنتقم منهم لنفسك بما تسمع منهم وترى وقد عظم ذلك ذلك علينا وأكبرناه فيك، قال فلما سمع الله تعالى مقالة الملائكة قال إني جاعل في الأرض خليفة فيكون حجتي على خلقي في أرضي فقالت الملائكة سبحانك ربنا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك، فقال الله تعالى يا ملائكتي إني أعلم ما لا تعلمون إني أخلق خلقاً بيدي من ذريته أنبياء ومرسلين وعباداً صالحين وأئمة مهتدين وأجعلهم خلفائي على خلقي في أرضي ينهونهم عن معصيتي وينذرونهم من عذابي ويهدونهم إلى طاعتي ويسلكون بهم طريق سبيلي أجعلهم حجة لي عذراً ونذراً، وأنفي الشياطين من أرضي وأطهرها منهم فأسكنهم في الهواء وأقطار الأرض وفي الفيافي، فلا يراهم نسل خلقي ولا يرون شخصهم ولا يجالسونهم ولا يخالطونهم ولا يواكلونهم ولا يشاربونهم، وأنفر مردة الجن العصاة من نسل بريتي وخلقي وخيرتي فلا يجاورون خلقي، وأجعل بين خلقي وبين الجان حجاباً فلا يرى خلقي شخص الجن ولا يجالسونهم ولا يشاربونهم ولا يتهجمون تهجمهم، ومن عصاني من نسل خلقي الذي عظمته واصطفيته لغيبي أسكنهم مساكن العصاة وأوردهم موردهم ولا أبالي، فقالت الملائكة لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.