الجمعة 15 جمادى الأولى 1428هـ الموافق 1 يونيو (حزيران) 2007م

————————————————-

* الخطبةالأولى:

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

        الحمدُ للهِ كثيراً كثيرا، كما أجزلَ نعماً وأسبغَ خيرا، وحبانا من فضلِه عطاءً ورزقاً وفيرا، وكفانا شراً وأمراً خطيرا، فكان بحمدِنا حرياً جديرا.

أحمدُه والحمدُ جزءُ حقِّه، خالقاً لا يحتاجُ إلى خلقِه، ولا يخشى شراً من تحتِه ولا من فوقِه، مفتقرٌ كلُّ شيءٍ إلى عطائِه ورزقِه. معتمدٌ عليه كلُّ شيءٍ في وجودِه، واستمرار بقائِه وجهودِه، وفي حركتِه وجمودِه، وانبعاثِ طاقاتِه وخمودِه. وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَه لا شريكَ له، ضلَّ مَن رجا غيرَه، وعبدَ سواه. وأشهدُ أنَّ محمَّداً (ص) عبدُه ورسولُه الذي هداه، وهدى به ملائكتَه إلى تمجيدِ علاه، وفضَّله على جميعِ الخلائقِ واصطفاه، وادَّخره خاتماً لرسالاتِه، وفاتحاً لخيراتِه، فلا رسولَ بعدَه إلى الأنام، ولا شريعةَ بعدَ دينِ الإسلام، فلا يُقبلُ عملٌ من أحدٍ من العالمين، بعد بلوغِ مسامعِه أمرَ هذا الدِّين، إلاَّ ما وافقَ قولَ أو فعلَ سيِّدِ المرسلين، والأئمَّةِ من آلِه الميامين. كما أوضحَ خيرُ المنزِلين، في كتابِه النورِ المبين، حيثُ قالَ وهو أصدقُ القائلين: ((ومن يبتغِ غيرَ الإسلامِ ديناً فلن يُقبلَ منه، وهو في الآخرةِ من الخاسرين))(1). اللهمَّ فكما هديتنا بمحمَّدٍ وآلِه الطَّاهرين، صلِّ عليهم صلاةً زاكيةً شاملةً لنا ببركتِها ولجميعِ المؤمنين، يا خيرَ المسئولينَ وأوسعَ المعطين.

        أيُّها الإخوةُ المؤمنون، أوصيكم ونفسي قبلَكم بما دعى إليه المرسلون، من تقوى اللهِ الذي خلقكم وإليه تُرجعون، وبيدِه أمر كلَّ شيءٍ مما تعلمون وما لا تعلمون، ولا يصعبُ عليه شيءٌ مما ترون وما لا ترون، ((بديعُ السَّماواتِ والأرض، وإذا قضى أمراً فإنَّما يقولُ له كن فيكون))(2). فاتَّقوا اللهَ وأطيعوه، وافقهوا دينَه وطبِّقوه، ولا يخدعنَّكمُ الكافرونَ والمارقون، فيما يطرحون ويزيِّنون، وما يدعونَ إليه من الأنظمةِ الوضعيَّة، كالاشتراكيَّةِ، والرأسماليَّةِ، وما يصوِّرونه أنَّه منتهى العدالةِ الإنسانيَّةِ، وأقربُ ما يحقِّقُ المساواةَ الاجتماعيَّة، فاستمالوا الجهَّالَ والبسطاء، وانجرَّ معهم عبَّادُ الزَّعامةِ والشُّهرة من الكبراء، فأحلُّوا الحرامَ وحرَّموا الحلال، وتعدَّوا على النُّفوسِ والأموال، وانتهكوا من المؤمنينَ الحرُمات، وتجرَّأوا على المساجدِ والصلوات، واستعانوا بذوي الشركِ والإلحاد، لمحاربةِ الدُّعاةِ إلى التَّقوى والرَّشاد، لإسكاتِ مَن دعى إلى الدِّين، وإلى التورُّعِ عن أعراضِ المسلمين، وعملوا على الحيلولة بينه وبين المستمعين، واستخدموا أساليبَ من التَّهديد، وشدَّدوا على ذلك الوعيد، وقد عشتم ذلك وشاهدتموه، وما هو عنكم ببعيد. وما كانت في ذلك غايتُهم، إلاَّ ما صرَّح به قادتُهم وبيَّنه أحدُهم، أنَّ المطلبَ واحد، هو عودةُ الحياةِ النيابيَّة، وأنْ لا حلَّ إلاَّ بالديمقراطيَّة، وأخذوا مثلهم من الدُّولِ الغربيَّة، وما ترفعُه من شعار الحرية، وتملكُه من قوَّةٍ ماديَّة، وما حقَّقته من قفزاتٍ علميَّة، وحسبوا أنَّ ذلك من نتاجِ طريقتِهمُ التشريعيَّة، وأنظمتهمُ السِّياسيَّة. وغفلَ أو تغافلَ هؤلاءِ الدَّاعونَ، وأتباعُهمُ الجاهلون، عمَّا تعانيه تلك الشعوبُ، من التَّفكُّكِ وقسوةِ القلوب، وما فقدتْه من الأخلاقِ والقيم، وما أضاعتْه من الصَّلاحِ والذِّمم، وهو الوضعُ الذي أمسى مجتمعُنا على مشارِفِه وأعتابِه مع الأسفِ الشَّديد، فانتبِهوا وتمسَّكوا بتعاليمِ دينِكم، فإنَّ به عزَّتَكم.

        فاتَّقوا اللهَ في أنفسِكم وأهليكم، وأموالِكم وأوطانِكم أيُّها المسلمون، وتدبَّروا ما أُنزلَ إليكم من ربِّكم لعلَّكم تفلحون، حيثُ قال وهو أصدق القائلين: ((ولا يحسبنَّ الذين كفروا أنَّما نملي لهم خيرٌ لأنفسِهم، إنَّما نملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذابٌ مهين))(3). فلا تدينوا إلاَّ بالإسلام، واعملوا بما جاء فيه من الأحكام، وتعبَّدوا بما وردَ عن النَّبي وآلِه سادةِ الأنام؛ لتحظوا برضا الملكِ العلاَّم. واعلموا أنَّ الرابحَ مَن ربح رضا اللهِ، والدارَ الآخرة، وأمَّا من عصى اللهَ وطلبَ الدُّنيا كانت صفقتُه خاسرة.

ألا إنَّ خيرَ ما يبدأ ويختمُ به الواعظُ في وعظِه، ما جاء في كتابِ اللهِ المنزلِ بمعناه ولفظِه، أعوذُ باللهِ من الشَّيطانِ الرَّجيم، ((بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم، والعصر، إنَّ الإنسانَ لفي خسر، إلاَّ الذين آمنوا وعملوا الصَّالحات، وتواصوا بالحقِّ وتواصوا بالصَّبر))(4).

        وأستغفرُ اللهَ لي ولكم ولجميعِ المؤمنينَ والمؤمناتِ، إنَّه هو الغفورُ الرَّحيم، والتوَّابُ الكريم.

الجمعة 15 جمادى الأولى 1428هـ الموافق 1 يونيو (حزيران) 2007م

————————————————-

* الخطبة الثانية:

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمدُ للهِ الواحدِ في ذاتِهِ وصفاتِه، المتنزِّهِ عن مجانسةِ مخلوقاتِه، العدلِ المنصفِ في تشريعاتِه، المنفردِ في ربوبيَّتِه، المتوحِّدِ في ألوهيَّتِه، الذي لا يكونُ شيءٌ إلا بمشيئتِه، ويستحيلُ ما منعَ بإرادتِه.

أحمدُه خلق فسوَّى، وأخرجنا من ذكرٍ وأنثى، وبصَّرَنا طريقَ السلامةِ والهدى، فله الحمدُ على ما أعطانا، وله الشُّكرُ على ما أولانا. أشهدُ أن لا إلهَ إلا الله وحدَهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمَّداً (ص) عبدُه ورسولُه الذي أنقذنا به من الشِّركِ والغواية، ودلَّنا إلى التوحيدِ والهداية. صلَّى اللهُ عليه وعلى أخيه عليٍّ أميرِ المؤمنين، وآلِهما الطيِّبينَ الطَّاهرين. ونسألُه حمايتَنا من الشَّيطانِ الرجيمِ اللعين، وأتباعِه من الجِنَّةِ والنَّاسِ أجمعين، إنَّه القادرُ ونعمَ المُعين.

أيُّها الإخوةُ والأخوات، من المؤمنينَ والمؤمنات، أوصيكم بادئاً بنفسي النَّزَّاعةِ إلى الشَّهوات، الميَّالةِ إلى الرَّاحةِ والملذَّات، بتقوى اللهِ في أنفسِكم، وما كُلِّفتم به من عائِلاتِكم وذويكم، ولْنعملْ جميعاً متكاتفين، وعلى البرِّ والتًَّقوى متعاونين، وعن المنكرِ والمعصيةِ متناهين، وبالاستقامةِ وفعلِ الخيرِ متناصحين، وفي اللهِ ودينِه متحابِّين، ولأعدائِه وأعداءِ رسوله (ص) مبغضين، ليرضى بذلك عنَّا الرحمنُ، فيجلِّلُنا بالرحمةِ والرضوان، مقابلَ ما ارتضاه فينا من الإيمان، فإنَّه وكما أخبرَ صفوةُ الرَّحمن، ورسولُه إلى الإنسِ والجان، صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه أمناءِ الديّان: “لا يؤمنُ أحدُكم حتّى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسِه”(5)، وقال (ص) مخاطباً أحدَ أصحابِه: “يا عبدَ الله، أحبب في اللهِ، وابغضْ في اللهِ، ووالِ في الله، وعادِ في الله، فإنَّه لا تُنالُ ولايتُه إلاَّ بذلك، ولا يجدُ رجلٌ طعمَ الإيمانِ وإنْ كثُرتْ صلاتُه وصيامُه حتَّى يكونَ كذلك، وقد صارتْ مؤاخاةُ النَّاسِ يومكم هذا أكثرُها في الدُّنيا، عليها يتوادُّون، وعليها يتباغضون، وذلك لا يغني عنهم من اللهِ شيئاً”(6). فقال له: وكيف لي أنْ أعلمَ أنِّي قد واليْتُ وعاديْتُ في اللهِ عزَّ وجل؟ فمن وليُّ الله عزَّ وجلَّ حتى أواليه؟ ومن عدوُّه حتى أعاديه؟ فأشار (ص) إلى عليٍّ (ع)، وقال: “وليُّ هذا وليُّ اللهِ فوالِه، وعدوُّ هذا عدوُّ اللهِ فعادِه، والِ وليَّ هذا ولو أنَّه قاتلُ أبيك وولدك، وعادِ عدوَّ هذا ولو أنَّه أبوك وولدك”(7).

فاتَّقوا اللهَ أيُّها المؤمنون، وتمسَّكوا بحبلِ وَلايةِ عليٍّ وذريَّتِه، وسيروا على هديِه، وتعبَّدوا بطريقتِه، وتبرؤوا من أعدائِه الذينَ أبعدوه عن مرتبتِه، وأبعدوه وتعدَّوا على مقامِه وحرمتِه، وعلى سيِّدةِ النِّساءِ زوجتِه، التي مرَّتْ عليكم ذكرى استشهادُها قبل يومين، وكما هو معلومٌ أنَّها ماتت مكسورةَ الضلعين، مسقَّطةَ الجنين، مسودٌّ متنُها من ضربِ السِّياطِ وتلويعِها، محزونةَ القلبِ من ترويعِها، ساخطةً على جلِّ أمة أبيها، لخذلانهم وتشجيعهم لظالميها، وعدم استجابتهم لاستغاثتها وداعيها. فأوصتْ علياً (ع) أن يدفنَها إذا نامت العيونُ، وغفت الجفونُ بقلَّةٍ من الثابتين، ويَمنعَ من تشييعِها الآخرين، مبرزةً بذلك غضبَها عليهم أجمعين، للمتابعين والمتأمِّلين، فدفنها ليلاً سراً، ولم يتركْ أثراً يوضح لها قبراً.

فتمسَّكوا أيُّها المؤمنونَ بولايتِها، وولايةِ المعصومينَ من ذريَّتِها، وتبصَّروا بإشارتها ودلالتها، واقتدي أيَّتها المرأةُ المؤمنةُ بعفَّتِها، وطهارتِها واستقامتِها، وتوسَّلوا إلى اللهِ ربِّكم بها وبأبيها وبعلِها وبنيها، أن يعينَكم على أنفسِكم، ويكفيَكم شرَّ عدوِّكم، مكثرينَ من الصَّلاةِ والسلامِ على نبيِّكم، والمعصومينَ من آلِه أئمتِكم.    

اللهمَّ صلِّ وسلِّم على البشيرِ النذير، السراجِ المنير، مَن خلقتَ من أجلِه الأرضَ والسماء، وفضَّلتَه على جميعِ الأنبياء، محمدِ بنِ عبدِ اللهِ والدِ الزَّهراء.

اللهمَّ صلِّ وسلِّم على المجاهدِ في سبيلِك بمالِه ونفسِه، فميَّزْتَه على غيرِه بسكنه وعرسه، فاطمةَ التي ما شعرَ بعدَ فقدِها بفرحِه وأُنسِه، وصيِّ خيرِ الورى أميرِ المؤمنين عليٍّ المرتضى.

اللهمَّ صلِّ وسلِّم على المدفونةِ سرّا، والمخفيّةِ قبرا، البتولِ العذراء، أمِّ الحسنينِ فاطمةَ الزهراء.

اللهمَّ صلِّ وسلِّم على سبطيْ الرسول، من الزهراءِ البتول، المفجوعيْن بوفاةِ جدِّهِما في الصغر، المتجرعيْنِ مع أبويهِما الأذى والقهر، الإماميْن بالنصِّ من رسولِك الأمين، أبي محمَّدٍٍ الحسنِ وأخيهِ الشهيدِ أبي عبدِ الله الحسين.

اللهمَّ صلِّ وسلِّم على سيّدِ السّاجدين، المرشدِ إلى عبادةِ ربِّ العالمين، معيدِ الأمّةِ بعد انقلابِها الثاني إلى الدين، الإمامِ بالنصِّ عليِّ بنِ الحسين.

اللهمَّ صلِّ وسلِّم على باقرِ علومِ الإسلام، وناشرِها بين الأنام، حجَّتِك ووليِّك المسدَّد، الإمامِ بالنصِّ أبي جعفر الباقرِ محمّد.

اللهمَّ صلِّ وسلِّم على مكملِ دورِ أبيه، مظهرِ الحقائقِ لشيعتِهِ وذويه، وباذلِ العلمِ لمريديه، حجَّتِك على الخلائق، الإمامِ بالنصِّ جعفر الصادق.

اللهمَّ صلِّ وسلِّم على قمرِ بني هاشم، وشمسِ المفاخرِ والمكارم، الإمامِ بالنصِّ أبي الحسنِ موسى الكاظم.

اللهمَّ صلِّ وسلِّم على حجَّتِك الإمامِ الرِّضا، مظهرِ عدلِك في ما حكمَ وقضى، المتجرِّعِ في غربَتِه ألماً وبُؤسا، أبي الحسنِ الثاني عليِّ بنِ موسى.

اللهمَّ صلِّ وسلِّم على طيِّبِ الصِّفاتِ والمعاني، الملقَّبِ بأبي جعفر الثاني، من اعترفَ بفضلِه ذووا الرَّشاد، وأقرَّ بإمامتِه ذووا السداد، الإمامِ بالنصِّ محمدٍ الجواد.

اللهمَّ صلِّ وسلِّم على حبيسيْ سامراء، بأمرِ شرِّ ظلمةِ الأمراء، الفاضليْن الزَّكييْن، التقييْن النقييْن، المنصوصةِ إمامتُهما بلا ميْن، عليِّ بنِ محمدٍ والحسنِ بن عليٍّ العسكرييْن.

اللهمَّ صلِّ وسلِّم على وارثِ حججِك الماضين، وحجَّتِك على جميعِ الباقين، مدَّخرِك لإظهارِ عدلِك والدِّين، قامعِ ذوي الضَّلالةِ والطُّغيان، معزِّ ذوي الصلاحِ والإيمان، وليِّ أمرِك المهديِّ بنِ الحسنِ صاحبِ الزَّمان.

اللهمَّ عجِّل له الفرج، وسهِّل له المخرج، وأوضِح به المنهج، واكتُبنا في أحبَّائِه وأودَّائِه، وأنصارِه على أعدائِك وأعدائِه، واختُم لنا بالشَّهادةِ تحت لوائِه، واحشُرنا في زمرتِه وزمرةِ آبائِه، وارحمنا بهم يا أرحمَ الرَّاحمين.

إنَّ خيرَ ما يختمُ به المتكلِّمونَ للسَّامعين، وأفضلَ ما تلاهُ الواعظونَ في المؤمنين، ما جاء في كتابِ اللهِ المبين، أعوذُ باللهِ من الشَّيطانِ الرجيم، ((بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم، إنَّ اللهَ يأمرُ بالعدلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذي القربى، وينهى عن الفحشاءِ والمنكرِ والبغي، يعظُكم لعلَّكم تذكَّرون))(8).

وأستغفرُ اللهََ لي ولكم ولجميعِ المؤمنينَ والمؤمناتِ، إنَّه هو الغفور الرحيم، والتوَّابُ الحليم.

______________________________________________________

* الهوامش:

(1) سورة آل عمران/ الآية 85.

(2) سورة البقرة/ الآية 117.

(3) سورة آل عمران/ الآية 178.

(4) سورة العصر كاملة.

(5) النظام السياسي في الإسلام لباقر شريف القرشي/ ص218.

(6) الأمالي للشيخ الصَّدوق/ ص61.

(7) نفس المصدر السَّابق.

(8) سورة النَّحل/ الآية 90.

... نسألكم الدعاء ...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *