الجمعة 12 رجب 1428هـ الموافق 27 يوليو (تمّوز) 2007م
————————————————-
* الخطبةالأولى:
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمدُ للهِ ذي العزةِ والطول، مانحِ خلقَه القوةَ والحول، المتجليةِ عظمتُهُ لذوي العقول، متحققٌ ما أراده دون جهدٍ أو قول، ممتنعٌ ما لم يشأهُ من موضوعٍ ومحمول، خسرَ من رجا غيرَهُ معتمداً ومعولا، وربحَ من قصدَهُ راجياً ومؤملا، وأصابَ من آمنَ به مصدراً وموئلا، وضلَّ من كفرَ به أو أشركَ معه، من لا يملكُ خيراً ولا منفعة، لنفسه فضلاً عمن تبعه. كما نبهَ الديَّان، في محكمِ القرآن، على لسانِ خليلِهِ ابراهيم (ع): ((قالَ أفتعبدونَ مِن دونِ اللهِ ما لا ينفعُكُم شيئاً ولا يضرُّكم. أفٍّ لكُم ولما تعبدونَ مِن دونِ اللهِ أفلا تعقلون))، وقال سبحانَهُ مستنكراً بخطابِه، الذي أنزلَ في كتابِه: ((أيُشرِكونَ ما لا يَخلقُ شيئاً وهُم يُخلَقون. ولا يستطيعونَ لهُم نصراً ولا أنفسَهُم يَنصُرون)).
أحمدُهُ حمدَ عبدٍ يرفلُ في نعمتِه، مسبغةٍ عليه سرابيلُ رحمتِه، مقرٍ بكبريائِهِ وعظمتِه، شاكراً له على عطيتِه، وعظمِ آلائِهِ ومنحتِه، وأسألُهُ المزيدَ من هدايتِه والتوفيقَ لعبادتِه، والإخلاصِ لوجهِهِ الكريم، من فضلِهِ وجودِه القديم، إنَّه هو الربُّ العظيم، الرحمنِ الرحيم. وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، ولا مُعينَ فيما خلقهُ وفصله، ولا مُشيرَ فيما كرَّمهُ وفضَّله. وأشهدُ أنَّ محمداً (ص) أعظمُ من خلقَهُ وكمَّله، وأفضلُ من اجتباهُ وأرسله، فبلَّغَ الرسالةَ بصدق، وأدَّى الأمانةَ بحق، حتى أتاهُ اليقين. صلى اللهُ عليه وعلى شريكِهِ في أمرِه، ومستودعِهِ على سرِه، ووصيِّهِ بأمرِ ربِّ العالمين، عليِّ بن أبي طالبٍ أميرِ المؤمنين، وعلى آلهِما الأئمةِ المعصومين، اللهمَّ صلِّ وسلِّم عليهِم أجمعين، وارحمنا بهم يا أرحمَ الراحمين.
أيُّها الإخوةُ المؤمنونَ بالله، المستجيبونَ لدعوتِهِ ونداه، المصدِّقونَ حبيبَهُ ومصطفاه، المؤتمُّونَ بسيدِ حجَجِهِ ومرتضاه، أوصيكُم ونفسيَ قبلَكُم، بتقوى اللهِ تعالى ربِكُم، في أقوالِكُم وأفعالِكُم، مهما كانت ظروفَكُم وأحوالَكُم، وراقبوه في أنفسكُم، وما خُوِّلتُم من أموالِكُم، وما مُتِّعتُم من أزواجِكُم، وما رُزِقتُم من أولادِكُم، فإنَّكُم في كلِّ ذلك مستخلفون، وبالعملِ فيه بشرعِ اللهِ مكلَّفون، ومُدوَّنٌ عليكُم ما تعملون، ومحاسبونَ عليه يوم تنقلِبون، إلى ربِكُم إذ تُحشرون، في يومٍ خطرُهُ عظيم، وبلائُهُ جسيم، وعذابُهُ مُقيم، كما بيَّن اللهُ العظيم، في القرآنِ الكريم، حيثُ قال: ((يومَ لا ينفعُ مالٌ ولا بنون، إلا مَن أتى اللهَ بقلبٍ سليم))، وقالَ سبحانَه: ((يا أيُّها النّاسُ اتقوا ربَّكُم إنَّ زَلزلةَ السّاعةِ شيءٌ عظيم. يومَ ترونها تذهلُ كلُّ مُرضِعةٍ عمّا أرضعت، وتضعُ كلُّ ذاتِ حملٍ حملَها، وترى النّاسَ سُكارى وما هم بسُكارى ولكنَّ عذابَ اللهِ شديد)).
فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ، واسلُكُوا دربَ سادتِه، وأحيُّوا أمرَ قادتِكُم، ومن كلفتُم لهم بطاعتِكُم، وأُمرتُم لهم بمودتِكُم، محمدِ المختار، وعليِّ الكرار، وآلهِما الأطهار، عليهِم صلواتُ الملكِ الجبَّار. واعلموا أيُّها الإخوةُ الكرام، أنَّه لا أمرَ لأئمتِنا العظام، إلا بطاعةِ الملكِ العلاّم، والدعوةِ إلى دينِ الإسلام، والعملِ بما فيه من الأحكام. فقد نذروا كلَّ أوقاتِهم، وسخَّروا كلَّ طاقاتِهم، في بيانِ الحقائق، وأحكامِ الربِّ الخالِق، ونشرِها في الخلائِق، وتفنيدِ شُبَهِ الملحدين، وتزويرِ المنافقين، فلا يجدُ المتَقَصِي لسيَرِهِم، والمتَتَبِعِ لأثرِهِم، إلا الصيامَ والقيام، والمحافظةِ والالتزام، والزهادةِ في هذه الدار، طلباً لرضا العزيزِ الغفّار، وما أعدَّهُ للصالحينَ الأخيار، في الآخرةِ دارُ القرار، التي أُعدت لذوي النُهى، المستنيرينَ بالعقلِ والحِجى، المستبصرينَ بالهدى، الوجِلِين من ربِهم الأعلى، القائلِ فيما أنزلَ وأوحى: ((فأمّا مَن طَغى. وآثرَ الحياةَ الدُّنيا. فإنَّ الجحيمَ هي المَأوى. وأمّا مَن خافَ مقامَ ربِّه ونهى النَّفسَ عَنِ الهَوى. فإنَّ الجنَّةَ هيَ المَأوى)).
ولقد مرت قبلَ يومينِ على العباد، ذكرى ولادةِ الإمامِ محمدِ الجوادِ (ع)، المتوسلُ به فيما أُثرَ من الأوراد، لِما له من الشأنِ في تحقيقِ المراد، فنرجو أن قد استفدنا في الذكرى من عطاءاتِه، واقتبسنا من توجيهاتِهِ وعِظاتِه، التي منها ما رُوي في تحفِ العقول، من قصارِ كلماتِه، حيثُ يقولُ (ع): “تأخيرُ التوبةِ اغترار، وطولُ التسويفِ حيرة، والاعتلالِ على اللهِ هلكة، والإصرارِ على الذنبِ أمنٌ لمكرِ الله، ((فلا يأمنُ مكرَ اللهِ إلا القومُ الخاسرون))”، وقال (ع): “المؤمنُ يحتاجُ إلى توفيقٍ من الله، وواعظٍ من نفسه، وقبولٍ ممن ينصحه”، وجاء عنه (ع): “من أصغى إلى ناطقٍ فقد عبدَه، فإن كان الناطقُ عن الله، فقد عبدَ الله، وإن كان الناطقُ ينطقُ عن لسانِ إبليس، فقد عبد إبليس”.
فتأمَّلوا هذه الكلمات، فإنَّها نفحةٌ طيبةٌ من نفحات، التي جادَ بها السادةُ الهداة، جمعها العلماءُ الثُقات، وحفظوها عن الضياعِ والشتات، وأخرجوها في المصنفاتِ والمدونات. فأقبِلوا رحمَكُمُ اللهُ على قراءةِ وحفظِ أخبارَهُم، واتِّباعِ سيَّرِهِم وآثارِهِم، وعلِّموها لأبنائِكُم، كما ورثتموها عن آبائِكُم. وتواصوا فيما بينكم، بالالتزامِ بإيمانِكُم، والعملِ الصالحِ في دنياكُم، والإخلاصِ إلى اللهِ في نواياكُم، فقد أخبركُم سبحانَه في أبلغِ كلام، وهو خيرُ ما أختمُ به خطابي في هذا المقام، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ((بسم الله الرحمن الرحيم، والعصر. إنَّ الإنسانَ لفي خُسر. إلا الذينَ آمنوا وعمِلوا الصالحاتِ وتواصوا بالحقِ وتواصوا بالصبر)).
أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ لي ولكُم ولجميعِ المؤمنينَ والمؤمنات، إنَّه هو الغفورُ الرحيم.
الجمعة 12 رجب 1428هـ الموافق 27 يوليو (تمّوز) 2007م
————————————————-
* الخطبة الثانية:
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمدُ للهِ الملكِ العظيم، الرحمنِ الرحيم، الوهّابِ الكريم، ذي الفضلِ العميم، والنعمةِ النازلة، والرحمةِ الشاملة، والدِيَّمِ الماطرة، بالنعمِ الوافرة، في الدنيا والآخِرة.
أحمدُهُ وأشكُرُه، وأسَبِّحُهُ وأكبِّرُه، وأتوبُ إليه وأستغفرُه، وأسأَلُهُ قبولَ الاستغفار، وإسقاطِ ما عليَّ من الآصار، وما أخفيتُهُ عن الأنظار، وكتمتُهُ عن العباد، وأن لا يفضحني يومَ يقومُ الأشهاد، إنَّه هو الكريمُ الغفّار، والرحيمُ الستّار. وأشهدُ أن لا إلهَ غيره، ولا ربَّ سواه، وأشهدُ أنَّ محمداً (ص) خيرُ من اصطفاه، وأفضلُ من أرسلَهُ داعياً إلى عُلاه، صلى اللهُ عليه وآلِه ومن تبِعَ هداه، اللهمَّ صلِّ وسلِّم على محمدٍ وآلِهِ الميامين، المعصومين من وسوسةِ الشياطين، والتفكيرِ في معصيةِ ربِّ العالمين، وارحمنا بهم يا أرحمَ الراحمين.
أيُّها الآباءُ والإخوان، والأبناءُ والخلاّن، أوصيكُم ونفسي بخيرِ ما ينفعُ بني الإنسان، ألا وهي تقوى الملكِ الديّان، والتزامِ طاعتِهِ في السرِ والإعلان، خصوصاً في هذه الأزمان، التي ضعُفَ فيها لدى الناسِ الإيمان، وطغى الفسادُ في البلاد، وانتشرَ الظلمُ بين العباد، وتلاشى النورُ والسداد، وخفتَ صوتُ الهدى والرشاد، وعلا صوتُ الشركِ والإلحاد، وتجاهرَ أهلُ المظالمِ والمآثم، لا يخشونَ في الناس لومةَ لائِم، حيثُ أخفى علمَهُ العالِم، واختلطَ الحقُ والباطلُ في العالَم.
فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ في أنفسكم، واجتنِبوا ما يُسقِطكُم عند خالِقِكُم، وما يضرُكم في آخرتِكُم، واستمعوا وصيةَ سيدِ أئمتِكُم، أميرِ المؤمنين (ع) التي وجهها إليكُم، حيثُ يقول: “احذروا الدنيا إذا أماتَ الناسُ الصلاة، وأضاعوا الأمانات، واتَّبعوا الشهوات، واستَّحلوا الكذب، وأكلوا الربا، وأخذوا الرِشا، وشيَّدوا البناء، واتَّبعوا الهوى، وباعوا الدينَ بالدنيا، واستخفوا بالدماء، وركَنوا إلى الرياء، وتقاطعتِ الأرحام، وكان الحِلمُ ضعفا، والظلمُ فخرا، والأمراءُ فجرة، والوزراءُ كذبة، والأمناءُ خونة، والأعوانُ ظلمة، والقرَّاءُ فسقة، وظهرَ الجور، وكثُرَ الطلاق، وموتُ الفُجأة، وحُلِّيَتِ المصاحف، وزُخرِفت المساجد، وطوِّلَت المنابِر، ونُقِضَتِ العهود، وخرِبَت القلوب، واستحلُّوا المعازِف، وشُربتِ الخمور، ورُكبتِ الذكور، واشتغلَ النساء، وشاركنَ أزواجهُنَّ في التجارةِ حرصاً على الدنيا، وعلتِ الفروجُ السروج، وتشبَّهنَّ بالرجال، فحينئذٍ عدوا أنفسكُم في الموتى، ولا تغرنَّكُم الحياةُ الدنيا، فإنَّ الناسَ اثنان، برٌ تقي، وآخرُ شقيّ، والدارٌ داران، لا ثالثَ لهما، والكتابُ واحد، لا يغادرُ صغيرةً أو كبيرةً إلا أحصاها، ألا وإنَّ حبَّ الدنيا رأسُ كلِّ خطيئة، وبابُ كلِّ بلية، ومجمعُ كلِّ فتنة، وداعيةُ كلِّ ريبة، الويلُ لمن جمعَ الدنيا وأورثَها من لا يحمدُه، وقدُمَ على من لا يعذرُه، الدنيا دارُ المنافقين، وليست بدارِ المتقين، فليكن حظُّكَ من الدنيا قوامَ صلبِك، وإمساكَ نفسِك، وتزوُّداً لمعادٍك“.
أيُّها الإخوةُ المؤمنون، تأملوا كلامَ إمامِكُم، وجسِّدوه بأفعالِكُم، واحيُّوا هذه الليلةَ ذكرى ولادتِه، بتجديدِ العهدِ لولايتِه، والإقرارِ بإمامتِه، والمعصومينَ من ذريتِه، وتوَّسلوا بهم إلى الرحمن، ليثبتَ قلوبَكُم على الإيمان، والعملِ بأشرف الأديان. وأكثروا من الصلاةِ والسلام، على محمدٍ وآلِهِ الأعلام.
اللهمَّ صلِّ وسلِّم على من فضَّلتهُ على العالمين، سيدِ الأنبياءِ والمرسلين، المحمودِ الأحمد، أبي القاسمِ المصطفى محمد.
اللهمَّ صلِّ وسلِّم على المولودِ في بيتِكَ الحرام، ومطهره من الأوثانِ والأصنام، جامعِ الفضائلِ والمناقب، أميرِ المؤمنين بالنصِّ عليِّ بن أبي طالب.
اللهمَّ صلِّ وسلِّم على سيدةِ نساءِ العالمين، من الأولينَ والآخرين، بالنصِّ من سيدِ المرسلين، فاطمةُ الزهراءِ أمِّ الحسنين.
اللهمَّ صلِّ وسلِّم على سيديْ شبابِ أهلِ الجنان، وثمرةِ الدوحةِ المباركةِ من الرحمن، السيديْنِ الفاضليْن، والإماميْنِ المعصوميْن، الشهيديْنِ المقتوليْن، أبي محمدٍ الحسن، وأخيهِ أبي عبدِ اللهِ الحسين.
اللهمَّ صلِّ وسلِّم على زينِ العابدين، وسيدِ الساجدين، الإمامِ بالنصِّ عليِّ بن الحسين.
اللهمَّ صلِّ وسلِّم على السيدِ الفهوم، باقرِ العلوم، ذي الصيتِ الطاهر، والعلمِ الباهر، الإمامِ بالنصِّ محمدِ الباقر.
اللهمَّ صلِّ وسلِّم على كنزِ الحقائق، ومظهرِ الحقائقِ إلى الخلائق، الإمامِ بالنصِّ جعفرِ الصادق.
اللهمَّ صلِّ وسلِّم على نورِكَ في العالم، المحجوبِ في سجونِ الظالم، بحرِ الجودِ والمكارم، الإمامِ بالنصِّ موسى الكاظم.
اللهمَّ صلِّ وسلِّم على حجتِكَ المرتضى، الراضي بالقدرِ والقضاء، أعدل من حكمَ وقضى، الإمامِ بالنصِّ عليِّ الرضا.
اللهمَّ صلِّ وسلِّم على بابِ المراد، لمن قصدَ بابَكَ وأراد، الإمامِ بالنصِّ لأهلِ السداد، أبي جعفرِ الثاني محمدِ الجواد.
اللهمَّ صلِّ وسلِّم على الإماميْنِ التقييْن، الطاهريْنِ النقييْن، السيديْنِ العلييْن، الرضييْنِ المرضييْن، أبي محمدٍ الهادي، وابنِهِ الحسنِ العسكرييْن.
اللهمَّ صلِّ وسلِّم على عينِ الحياة، وسفينةِ النجاة، المدخرِ لإحياءِ السور، وما اندثرَ من الخبر، الإمامِ بالنصِّ المعتبر، أبي القاسمِ المهديِّ المنتظر.
اللهمَّ عجِّل له الفرج، وسهِّل له المخرج، وأزح به عن المؤمنينَ الرُتج، وأوضح به المنهج، واجعلنا من أنصارِهِ وأعوانِه، المجاهدينَ في ميدانِه، المحاربينَ لأعدائِه، المستشهدينَ تحت لوائِه، بحقهِ وبحقِّ آبائِه، يا ربَّ العالمين، برحمتك يا أرحمَ الراحمين.
ألا وإنَّ خيرَ ما يختمُ به المتكلمون، كلامُ من يقولُ للشيءِ كن فيكون، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: ((إنَّ اللهَ يأمرُ بالعدلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذي القربى، وينهى عن الفحشاءِ والمنكرِ والبغي، يعظكُم لعلَّكم تذكَّرون)).
وأستغفر الله لي ولكم ولجميعِ المؤمنين والمؤمنات، إنَّه هو الغفورُ الرَّحيم، والتوَّاب الحليم.