الجمعة 19 صفر 1428هـ الموافق 9 مارس ( آذار) 2007م
————————————————-
* الخطبة الأولى:
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمدُ للهِ الواحدِ الأحد، الفردِ الصّمد، أحمده وأتوكّلُ عليه، وأعترف بفضلِه مثنياً عليه، تفرّدَ في ربوبيّتِه، وتوحّدَ في عظمتِه، فهو خالقُ كلِّ شيء، وليس كمثلِه شيء، وهو على كلِّ شيءٍ قدير، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلاّ هو ولا معبودَ سِواه، خاب منْ قصدَ غيرَه، وضلَّ من سارَ على غيرِ هداه، وأشهدُ أنَّ محمدَ بنَ عبدِ اللهِ (ص) عبدُه الذي اجتبى، ورسولُه الذي اصطفى، وأفضلُ من بلّغَ عنه إلى الورى، وتحمّل في ذلك المشقّةَ والأذى، صلّى الله عليه وعلى ابنِ عمِّه وخليفتِه ووصيِّه في أمّتِه، عليٍّ أميرِ المؤمنين، وعلى آلهما الطيبين الطاهرين، حتى يرثَ اللهُ الأرضَ ومن عليها، وهو خيرُ الوارثين.
أيّها الأخوةُ في اللهِ، أوصيكُم ونفسيَ المخالفةَ لمولاها، الجامحةَ لاتّباعِ هواها، بتقوى اللهِ العظيمِ الجبّار، الذي لا تدركُه الأبصار، فقد وعد من أطاعه بالجنة، وتوعّد من عصاه بالنار، وذلك لا يُدرك إلاّ بالسيرِ على هدى المختار، وآلِه الطيبين الأبرار ((ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين))(1).
وأحذركُم ونفسي من حبِّ الدنيا الفانية، والميلِ إلى شهواتِها الزائلة، فإنّه كما قال المصطفى (ص): “حبُّ الدنيا رأسُ كلِّ خطيئة”(2)، وَلْيكن همُّ كلٍّ منكم في الآخرة، فإنّها الدارُ الباقية، وفيها النعيمُ الذي لا يزول، واحذروا أن تكونوا ممن شملهم قولُ اللهِ العظيم، في كتابِه الكريم: ((بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى))(3)، وأوصيكم بالتآخي والتعاونِ مع كلِّ أهلِ الإيمان، على كلِّ ما يرضي الرحيمَ الرحمن، فإنها وصيتُه في القرآنِ حيثُ يقول: ((وتعاونوا على البرّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إنّ الله شديد العقاب))(4)، وقال مولانا أميرُ المؤمنين (ع) في وصيتِه عندَ شهادتِه إلى الحسنِ والحسين (ع) وجميعِ أهلِه وولدِه ومن بلغه كتابُه: “وعليكم بالتواصلِ والتبادل، وإياكم والتدابرِ والتقاطع، ولا تتركوا الأمرَ بالمعروف، والنهيَ عن المنكر، فيولّى عليكم شرارُكم، ثمّ تدعون فلا يُستجابُ لكم”(5).
وخير ما يفتتح ويختتم به الكلام، ما جاء في خطاب الملك العلاّم: أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيم ((بسم الله الرحمن الرحيم، والعصر، إنّ الإنسان لفي خسر، إلاّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحقّ وتواصوا بالصبر))(6)
وأستغفر الله لي ولكم وللمؤمنين والمؤمنات، إنه هو الغفور الرحيم، والتواب الكريم.
الجمعة 19 صفر 1428هـ الموافق 9 مارس ( آذار) 2007م
————————————————-
* الخطبة الثانية:
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمدُ للهِ الموجودِ حيثُ لا شيء، فأوجدَ كلَّ موجودٍ من لا شيء، الباقي بعد فناءِ كلِّ شيء، أوجدَ الأشياءَ كلَّها بمشيئتِه، ويفني كلَّ شيءٍ بإرادتِه، أحمدُه حمدَ معترفٍ بنعمائِه، وأشكرُه شكرَ مقرٍّ بآلائِه، وأدعوه دعاءَ مفتقرٍ لعطائِه، وأسألُه صاغراً ليدفعَ عنّي شرَّ بلائِه، وأستعينُه على أعدائِي وأعدائِه، فهو وحدَه على كلِّ شيءٍ قدير، وبالإجابةِ حقيقٌ جدير.
وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلاّ اللهُ وحدَه لا شريكَ له، ولا عديل، ولا نظيرَ له ولا مثيل، ولا خلفَ لقولِه ولا تبديل، شهادةً أرجو أنْ لا تفارقَني مدى الحياة، وأنْ ألَقَّنَها في الاحتضارِ عندَ الممات، وأشهدُ أنَّ محمداً (ص) خاتمُ المرسلين، المبعوثُ رحمةً للعالمين، صلّى اللهُ عليهِ وعلى أخيهِ ووارثِه الأمين، ووصيّه المفضّلِ على جميعِ المسلمين، عليِّ بنِ أبي طالبٍ أميرِ المؤمنين، وعلى آلهما الطيّبين الطاهرين، ثبّتنا اللهُ على وَلايتِهم والبراءةِ من أعدائِهم الظالمين.
أيها الآباءُ المخلِصون، والأخوةُ المؤمنون، والأبناءُ الصالحون، أوصيكُم ونفسي بخيرِ ما يوصي به محبٌّ لحبيبِه، وخيرِ ما يرجو المؤمنُ نفعَه في حضورِه ومغيبِه، فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ، وامتثلوا أوامرَه، واجتنبوا ما أصدرَ لكم عنه نواهيه وزواجرَه، مادامت الدنيا بكم عامرة، قبلَ أنْ يغلقَ بابُ العمل، صالحَه وخاسرَه، بخروجِكم من الدنيا، ورحيلِكم للآخرة، في يومٍ قال عنه المولى العظيمُ في كتابِه الكريم: ((يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكنّ عذاب الله شديد))(7).
وأحذركم من الانجرارِ في نزاعاتٍ طائفيّةٍ، مع الفرقِ المسلمة، والانحدارِ إلى صداماتٍ مذهبيّة، مع أهلِ القبلة، فقد نهينا عن ذلكَ من قِبل الأئمةِ الأبرار، والسادةِ الأخيار، ومن ذلكَ ما رويَ عن الصّادقِ (ع) حيثُ يقول: “خالقوا الناسَ بأخلاقِهم، صلّوا بصلاتِهم، عودوا مرضَاهم، شيّعوا جنائزَهم..”(8) إلى آخِرِ الحديث.
نعم، لا مانعَ من نقاشٍ بينَ أبناءِ المذاهبِ بغرضِ الوصولِ إلى الحقيقةِ، على أنْ يكونَ المرجعَ في ذلكَ كتابُ اللهِ، وما ثبت نقلُه عنْ رسولِ الله (ص).
أيها المسلمون، يا أمّةَ القرآنِ، كفّوا عن إشعالِ نارِ الفتنةِ فيما بينَكم، وادّخروا جهدَكم وقوّتَكم لمحاربةِ عدوِّ اللهِ وعدوِّكم، من الشيوعيين والعلمانيين، الذين كفروا بربِّكم، وكذّبوا برسولِكم، وسخروا من عقيدَتِكم، وحاربوا دينَكم، مجنّدين أبناءَكم وبناتِكم، مستغلّين جهلَكم وغَفلَتَكم، فاتّقوا اللهَ في أنفسِكم وأهليكم ووطنِكم، واستلهِموا من شرعِ اللهِ قولَكم وفعلَكم، فإنَّ النجاةَ في الالتزامِ بأمرِه ونهيِه، والخسارةَ في مخالفتِه، ((يا أيها الذين آمنوا اتّقوا اللهَ حق تقاته ولا تموتنّ إلاّ وأنتم مسلمون))(9).
ألا وإنّكم في يومٍ هو عندَ اللهِ أفضلُ أيامِ أسبوعِكم، فيه ندبكم للاجتماع، وكلّف الإمامَ فيهِ بالخطابِ، والمأمومينَ بالإنصاتِ والاستماع، ودعاكم فيهِ للدعاءِ والابتهالِ، فقدّموا بين يديْ مناجاتِكم ودعائِكم في أوّلِ السّؤالِ، وختامِ الابتهالِ، الصلاةَ والسلامَ على محمّدٍ والآل.
اللهمَّ صلِّ على خيرِ الورى، ومنْ خاطبتَه بيس وطه، ما أنزلنا عليك القرآنَ لتشقى، محمدِ بنِ عبدِ اللهِ المصطفى.
اللهمَّ صلِّ على يعسوبِ الدين، سيدِ الموحّدين، وإمامِ المتّقين، الإمامِ بالنصِّ عليِّ بنِ أبي طالبٍ أمير المؤمنين.
اللهمَّ صلِّ على سيدةِ النساءِ العذرا، المجهولةِ قدرا، والمخفيّةِ قبرا، حيثُ دفنت سرا، أمِّ الحسنينِ فاطمةِ الزهرا.
اللهمَّ صلِّ على السيّدينِ الزكيّين، والإمامينِ الفاضلين، سيّديْ شبابِ أهلِ الجنّةِ، الإماميْنِ بالنصِّ أبي محمدٍ الحسنِ وأخيهِ الشهيدِ الحسين.
اللهمَّ صلِّ على سيّدِ الساجدين، ممهّدِ سبيلِ العارفين، بالدعاءِ والمناجاةِ لربِّ العالمين، الإمام بالنصِّ أبي محمدٍ عليِّ بنِ الحسينِ زينِ العابدين.
اللهمَّ صلِّ على النورِ الزاهر، والعلمِ الفاخر، ناشرِ العلمِ الإلهيِّ الظاهر، الإمامِ بالنصِّ أبي جعفرٍ محمدِ بنِ عليٍّ الباقر.
اللهمَّ صلِّ على الفجرِ الصَّادق، ناشرِ الحقائق، مبيّنِ الدقائق، من أحكامِ العزيزِ الخالق، الإمامِ بالنصِّ أبي عبدِ اللهِ جعفرِ بنِ محمدٍ الصادق.
اللهمَّ صلِّ على صاحبِ السجدةِ الطويلة، المبتلى بالقيودِ الثقيلة، المعرّفِ بينَ شيعتِه بالعالِم، الإمامِ بالنصِّ أبي إبراهيمَ موسى بنِ جعفرٍ الكاظِم.
اللهمَّ صلِّ على إمامِ الهدى، الموعودِ زائرُه بالجنّةِ يومَ الفصلِ والقضا، الإمامِ بالنصِّ أبي محمدٍ عليِّ بنِ موسى الرضا.
اللهمَّ صلِّ على منْ كلِّف بالإمامةِ صغيرا، فنهض بأعبائها جديرا، الإمامِ بنصِّ النبي أبي جعفرٍ محمدِ بنِ علي.
اللهمَّ صلِّ على التـقيّيْنِ النـقيّيْن، العلمينِ الهاديينِ، والسيدينِ الزكيَّيْنِ، الإماميْنِ بالنصِّ عليِّ بنِ محمدٍ وابنِه الحسنِ العسكريَّيْن.
اللهمَّ صلِّ على وليِّك ووارثِ أوليائِك، المنتظِرِ لإذنِك، ليقومَ بأمرِك، حجّتِك على الإنسِ والجان، الإمامِ بالنصِّ أبي القاسم المهديِّ بنِ الحسنِ صاحبِ الزمان.
اللهمَّ عجّلْ له الفرجَ، وسهّلْ له المخرجَ، وأوسعْ به المنهجَ، واكشفْ بهِ الغمةَ المدلهمةَ عن هذهِ الأمة، واجعلنا من أنصارِه وأعوانِه، والمجاهدِينَ بينَ يديْهِ، والمستشهَدِينَ تحتَ لوائِه. إنّه سميعُ الدعاءِ قريبٌ مجيب.
إنّ خيرَ ما ختمَ به المتكلمون، كلامُ من يقولُ للشيءٍ كنْ فيكون، أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ، ((بسمِ الله الرحمن الرحيم، إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنـكر والبغي يعظكم لعلّكم تذكرون))(10)
وأستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمؤمنينَ والمؤمنات، إنّه هو الغفورُ الرحيم، والتوابُ الحليم.
* الهوامش:
(1) سورة آل عمران/ الآية 85.
(2) بحار الأنوار/ج67
(3) سورة الأعلى/ الآية 16.
(4) سورة المائدة/ الآية 2.
(5) نهج البلاغة/ الوصية الأخيرة.
(6) سورة العصر كاملة.
(7) سورة الحج/ الآية 2.
(8) من لا يحضره الفقيه/ج1/ص383.
(9) سورة آل عمران/ الآية 102.
(10) سورة النحل/ الآية 90.