الجمعة 20 رجب 1428هـ الموافق 3 أغسطس (آب) 2007م
————————————————-
الخطبة الأولى:
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمدُ للهِ المُبدعِ الحميد، الموسعِ المجيد، المُختارِ المُريد، ذي البَأسِ الشَّديد، الفعّالِ لِما يُريد، المُبدئِ المُعيد، الذي لا يعزبُ عَنْ عِلمِه شيءٌ وهو بكلِّ شيءٍ شهيد.
أحمدُه على حُسنِ تدبيرِه، وجميلِ تقديرِه، وبديعِ تصويرِه، وأشكرُه على ما أجزلَ مِنْ مِنَنِه، وقلَّلَ مِنْ مِحَنِه، وهدى إلى سُنَنِه، ودلَّلَ بها على رفيعِ مكانِه، ومنيعِ سلطانِه، وبديعِ إتقانِه، ووسيعِ إمكانِه، وجلالةِ شأنِه، واستحالةِ أقرانِه.
وأشهدُ أنْ لا إله إلا الله، إلهاً واحداً أحدا، ذاتاً وصفةً وعددا، لم يتخذْ مِنْ عزِّ جلالِه صاحبةً ولا ولدا، ولم يشرِكْ في ملكِه وسلطانِه أحدا. وأشهدُ أنْ خَيرَ خلقِه وأفضلَ رسلِه محمداً صلى اللهُ عليه وآلِه أئمَّةِ الهُدى، الذينَ مَنْ والاهم فقد تحرّى رَشَدا، ومَنْ فارقَهم لنْ يجدَ ولياً ولا مُلتَحَدا. اللهمَّ صلِّ وسلِّم على محمَّدٍ وعليٍّ وآلهِما صلاةً لا انقطاعَ لها ولا مدى، ولا يُحصي غَيرُك لها فضلاً ولا عددا، وارحمنا بهم يا أرحمَ الرّاحِمين، وثبِّتنا على ولايتِهم يا ربَّ العالمين، والبراءةِ مِنْ أعدائِهم الظّالمين، وارفعنا بهم إلى أعلى عليين، يا خيرَ المَسئولينَ وأوسعَ المُعطين.
أيُّها المؤمنونَ والمؤمنات، أوصيكُم ونفسيَ الميّالةَ للشَّهَوات، كثيرةَ العثراتِ والكبوات، المتكاسلةَ في عملِ الطّاعات، النَّشِطَةَ في ارتكابِ المُخالفات، الأمّارةَ باقترافِ السيِّئات، بتقوى اللهِ العزيزِ الجبّار، الذي خلقَكُم مِنْ صلصالٍ كالفخّار، ورعاكم في كلِّ مراحلِ خلقِكُم والأطوار، حتّى أخرجَكُم طِفلاً إلى هذه الدّار، وقدَّرَ فيها أرزاقَكُم والأعمار، وحدَّد لكلِّ شيءٍ أجلاً ومقدار، لا يقدرُ أحدٌ أنْ يزيدَ فيه، ولا يُنقِصَ عِشْرَ مِعشار، بَلْ ولا أقلَّ مِنْ لحظةٍ مِنْ إبصار، ثمَّ يتوفّاكُم مَلَكُ الموتِ الذي وُكِّلَ بكم، وهولا يعلمُ موعدَ آجالِكم، فإذا جاءَ الأجل، أوحى إليه بِه ربُّكُم عزَّ وجَل، فتعودَ أجسادُكم إلى تراب، كما كانَت قبلَ الأصلاب، وتتجردُ الأرواحُ في برزخِها ضمنَ جماعات، مميزةً بما كسبَت في هذه الحياة، فأرواحٌ منعَّمةٌ مكرَّمة، وأرواحٌ معذَّبة، بما كانَت مُكتسِبَة، وأرواحٌ في سُبات، بَينَ الموتِ والحياة، كما لو كانَت في منام، لا تنعمُ ولا تضام، حتى يأتيَ يومُ الخِصام، ويأذنَ اللهُ بالقيام، فينفخَ إسرافيلُ في الصّور، فيخرجَ كلُّ مَن في القبور، وتحشرونَ أفرادا، أرواحاً وأجسادا، بينَ يدَي ربِّ الأرباب، كلُّ واحدٍ حُمِّلَ كتاب، دُوِّنَ فيه ما تلفَّظَ به مِن أقوالِه، وما قدَّمَ مِن أفعالِه، ما جهرَ به في أُنسِه، وما أسرَّه لرفاقِه وعرسِه، وما احتفظَ به في نفسِه، فتشتدَّ فرحةُ الصّالحين، بكَونِهِم في المُفلحين، وعدِّهم في النّاجحين. ويشتدَّ ألمُ المقصِّرين، بكَونِهم في الخاسرين، فويلٌ يومئذٍ للمكذِّبين، الكافرينَ بربِّ العالمين، السّاخرينَ مِنَ المرسلين، المحاربينَ للمؤمنين. وكذلك حالُ المنافقين، الذينَ عرَّفَهم الخبيرُ العليم، في كتابِه الكريم، وتوعَّدَهم بالعذابِ الأليم، حيثُ يقولُ سبحانه وهو أصدقُ القائلين: ((بشِّرِ المنافقينَ بأنَّ لهم عذاباً أليماً. الذينَ يتخذون الكافرينَ أولياءَ مِنْ دونِ المؤمنين، أيبتغونَ عندَهم العزَّة؟ فإنَّ العزَّةَ للهِ جميعا))، وقالَ سبحانه: ((وممَّن حولَكم مِنَ الأعرابِ منافقون، ومِنْ أهلِ المدينةِ مَرَدوا على النِّفاقِ لا تعلمُهم، نحنُ نعلمُهم، سنعذِّبُهم مرَّتينِ ثمَّ يُرَدّون إلى عذابٍ عظيم)). ويبقى بينَ هؤلاءِ وأولئك، الذينَ تخبَّطوا في المسالِك، بينَ المُؤدّي إلى النَّجاةِ والمُردي في المهالِك، حيثُ احتوَت كتبُهم الصّالحاتِ مِنَ الأعمال، وطغَت عليها السيئاتُ في الأفعال، فأمرُهم متروكٌ إلى ربِّهم، إنْ شاءَ عذَّبَهم بأعمالِهم، وإنْ شاءَ ضاعفَ حسناتَهم، وأغضى عَنْ سيئاتِهم، وقبلَ شفاعةَ المقرَّبينَ لديه فيهم ، كما أوضحَ في كتابِه وجَلِيِّ خطابِه، حيثُ يقول: ((وآخرونَ مرجونَ لأمرِ الله، إمّا يُعذِّبُهم وإمّا يتوبُ عليهم، واللهُ عليمٌ حكيم)).
فاتَّقوا اللهَ عبادَ الله، والتزِموا بشريعَتِه، وأقبِلوا على كتابِه وأكثِروا مِنَ تلاوتِه، وتدبَّروه فإنَّه مستودعُ آياتِ اللهِ وحكمتِه، واعلموا أنَّه أنزِلَ فضلاً مِنَ اللهِ ومَنًّا، وأنَّه مِنْ عندِ اللهِ نصاً ومعنى، فأحسِنوا قراءَته، وأدمِنوا تلاوَتَه، وتأمَّلوا في آياتِه، واعمَلوا بتوجيهاتِه، واستنيروا بإرشاداتِه، واحفظوا فيه وصيَّةَ سيِّدِكم أميرِ المؤمنين، التي وجَّهها إلى أهلِه والبنين، ومَنْ بلغَته مِنَ المؤمنين، في آخرِ ما أثِرَ عنه مِنَ الكلمات، حيثُ أملاها قُبَيلَ الممات، فقالَ عليه السلام: “اللهَ اللهَ في القرآن، لا يسبِقُكم إلى العملِ بِه غيرُكم”.
وإنَّ ما شهدَته المنطقةُ قبلَ ليلتَين، من احتفالٍ بمسابقةٍ في القرآنِ المبين، لهو أمرٌ نشكرُ عليه المَعنيين، ونرجو أنْ يكونَ لإخوانِنا وأبنائِنا النّاشِئين، طريقاً إلى حُسنِ تجويدِه وقراءتِه، عبوراً إلى فهمِ مراميه وموعظتِه، والتزامِ مناهجِه وحكمتِه، فإنَّه رحمةُ اللهِ المُنَزَّلة، وآياتِه المُفصَّلة، وكما وردَ في السُّنةِ المُكرَّمة: “خيرُكم مَنْ تعلَّمَ القرآنَ وعلَّمَه”.
واعلموا أيُّها المؤمنون، أنَّ خيرَ ما يختمُ به الواعظون، ليتَّعِظَ به السّامعون، كلامُ مَنْ يقولُ للشَّيءِ كُن فيكون، أعوذُ باللهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيم، ((بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم. والعَصْرِ. إنَّ الإنسانَ لفي خُسْرٍ. إلاّ الذينَ آمنوا وعمِلوا الصّالحاتِ وتواصَوا بالحقِّ وتواصَوا بالصَّبْر)).
وأستغفرُ اللهَ لي ولكم، ولجميعِ المؤمنينَ والمؤمنات، الأحياءِ منهم والأموات، إنَّه هُوَ الغفورُ الرَّحيم.
الجمعة 20 رجب 1428هـ الموافق 3 أغسطس (آب) 2007م
————————————————-
الخطبة الثانية:
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمدُ للهِ البعيدِ القريب، الشهيدِ الحسيب، العتيدِ الرَّقيب، بَعُدَ فلا يُرى، وقَرُبَ فشهدَ النَّجوى، وأحاطَ بالسِّرِّ وما هو أخفى، تباركَ ربُّنا وتعالى.
أحمدُه على جودِه فينا، وما أسبغَه على ماضينا، وأنعمَ به على باقينا، وأعدَّه لتالينا، حمدَ مُقِرٍّ بمَولَوِيَّته علينا، فهو ربُّنا وبارينا، لا يُحصى فضلُه إلينا، رزقَ الجانبَ الماديَّ فأشبعَه، وهذَّبَ الجانبَ الروحيَّ فأخضعَه، وأرسلَ إلينا رسولاً لنتَّبِعَه، وبرهنَ على صدقِه لنسمعَه، ونستلهمَ منه طاعتَه وورعَه، ورحمَ به مَنْ آمنَ معه. وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهدُ أنَّ محمداً (ص) خيرُ مَنْ خلقَه وأفضلُ مَنْ أرسلَه، فبلَّغَ رسالتَه إلى الخلق، وأدّى الأمانةَ بصدقٍ وحق، اللهمَّ صلِّ على محمَّدٍ النَّبي، وعلى عليٍّ الوصي، وعلى الزهراءِ سيدةِ نساءِ العالمين، وأبنائِهم الطَّيبينَ الطّاهرين، وثبِّتنا على ولايتِهم أجمعين، وارحمنا بهم يا أرحمَ الراحمين.
أيُّها المؤمنونَ والمؤمنات، مِن أمَّةِ سيِّدِ السادات، الموالون لآلِه الهداة، أوصيكم ونفسيَ قبلَكم بتقوى الله، والالتزامِ بشريعتِه وهداه، ومراعاةِ أحكامِه في كلِّ الحالات، واستحضارِ ذكرِه في جميعِ الأوقات، والاستعاذةِ به مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيم، والاستعانةِ به على أنفسِكم كي تستقيم، وأن يهديَنا صراطَه المستقيم، ويكتبَنا في ورثةِ جنَّةِ النَّعيم.
واعلموا أنَّ اللهَ سبحانه قد أسبغَ عليكم نعمتَه، وأقامَ عليكم حجَّتَه، حيثُ قَوَّمَ فيكم فطرتَه، وبصَّرَكم معرفتَه وعظمتَه، وأردفَ ذلك ببعثة أنبيائه، والمعصومين من حججه وأوليائه، منذ أسكنكم أرضه وأظلكم بسمائه، واقتضت مشيئته بحكمته، أن يختم بمحمد (ص) وعترته، ما بدأه من أنبيائه وشريعته، فبلغ محمد (ص) ما نزل عليه من الدين، وأكمل التبليغ بإعلان ولاية أمير المؤمنين، والأئمة الهداة المعصومين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
فاتقوا الله عباد الله، وسيروا على دربهم, فإنهم عدل القرآن الذي دعا إلى مودتهم وحبهم، ولا سبيل إلى فقهه وتطبيقه إلا بهم، ولا عاصم لهذه الأمة من الضلال، إلا التمسك بكتاب ذي العزة والجلال، واتخاذ المرجعية من الرسول (ص) والآل، كما ورد مشهوراً في كتب الحديث والسير، أن النبي (ص) قال فيما أثر من الخبر: “إني تارك فيكم الثقلين، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً، كتاب الله وعترتي أهل بيتي”، وجاء عنه (ص) في شأن أهل بيته (ع) قوله: “أهل بيتي فيكم كسفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق وهوى”.
واعلموا هداني الله وإياكم، أن ما حصل للأمة من الضلال، وما تعانيه من سوء الأحوال، وما تقاسيه من الهوان والنكال، والاستضعاف لها من الأمم والإذلال، وعدم قدرتها على النهوض والاستقلال، مضافاً إلى ما يجري في داخلها، من الصراعات والخلافات بين أهلها، وليس لكل ذلك سبب يذكر، إلا تخليها عن الكتاب المطهر، وانفكاكها عن الفاروق الأكبر، الذي فرض الله ولايته وآله على لسان النبي الأطهر (ص)، في أكثر من مناسبة ومحضر، وأجلاها كلامه يوم الغدير الأغر، الذي أعلنه في مائة ألف بل أكثر، فقال (ص): “من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيثما دار”.
فتمسكوا رعاكم الله بولايتهم، واستنيروا بهدايتهم، واحملوا أنفسكم على طريقتهم، واسألوا الله حاجاتكم ببركتهم، واثقين بفضله ومنزلتهم، وأكثروا من الصلاة والسلام، على سادة الأنام، محمد وآله الهداة الأعلام.
اللهم صل وسلم على سيد خلقك، أعرف العارفين بك وبحقك، من أوطأت نعله بساط قدسك، حبيبك المفضل على العالمين، محمد بن عبدالله سيد المرسلين.
اللهم صل وسلم على من آخيت بين نبيك وبينه، من فدى الرسول بدمه وحمى دينه، أسدك الغالب وسيفك الضارب، أمير المؤمنين بالنص علي بن أبي طالب.
اللهم صل وسلم على بنت النبي وأحب الخلق إليه، بضعته وروحه التي بين جنبيه، الإنسية الحوراء، أم الحسنين فاطمة الزهراء.
اللهم صل وسلم على سبطي الرحمة و إمامي السعداء، الإمامين الفاضلين قاما أو قعدا، أبي محمد الحسن أول فرقد بدا، وأبي عبدالله الحسين سيد الشهداء.
اللهم صل وسلم على قدوة المتهجدين، سيد المتقين الناسكين، المنادى في المحشر بزين العابدين، الإمام بالنص أبي محمد علي بن الحسين.
اللهم صل وسلم على مصدر العلم الفاخر، كنز المكارم والمآثر، الإمام بالنص، أبي جعفر الأول محمد الباقر.
اللهم صل وسلم على مصدر الحق المجرد، من كل شائبة ومأخذ، شارح أخلاق ودين أحمد، الإمام بالنص، جعفر بن محمد.
اللهم صل وسلم على الأواه الحليم، سمي نبيك الكليم، المقتول على يد شر آثم، الإمام بالنص، موسى الكاظم.
اللهم صل وسلم على السيد الولي، المرتضى الرضي، الإمام بالنص الجلي، أبي الحسن الثاني الرضا علي.
اللهم صل وسلم على جواد الأجواد، قائد شيعته في صغره بالسداد، الداعي إلى الهداية والرشاد، الإمام بالنص، أبي جعفر الثاني محمد الجواد.
اللهم صل وسلم على السيدين التقيين، الطاهرين النقيين، الإمامين العليين، أبي محمد علي الهادي وابنه أبي محمد الحسن العسكريين.
اللهم صل وسلم على الإمام المنتظر، الحجة المهدي المظفر، مظهر العدل في الإنس والجان، القائم بأمرك بالحق والإيمان، أبي القاسم ابن الحسن صاحب الزمان.
اللهم عجل فرجه، وسهل مخرجه، وابسط في الخلق منهجه، وانصره على أعدائه، واجعلنا من أحبائه وأودائه، والمجاهدين معه والمستشهدين تحت لوائه، بحقه وحق آبائه الطاهرين، صلواتك عليهم أجمعين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
ألا وإن خير ما يختم به الخطاب، ليتعظ به أولو الألباب، كلام الله العزيز الوهاب، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: ((إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون)).
وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المؤمنين والمؤمنات، إنه سميع الدعوات، غفور رحيم.