بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الغر الميامين، الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، وبعد..
فهذه رسالة متواضعة كتبتهاـ عرفانا وشكرا للإحسان ـ في ترجمة أستاذي وشيخي سماحة العلامة الشيخ سليمان نجل العلامة الشيخ محمد علي المدني البحراني، الذي فقدت بفقدانه أبا وشيخا وأستاذا ومربيا وموجها وقائدا..
هذا العالم الذي عايشته ورافقته وجالسته لمدة لا تقل عن ثمانية عشر عاما لم أجد فيه خلالها إلا تلك الصفات التي أشرت إليها، فجزاه الله تعالى عني وعن الإسلام والمسلمين خيرا كثيرا، وحشره في جنة الخلد مع النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام).
وقبل أن أبدأ في سرد الترجمة والتعريف بفقيدنا الراحل أردت أن أنبه الأخوة الناظرين إلى هذه الرسالة المتواضعة إلى أني قد كتبتها في مدة وجيزة لا تتعدى الثلاثة أيام، لذلك فهي ـ يقيناـ لا تفي بتعريفكم على حياة هذا العالم المليئة بالعلم والتعليم والعطاء والتربية والجهاد في سبيل الله، والذود عن مقدسات الدين وأهله.
فمن الوفاء والعرفان للجميل أن يتصدى القادرون من إخواني أو أساتذتي العلماء أو من المثقفين، ممن عاشر سماحة العلامة الفقيد وعايشه أن يتصدى للقيام بالكتابة عنه، وعن الجوانب المختلفة لشخصيته الفريدة التي تحتاج إلى بحث موسع للإلمام بها، والإحاطة بكنهها، عسى أن نكون بذلك قد أدينا شكر الإحسان الذي ليس له جزاء إلا الإحسان، حيث قال تعالى: (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان).
وفي الختام أرجو أن أكون قد وفقت للإشارة إلى بعض تلك الجوانب المهمة في حياته المعطاءة.
وقد أسميت هذه الرسالة:
شكر الإحسان في ترجمة العلامة الشيخ سليمان
(بعض الآيات الواردة في العلم والعلماء):
1ـ قال تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء) .
2ـ وقال أيضا: (أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه ، قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ، إنما يتذكر أولوا الألباب) .
3ـ وقال أيضا: (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وألوا العلم قائما بالقسط ، لا إله إلا هو العزيز الحكيم) .
4ـ وقال أيضا: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات، والله بما تعملون خبير) .
(بعض الأحاديث الواردة في العلم والعلماء):
1ـ عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبدالله (ع) يقول: (من علم خيرا فله مثل أجر من عمل به، قلت: فإن علمه غيره يجري ذلك له؟ قال: إن علمه الناس كلهم جرى له، قلت: فإن مات ؟ قال: وإن مات) .
2ـ وعن حفص بن غياث قال: قال لي أبو عبدالله (ع): (من تعلم العلم وعمل به وعلم لله دعي في ملكوت السماوات عظيما، فقيل: تعلم لله وعمل لله وعلم لله) .
3ـ وعن علي بن أبي حمزة قال: سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر (ع) يقول: (إذا مات المؤمن بكت عليه الملائكة وبقاع الأرض التي كان يعبد الله عليها، وأبواب السماء التي كان يصعد فيها بأعماله، وثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها شيء لأن المؤمنين الفقهاء حصون الإسلام كحصن سور المدينة لها) .
4 ـ وعن داوود بن فرقد قال: قال أبو عبدالله (ع): (إن أبي كان يقول: إن الله عزوجل لا يقبض العلم بعد ما يهبطه ولكن يموت العالم فيذهب بما يعلم فتليهم الجفاة فيضلون ويضلون ولا خير في شيء ليس له أصل) .
5 ـ قال الصادق (ع): (إذا مات المؤمن الفقيه ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها شيء) .
6 ـ قال الصادق (ع): (ما من أحد يموت من المؤمنين أحب إلى إبليس من موت فقيه) .
7 ـ قال رسول الله (ص): (فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد) .
8 ـ قال رسول الله (ص): (إن مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء، يهتدى بها في ظلمات البر والبحر، فإذا انطمست أوشك أن تضل الهداة) .
9 ـ وقال رسول الله (ص): (فضل العالم على العابد سبعين درجة، بين كل درجتين حضر الفرس سبعين عاما، وذلك لأن الشيطان يضع البدعة للناس فيبصرها العالم فيزيلها، والعابد مقبل على عبادته) .
10 ـ وقال العسكري (ع): (من كان من شيعتنا عالما بشريعتنا فأخرج ضعفاء شيعتنا من ظلمة جهلهم إلى نور العلم الذي حبوناه به جاء يوم القيامة على رأسه تاج من نور يضيء لأهل تلك العرصات، وحلة لا يقوم لأقل سلك منها الدنيا بحذافيرها ثم يناد مناد: هذا عالم من بعض تلامذة آل محمد (ص) ألا فمن أخرجه في الدنيا من حيرة جهله فليتشبث بنوره ليخرجه من حيرة ظلمة هذه العرصات إلى نزهة الجنان، فيخرج كل من كان علمه في الدنيا خيرا أو فتح عن قلبه من الجهل قفلا أو أوضح له عن شبهة) .
(نسبه وأسرته):
هو العلامة الشيخ سليمان بن العلامة الشيخ محمد علي بن الحاج حسن بن الشيخ محمد علي المدني.
وأمه فاطمة بنت الشيخ سليمان بن الشيخ أحمد آل حرز، وهي الزوجة الثانية لأبيه العلامة الشيخ محمد علي، وقد رزقه الله منها فقيدنا الراحل بالإضافة إلى بنت واحدة تزوجها الحاج جاسم آل عبدالسلام.
أما الزوجة الأولى فكانت بنت الشيخ أحمد آل حرز المباشرة، وأنجب منها ولده الشيخ الشهيد عبدالله المدني المستشهد في عام 1976م، وثلاث بنات تزوج واحدة منها العلامة الشيخ منصور الستري، وتزوج السيد علي الستري أخرى، وتزوج السيد محمد التوبلاني الثالثة منهن.
والزوجة الثالثة هي بنت الحاج أحمد علي العوينات، وأنجبت له بنتا تزوجت السيد هاشم آل أسعد.
(مولده ونشأته):
ولد سماحته في شهر ربيع الثاني من عام 1359هـ الموافق لعام 1939م ، في بيت الحاج أحمد اللنجاوي ـ حيث إن أم الشيخ تربطها بهم علاقة نسب ـ في قرية السنابس من قرى البحرين الواقعة على طرف مدينة جدحفص الشمالي الشرقي.
نشأ وترعرع في عين الدار ـ قرية من قرى جدحفص ـ في أيام صباه وشبابه حيث كان أبوه يعيش فيها في بيت موقوف على مأتم عين الدار يسمى “بيت الحسين (ع) وهو البيت الذي مات فيه (قدس سره).
وقد كانت هذه المنطقة ـ أعني جدحفص ـ ولا زالت مقرا لكثير من العلماء الأعلام منذ قديم الزمان وحتى الآن، وهم الذين ساهموا في نشر تعاليم الإسلام مساهمة فعالة، والترويج لمذهب أهل البيت (ع).
نشأ العلامة الفقيد في بيت عرف أهله بالعلم والورع والتقوى، واشتهروا بذلك، وكانت لهم الزعامة الدينية على مستوى البحرين عامة، فوالده هو سماحة العلامة المقدس الشيخ محمد علي المدني المتوفى في عام 1364هـ الذي كان عالم البحرين في زمانه، ومن إليه يرجع الناس في أمور دينهم الحنيف.
وجده لأمه سماحة العلامة الشيخ سليمان بن الشيخ أحمد آل حرز البحراني المتوفى في عام 1340هـ.
وجده لأمه آية الله العظمى الشيخ أحمد بن عبدالرضا آل حرز البحراني المتوفى في عام 1337هـ.
وزوج أمه سماحة العلامة الفقيه الشيخ إبراهيم المبارك، الذي تزوج أمه بعد وفاة أبيه وأنجب منها أخاه الحاج حميد المبارك، وهو الذي رافق سماحة الشيخ في رحلته الأخيرة إلى ألمانيا.
وغيرهم من العلماء المنتسبين إلى هذه الأسرة العريقة .
هذه الأسرة، وهذا المجتمع الذَيْن كان يعيش فقيدنا الراحل في كنفهما كان له أبلغ الأثر في صياغة شخصيته الفريدة من نوعها، والتي قلما يوجد لها مثيل، أو ما يقوم مقامها، ويسد الفراغ الناتج عن فقدانها.
*(دراسته في المدارس النظامية):
درس العلامة الفقيد في مدرسة الخميس في عام 1948م المرحلتين الإبتدائية والثانوية، وقد عرف بتميزه وتفوقه على أقرانه، وحصوله على المراتب الأولى في دراسته.
بعد إكمال الثانوية بفترة وجيزة سافر إلى النجف الأشرف لإكمال دراسته الحوزوية العليا، والتفرغ لخدمة مذهب أهل البيت (عليهم السلام).
(دراسته الحوزوية):
بدأ أستاذنا المقدس في تلقي الدروس الحوزوية قبل أن ينهي دراسته النظامية، حيث أكمل دروس المقدمات في البحرين على يد جملة من الأفاضل من علماء البلد، منهم العلامة الشيخ عبدالحسن بن سلمان آل طفل الجدحفصي، والعلامة الفقيه الشيخ إبراهيم المبارك.
ولم يقتصر سماحته على دراسته في بلده البحرين، بل سافر إلى حوزة أهل البيت (عليهم السلام) العريقة، بلد أمير المؤمنين (عليه السلام) في النجف الأشرف وذلك في عام 1378هـ الموافق لعام 1958م حيث تتلمذ على يد الفطاحل من علمائها، والفقهاء من ساداتها، ، بقي فيها مدة تقرب من الخمسة عشر عاما قضاها في تلقي الدروس العليا والبحث الخارج، وإلقاء الدروس العليا على تلامذته، حتى صار ممن يشار إليه بالبنان بالرغم من صعوبة الظروف التي كان يعيشها، من يتم وفقر ومسؤولية ومرض وغير ذلك، نعم بالرغم من ذلك كله فقد أصبح فقيدنا في فترة وجيزة من أساتذة الحوزة العلمية في النجف الأشرف.
لم يكتف الفقيه الراحل بكل ذلك، بل أضاف إلى ذلك الدراسة في كلية الفقه الدينية في النجف الأشرف التي أسسها العلامة الفقيه الشيخ محمد رضا المظفر، فالتحق بالدراسة فيها حتى حصل على شهادة البكالوريوس، ثم فضل التوجه إلى تفريغ نفسه لحضور البحث الخارج، وإلقاء الدروس العليا.
(أساتذته وشيوخه في النجف الأشرف):
حضر سماحة الأستاذ على جملة من فقهاء الطائفة، وزعمائها، والكبار من علمائها في النجف الأشرف، منهم على سبيل المثال لا الحصر:
1ـ مرجع الطائفة آية الله العظمى السيد محسن الحكيم، حيث حضر بحثه في علم الفقه.
2ـ مرجع الطائفة آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي، حيث حضر بحثه في علم الأصول.
3ـ العلامة الفقيه آية الله السيد محمد تقي الحكيم مؤلف أصول الفقه المقارن.
4ـ العلامة الفقيه آية الله الشيخ محمد رضا المظفر، حيث درس عنده علم الفلسفة.
5ـ العلامة آية الله السيد عبدالكريم الكشميري، حيث درس عنده المكاسب للأنصاري في علم الفقه.
6ـ العلامة آية الله الشيخ إبراهيم الكرباسي، حيث درس عنده المكاسب للأنصاري في علم الفقه.
7ـ العلامة آية الله الشيخ محمد كاظم شمشاد، حيث درس عنده الكفاية للخراساني في علم الأصول.
8ـ العلامة آية الله السيد محمد تقي بحر العلوم، حيث درس عنده المكاسب للأنصاري في علم الفقه.
9ـ العلامة آية الله الشيخ ملا صدرا، حيث حضر بحثه على المكاسب للأنصاري في علم الفقه.
وقد أخبرني شخصيا ـ بعد إلحاح شديد ـ في بداية التسعينيات أنه حصل على إجازة الإجتهاد من ثلاثة من فقهاء ومراجع الطائفة، هم:
1ـ مرجع الطائفة آية الله العظمى السيد شريعة مداري.
2ـ مرجع الطائفة آية الله العظمى الشيخ محمد طاهر الخاقاني.
3ـ مرجع الطائفة آية الله العظمى الشيخ محمد طاهر آل راضي.
هذا بالإضافة لما حصل عليه من إجازات الرواية عن أهل البيت (عليهم السلام) من عدة من العلماء.
(تصديه للتدريس في الحوزة العلمية):
وقد ألقى سماحة الشيخ كثيرا من الدروس الدينية في مختلف العلوم الحوزوية طيلة الفترة التي أقامها في النجف الأشرف من دون توقف ولا كلل.
ومن ما كان يدرسه فقيد العلم والدين علم الفقه والعقائد والأصول وعلوم اللغة العربية والمنطق والفلسفة، وغيرها، كل ذلك على مستوى المقدمات والسطوح والسطوح العليا.
تتلمذ على يدي أستاذنا الغالي في تلك الفترة وما بعدها إلى آخر حياته كثير من العلماء من العراق وإيران والبحرين والقطيف والإحساء ولبنان، ومنهم من تميز على أقرانه، واشتهر بالمستوى الراقي، ومنهم من وصل إلى مرتبة الإجتهاد بعد ذلك، نذكر هنا بعضا منهم ممن سمعنا منه (قدس سره) أو من بعض تلامذته أنهم كانوا قد حضروا دروسه أو بعضا منها: