البطاقة الشخصية
محمد بن محمد بن النعمان بن عبد السلام الحارثي العكبري، المعروف بابن المعلم، والمفيد، كنيته أبو عبد الله، أحد علماء الإمامية ومتكلميها، ولد في قرية عكبرا ـ على بعد عشرة فراسخ من بغداد ـ سنة (336 هـ)، وقيل سنة (338 هـ)، وتوفي في بغداد في 3 رمضان، سنة (413 هـ)، ودفن عند مشهد الإمامين الكاظميين (عليهما السلام) (1).
عاصر من العلماء: أبا القاسم جعفر بن محمد بن قولويه، وأبا جعفر بن بابويه القمّيين، وعلي بن عيسى الرماني، وعبد الجبار القاضي المعتزلي، وعاصر من الحكام العباسيين: المطيع، والطائع، والقادر.
مما قيل فيه:
قال الإمام المهدي (عج) في رسالته إليه: ((من عبد الله المرابط في سبيله، إلى ملهم الحقّ ودليله: بسم الله الرحمن الرحيم، سلام عليك أيها الناصر للحقّ، الداعي إليه بكلمة الصدق))(2).
قال الشيخ النجاشي: ((فضله أشهر من أن يوصف في الفقه، والكلام، والرواية، والثقة، والعلم))(3).
قال الذهبي: ((كانت له جلالة عظيمة، وتقدم في العلم، مع خشوع، وتعبّد، وتأله))(4).
قال ابن حجر العسقلاني: ((… برع في العلوم حتى كان يقال: له على كل إمام منّة))(5).
من ذاكرة التاريخ
ـ نشأ وترعرع في كنف والده الذي كان معلماً بواسط، ولذلك كان يكنّى بابن المعلم (6).
ـ بعد أن تجاوز سني الطفولة، وأتقن مبادئ القراءة والكتابة، ارتحل به أبوه ـ وهوصبي ـ إلى بغداد، مركز العلم والثقافة آنذاك، فأخذ يتلقى العلم عن شيوخ ذلك العصر (7).
ـ برزت مواهبه وهو لا يزال في دور التلمذة، حتى انبهر به كبار أساتذته، مما دفعهم إلى تلقيبه بالمفيد (8).
ـ بلغ الغاية في العلم، حتى انتهت إليه رئاسة المذهب الشيعي الإمامي في وقته، فكان بارعاً في الكلام، والجدل، والفقه، وكان يناظر أهل كل عقيدة (9).
ـ عاصر بعض حكام بني بويه، فكانت له في هذه الدولة جلالة عظيمة بسبب عضد الدولة البويهي، الذي كان يجل الشيخ كثيراً، حتى إنه كان يزوره في داره، ويعوده إذا مرض (10).
ـ اضطرّت السلطات الحاكمة ـ رغم جلالة الشيخ وعظمته ـ إلى نفيه عن بغداد مرّتين، قمعاً للفتن الطائفية، والاضطرابات المذهبية التي كانت تحدث آنذاك (11).
ـ كان مـن أبرز أعـلام عصره بفنّ المناظرة، حـتّى اشتهر بذلك بين الناس بمختلف آرائهم وطوائفهم (12).
ـ توفي في بغداد سنة (413 هـ)، وصلّى عليه السيد الشريف المرتضى بميدان الأشنان، بحضور أعداد كبيرة من الناس، حتّى ضاق ذلك الميدان بالناس رغم كبره، وكان يوم وفاته يوماً مشهوداً وعظيماً، اجتمع فيه من الشيعه خلق كثير، وبكاه المؤالف والمخالف (13).
يحكى أنه وجد مكتوباً على قبره بخطّ الإمام المهدي (عج):
لا صـوّت الناعـي بفقـدك إنّـه يـوم علـى آل الرسـول عظيـم
إن كنت قد غُيّبت في جدث الثرى فالعـدل والتوحيـد فيـك مـقيـم
والقائـم المـهـدي يفرح كلّـما تليت عليك من الدروس علوم (14)
حياته العلمية
أخذ العلم وروى عن جماعة من الأعلام، منهم، أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه القمي، وأبو جعفر بن بابويه الشهير بالصدوق، وأبو الحسن أحمد بن محمد بن الوليد القمي، وأبوغالب الزراري، وأبو علي بن الجنيد، وأبو عبد الله محمد بن عمران المرزبان، وأبو بكر الجعابي، وأبو عبدالله الحسين بن علي بن إبراهيم (15).
تلمذ له جملة من الأعلام، منهم: الشريف المرتضى، والشريف الرضي، والشيخ الطوسي، وأبو يعلى محمد بن الحسن بن حمزة الجعفري، والشيخ النجاشي، وسلار بن عبد العزيز الديلمي، ومحمد بن علي أبو الفتح الكراجكي (16).
له نحو مئتي مؤلف، منها: المقنعة، والأركان في دعائم الدين، والإيضاح في الإمامة، والإفصاح في الإمامة، والإرشاد، والعيون والمحاسن، والفصول من العيون والمحاسن، والردّ على الجاحظ والعثمانية، ونقض المروانية، وأوائل المقالات في المذاهب والمختارات (17).
قصص وعبر
روي أنّ الشيخ عبد الجبّار المعتزلي بينما كان في مجلسه ذات يوم، والمجلس مليء بالعلماء من الفريقين، إذ دخل الشيخ المفيد إلى ذلك المجلس ـ وكان الشيخ في بداية شهرته ـ وكان الشيخ المعتزلي قد سمع به، ولكنّه لم يره، فجلس في آخر المجلس.
وبعد ساعة قال للقاضي المعتزلي: إنّ لي سؤالاً، فإِن أجزت بحضور هؤلاء الأئمة، فقال القاضي: سل، فقال: ما تقول في الخبر الذي ترويه طائفة من الشيعة: ((من كنت مولاه فعلي مولاه))، أهو مسلّم صحيح عن النبي (ص) يوم الغدير ؟ فقال: نعم، خبر صحيح، فقال الشيخ: ما المراد بلفظ المولى ؟ قال: بمعنى الأولى، فقال الشيخ: فما هذا الخلاف بين الشيعة والسنة ؟ فقال القاضي: أيها الأخ، هذا الخبر رواية، وخلافة أبي بكر دراية، والعاقل لا يعادل الرواية بالدراية.
ثمّ عدل الشيخ إلى مسألة أخرى، فقال: ما تقول في قول النبي (ص) لعليّ: ((حربك حربي، وسلمك سلمي))؟ قال القاضي: الحديث صحيح، فقال الشيخ: ما تقول في أصحاب الجمل، فإنهم كفّار؟ فقال القاضي: أيها الأخ، إنّهم تابوا، فقال الشيخ: أيّها القاضي، الحرب دراية، والتوبة رواية، وأنت قد قرّرت في حديث الغدير أنّ الرواية لا تعارض الدراية.
فصار القاضي متحيراً، فقال:من أنت ؟ فقال له الشيخ: خادمك محمد بن محمد بن النعمان الحارثي، فقام القاضي من مكانه، وأخذ بيدي الشيخ وأجلسه على مسنده، وقال له: أنت المفيد حقّاً.
فتغيّرت وجوه علماء المجلس مما فعله القاضي بالشيخ، فلما رأى القاضي ذلك منهم، قال: أيها الفضلاء والعلماء، إنّ هذا الرجل ألزمني، وأنا عجزت عن جوابه، فإن كان أحد منكم عنده جواب عمّا ذكره، فليذكره ليقوم الرجل ويرجع إلى مكانه الأول (18).
متفرقات
ـ ذكر في الاحتجاج وفي غيره من الكتب توقيعات من الإمام الحجة (عج) إلى الشيخ المفيد، جاء في بعضها: ((للأخ السديد، والوليّ الرشيد، الشيخ المفيد، أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان أدام الله إعزازه، من مستودع العهد المأخوذ على العباد: بسم الله الرحمن الرحيم، سلام عليك أيها الوليّ المخلص فينا باليقين، فإنّا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، ونسأله الصلاة على سيدنا ومولانا ونبينا محمد، وآله الطيبين الطاهرين، ونعلمك، أدام الله توفيقك لنصرة الحقّ، وأجزل مثوبتك عن نطقك عنّا بالصدق، أنّه قد أذن لنا في تشريفك بالمكاتبة، وتكليفك ما تؤدّيه عنّا إلى موالينا قِبَلَك، أعزّهم الله بطاعته، وكفاهم المهمّ برعايته لهم وحراسته، أيّدك الله بعونه على أعدائه المارقين من دينه على ما نذكره، واعمل في تأديته إلى ما تسكن إليه بما ترسمه إن شاء الله)) (19).
المصادر
(1) انظر رجال النجاشي 402 – 403، وأعيان الشيعة: 9 /420 ، والأعلام: 7 /21 ، ولؤلؤة البحرين: 358.
(2) الاحتجاج 277، وانظر روضات الجنّات: 6/ 146.
(3) رجال النجاشي 399.
(4) تاريخ دول الإسلام: 1 / 191.
(5) لسان الميزان: 5 / 368.
(6) أعيان الشيعة 9 / 420.
(7) أعيان الشيعة 9 / 420، وانظر فلاسفة الشيعة 513، وروضات الجنّات 6 / 149.
(8) فلاسفة الشيعة 514.
(9) انظر مرآة الجنان 3 / 28، والأعلام 7 / 21.
(10) انظر ميزان الاعتدال 4 / 26، وأعيان الشيعة 9 / 422.
(11) البداية والنهاية 11 / 363، والكامل في التاريخ 9 / 178، 208.
(12) أعيان الشيعة 9 / 422.
(13) روضات الجنّات 6 / 144.
(14) الكنى والألقاب 3 / 199، وروضات الجنّات 6 / 146 ـ 147، ولؤلؤة البحرين 363.
(15) فلاسفة الشيعة 514، وانظر الكنى والألقاب 3 / 199.
(16) انظر فلاسفة الشيعة / 514، وأعيان الشيعة 9 / 421.
(17) انظر الأعلام 7 / 21، ولؤلؤة البحرين 367، والنجاشي 399 ـ 400، وأعيان الشيعة 9 / 423.
(18) انظر لؤلؤة البحرين 362.
(19) الاحتجاج 253، وقصص العلماء 486، وروضات الجنات 6 / 146.