حيوان معروف، وهو حريص على طلب الرزق، ولغاية حرصه يحمل ما يكون أثقل منه وزناً، ويعاون بعضها بعضا على حمل الغذاء، ومن طبعه يحتكر قوته من زمن الصيف إلى زمن الشتاء، ويجمع ما يكفيه سنين لو عاش، ومع العلم أن عمره لا يكون أكثر من سنة، ومن عجائبه اتخاذ القرية تحت الأرض وفيها منازل ودهاليز وغرف وطبقات ومنعطفات يملؤها حبوباً وذخائر للشتاء، وهو على خفة وزنه يعتبر أقوى الحيوانات شماً يقصد الأشياء من بُعد،فما يقع شيء على الأرض إلا وترى النمل يقبل كالخيط الأسود الممدود إلى ذلك الشيء، ويكون عدد النمل الآتي بقوة يستطيع بها حمل الشيء، ومن عجائب قدرة الله، أودع في هذه المخلوقات الصغيرة الفطنة، أن إذا أخذت الحب في بيتها خافت أن تنبت فتقطع الحبة قطعتين لتذهب عنها قوة النبت، وتقطع حبة الكزبرة أربع قطع لأن نصفها ينبت، وغّا كان عدساً أو شعيراً أو باقلا تقشرها ولا تكسرها فإن بالتقشير يذهب عنها قوة النبت، ثم تأتي بقطعها وتبسطها في الشمس حتى تزول عنها النداوة فلا تعفن، وإذا أحست بالغين ردتها إلى مكانها خوفا من المطر، وإذا ابتل شيء منها بالمطر تنشرها يوم الصحو لتزول عنه النداوة، فسبحان من أوضع هذه الدراية في أضعف مخلوق، ومن عجائبه أنه لا يتعرض لجعل ولا جراد ولا صرصر ولا شيء من هوام الأرض ما لم يكن به قطع يد أو رجل أو جرح، فإن أصابها شيء من ذلك وثب عليه وهو حيّ ولا يفارقه حتى يقتله.
ومن خواصه، إذا وضع الإنسان شيء ولم يتنفس حال وضعه لم يقربه النمل ما لم تمسه يد أخرى، والله أعلم.