في حديث المفضل قال أبي عبد الله عليه السلام: انظر يا مفضل إلى هذه الجبال المركومة من الطين والحجارة، التي يحسبها الغافلون فضلاً لا حاجة إليها، و المنافع فيها كثيرة، فمن ذلك أن تسقط عليها الثلوج فتبقى في قلالها، لمن يحتاج إليه ويذوب ما ذاب منه، فتجري منه العيون الغزيرة التي تجتمع منها الأنهار العظام، وينبت فيها ضروب من النبات والعقاقير التي لا ينبت مثلها في السهل، ويكون فيها كهوف ومعاقل للوحوش السباع العادية.
ويتخذ منها الحصون، والقلاع المنيعة للتحرز من الأعداء، وينحت منه الحجارة للبناء والأرحاء ويوجد فيها معادن لضرب من الجواهر، وما فيها خلال أخر لا يعرفها إلا المقدر لها في سابق علمه.
اقتضت حكمت الباري أن جعل القسم اليابس من الأرضِِِ الذي يعيش عليه الحيوان والإنسان وينبت فوقه النبات عبارة عن قشرة جامدة واقفة على مايع مذاب من مواد معدنية ملتهبه، وهذا المايع في اضطراب وغليان في جوف الأرض لحرارته الهائلة، ولو لا هذه الجبال التي أثقلتها وأشتبكت أصولها وهي من الأحجار الصلبة لكانت الزلازل دائمة الخسف والشق وهلاك آلاف النفوس في كل يوم متواتراً، ولكن الحمكة الإلهية اقتضت تصلب القشرة الأرضية كي لا تميد بأهلها.
قال تعالى{ألم نجعل الأرض مهاداً والجبال أوتادا}، وقال تعالى {وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهاراً وسبلاً لعلكم تهتدون}، {والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي}.
ومن منابعها أنها الرواسي التي تثقل الأرض فتحفظها من الإطراب والانشقاق الحادث من الزلازل، ومنها أنه بواسطتها تكون المياه النازلة منها إلى السفوح سباباً لحصول الأنهار وطرقها التي تجري فيها المياه على وجه الأرض.
ومنها ما ذكره الإمام (ع) إن الثلوج تسقط على قللها وتبقى محفوظة لوقت الحاجة ويذوب ما ذاب منها فتجري من العيون الغزيرة التي تجتمع فتكون الأنهار الصغار ثم العضام، وبعبارة أوضح ان المطر إذا نزل في الشتاء حفظة الجبال قسماً كبيراً منه بصورة ثلج أبو برد على قممها وقللها إلى فصل الصيف فإذا سخن الهواء يأخذ بذوبان ويسيل بتدريج بسبب حرارة الشمس فيسقي الأرض الظليمة، وقد يتحلل بعض هذا الثلج أو البرد فيغور في شقوق الجبار وثقابها ثم يخرج منها بصورة عيون يجري منها الماء أنهاراً وأودية يرتوي بها الحيوان والإنسان وينبت بها الزرع، وهكذا حتى يأتي الشتاء وتعود الأمطار والثلج والبرد على قمم الجبال، فعرف من هنا أنه لولا الجبال لكانت هذه المياه النازلة مطاراً لم تجري على سطح الأرض إلا ريثما يهدأ المطر ثم تنشفه الأرض والأهوية وعن إذِ يعدم الحيوان والنبات في صميم الصيف عن الحاجة الشديدة للماء، ثم إن الدليل على أن العيون والأنهار كلها من الجبال وانا لا نرتقي في نهرٍ أو وادي إلا وأفضى بنا السير إلى جبل، والعيون لا توجد إلا بالقرب من الجبل، فوجود الجبال هو السبب في عمارة العالم وحياة حيوانه ونباته.
هذه بعض منافع الجبال التي أدركنا جلها وهناك الكثير من المنافع لا يعلماها إلا خالقها جلة قدرته، ونكتفي بقول رسول الله (ص) في الجبال: ظهورها حرز وبطونها كنز.
بعض الجبال المشهورة والعجيبة
كما أن الله فظل الأرضين بعضها على بعض وجعل خاصية في بعضها دون الأخرى كذلك الجبال فمنها الممدوح ومنها المذموم فبعضها يكون وقود نار جهنم كما أن بعضها من يبكي ويتدكدك من خشية الله، فعن أمير المؤمنين (ع) قال في حديث : ولقد مررنا معه يعني رسول الله (ص) بجبل فإذا الدموع يخرج من بعضه فقال له النبي (ص) ما يبكيك يا جبل، فقال يا رسول الله كان عيسى مر بي وهو يخوف الناس بنار وقودها الناس والحجارة، فأنا أخاف أن أكون من تلك الحجارة، قال له لا تخف تلك الحجارة الكبريت، فقر الجبل وسكن.
وقد ذكر قدامت العلماء عن عدد الجبال المشهورة مائة وثمانية وأربعون جبلاً، والحال انها أكثر من هذا العدد، لما أحصيناها في معاجم البلدان وكتب الآثار القديمة، ونذكرها بعضها لما فيها من عجائب قدرة الله.
جبل ق
( ق والقرآن المجيد ).
سأل الصادق (ع) عن معنى ق فقال (ع) : ق جبل محيط بالأرض، وخظرة السماء منه، وبه يمسك الله الأرض عن تميد بأهلها.
وعن ابي جعفر (ع) سمعته يقول: ق جبل محيط بالدنيا من زمرد أخضر وخضرة السماء من ذلك الجبل، وهذه الإحاطة كإحاطة بياض العين بسوادها.
وسأل النبي (ص) عنه، قال وما خلفه، قال: خلفه سبعون أرضاً من الذهب وسبعون أرضاً من الفضة، وسبعون أرضاً من مسك، وخلفه سبعون أرضاَ سكانها الملائكة لا يكون فيها حر ولا برد وطول كل أرض مسيرة عشرة آلاف سنة.
وسأل (ص) عن عرض ق وطوله واستدارته فقال (ص): مسيرة عرضه ألف سنة من ياقوت أحمر قضيبه من فضة بيضاء وزجه من زمردةٍ خضراء له ثلاث ذؤاب من نور ذؤابة بالمشرق وذؤابة بالمغرب والأخرى في وسط السماء مكتوب عليها ثلاثة أسطر، الأول: بسم الله الرحمن الرحيم، الثاني: الحمد لله رب العالمين، الثالث: لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله.
وذكر أنه لما مر عليه ذو القرنين رأى حوله جبالاً صغاراً فنادى يا ق ما هذه الجبال التي حولك؟ فقال عروقي، ليس في الدنيا مدينة إلا وفيها عرق منها فإذا أراد الله أن يزلزل أرضاَ أمرني فحركة ذلك العرق فتزلزل تلك الأرض، فقال الأسكندر فهل ورائك شيء قال: نعم أرض طولها خمسمائة عام في خمسمائة عام فيها جبال من ثلج تحطم بعضها بعضا، لو لا ذلك الثلج لحترقتم من حر جهنم.
جبل الكمد
وهو جبل أسود موحش يكون في يسار قرية عٌسْفان وهي تبعد ستة وثلاثين ميلاً على مكة على طريق المدينة، عن عبدالله بن بكر الأرجاني قال: صحبت أبى عبدالله (ع) في طريق مكة من المدينة فنزلنا منزلاً يقال له عسفان، ثم مررنا بجبل أسود عن يسار الطريق موحش، فقلت له: يا بن رسول الله ما أوحش هذا الجبل ما رأيت في الطريق مثل هذا، فقال لي: يا بن بكر أتدري أي جبل هذا، قلت: لا، قال: هذا جبل الكمد وهو على وادٍ من أودية جهنم وفيه قتلة أبي الحسين (ع)، أستودعهم في تجري من تحتهم مياه جهنم من الغسلين والصديد والحميم، وما يخرج منه جب الجوي وما يخرج من الفلق من آثام وما يخرج من طينة الخبال وما يخرج من جهنم وما يخرج من لظى ومن الحطمة وما يخرج من سقر وما يخرج من الحميم، وما يخرج من الهاوية، وما يخرج من السعير.
إلا أن قال: وربما طويت الجبل الذي هما فيه وهو جبل الكمد، قال قلت له: جعلت فداك، فإذا طويت الجبل فما تسمع قال: أسمع أصواتهما يناديان عرج علينا نكلمك، فإنا نتوب، وأسمع من الجبل صارخاً يصرخ بي أجبها، وقل لهما أخسؤو فيها ولا تكلمون.
جبل سيلان
بقرب من مدينة أردبيل من أذربيجان، وهو من أعلى جبال الدنيا، قال رسول الله (ص) من قرأ: (سبحان الله حين تمسون وحين تصبحون ) إلى (وكذلك تخرجون) كتب الله له من الحسنات بعدد كل ورقة ثلج تقع على جبل سيلان، قيل ما سيلان يا رسول الله، قال جبل بأرمينة وأذربيجان، عليه عين من عيون الجنة وفيه قبر من قبور الأنبياء.
قال أبو حامد الأندلوسي على رأس هذا الجبل عين عظيمة مع غاية ارتفاعه، ماؤها أبرد من الثلج وكأنما شيب بالعسل لشدة عذوبته، وبجوفه الجبل ماء يخرج من عين، يسلق البيض من حرارته، يقصدها الناس لمصالحهم، وبحظيظ هذا الجبل شجر كثير ومراع ٍ وشيء من حشيش لا يناوله انسان ولا حيوان إلا مات بساعته.
وقال القزويني ولقد رأيت الجبل والدواب ترعى في هذا المكان فإذا قربت من هذا الحشيش نفرت وولت منهزمة كالمطرودة، وقال في سفح هذا الجبل بلدة اجتمعت بقاضيها، واسمه أبو الفرج عبد الرحمن الأردبيلي، وسألته عن حال تلك الحشيشة فقال الجن تحيها، وذكر أيضا أنه بني في قرية مسجد فاحتاج إلى قواعد كبار حجرية لأجل الأعمدة، فأصبح فوجد على باب المسجد قواعد منحوته من الصخر محكمة الصنع كأحسن ما يكون.
جبل سرنديب
هو في أكرم واد على وجه الأرض كما قال أمير المؤمنين (ع) وهو الجبل الذي أهبط عليه آدم (ع)، ويكون بأعلى الصين، يرى في البحر من مسيرة 3 أيام، وفي أثر قدم آدم مخموسة في الحجر، وقيس موضوعها فكانت سبعة أذرع وقيل سبعون ذراعا، ويرى على هذا الجبل ألوان كألوان الطواويس لا تخلو منه ليلا ولا نهارا، ولا بد له في كل يوم منمطر يخسل موضع قدم آدم (ع)، ويوجد فيه الياوقت الأحمر والألماس، وفي واديه جميع الطيب من الورقة التي نزلت مع آدم .
جبل جوشن
غربي حلب، وفيه معدن منن النحاس، قيل: إنه بطل عمل النحاس فيه منذ عبر عليه سبي الحسين (ع)، وكانت زوجة الحسين (ع) مثقلة بالحمل فطرحت هناك، وطلبت من صناع النحاس ماءا للشرب فمنعوها وسبوها، فدعت عليهم فامتنعت الريح من ذلك الحين، وإلى الآن من عمل فيه لا يربح، وفيه مشهد مبارك بمشهد الطرح.