{ثم أتبع سببا * حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوماً لا يكادون يفقهون قولاً * قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجاً على أن تجعل بيننا وبينهم سداً* قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوةٍ أجعل بينكم وبينهم ردماً* آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفينِ قال انفخوا حتى إذا جعلهُ ناراً قال آتوني أُفرِغ عليه قطراً* فما استطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقباً}.
أقول: إن ما جاء في أخبار أن يأجوج ومأجوج أمة وهم ليسُ من ولد آدم كما قال أمير المؤمنين عليه السلام، بني آدم سبعون جنساً والناس ولد آدم ما خلا يأجوج ومأجوج، وهم أشباه البهائم يأكلون ويشربون ويتوالدون وهم ذكور وإناث وفيهم مشابة من الناس الوجوه والأجساد والخلقة، ولكنهم قد نقصوا في الأبدان نقصاً شديداً وهم في طول الغلمان لا يتجاوزون خمسة أشبار وهم على مقدار واحد في الخلق والصور، عراة حفاة لا يغزلون ولا يلبسون ولا يحتذون، عليهم وبر كوبر الإبل يواريهم ويسترهم من الحر والبرد، ولكل واحد منهم أذنان أحدهما ذات شعر والأخرى ذات وبر ظاهرهما وباطنهما، ولهم مخالب في موضع الأظفار وأضراس وأنياب كالسباع، وإذا نام أحدهم إفترش إحدى أذنيه موضع الأظفار وأضراس وأنياب كالسباع، وإذا نام أحدهم إفترش إحدى أذنيه والتحف بالأخرى فتسعه لحافاً، وهم يرزقون نون البحر كل عام يقذفه عليهم السحاب، فيعيشون به ويستمطرون في أيامه كما يستمطر الناس المطر في أيامه، فإذا قذفوا به أخصبوا وسمنوا وتوالدوا وأكثروا، فأكلوا منه إلى الحول المقبل، ولا يأكلون منه شيئاً غيره وإذا أخطأهم النون جاعوا وساحوا في البلاد فلا يدعون شيئاً أتوا عليه إلا أفسدوه وأكلوه وهم أشد فساداً من الجراد والآفات وإذا أقبلوا من أرض إلى أرض جلا أهلها عنها، وليس يغلبون ولا يدفعون حتى لا يجد أحد من خلق الله موضعاً لقدمه ولا يستطيع أحد أن يدنو منهم لنجاستهم وقذارتهم، حتى أن الأرض تنتن من جيفهم، فبذلك غلبوا وإذا أقبلوا إلى الأرض يسمع حسهم من مسيرة مائة فرسخ لكثرتهم، كما يسمع حس الريح البعيدة ولهم همهمة إذا وقعوا في البلاد كهمهمة النحل، إلا أنه أشد وأعلى، وإذا أقبلوا إلى الأرض حاشوا وحوشها و سباعها حتى لا يبقى فيها شيء، لأنهم يملؤون ما بين أقطارها ولا يتخلف وراءهم من ساكن الأرض شيء فيه روح إلا اجتلبوه، وليس فيهم أحد إلا وعرف متى يموت قبل أن يموت، ولا يموت منهم ذكر حتى يولد له ألف ولد، ولا تموت أنثى حتى تلد ألف ولد، فإذا ولدوا الألف برزوا للموت وتركوا طلب المعيشة.
ثم إنهم أجلفوا في زمان ذي القرنين يدورون أرضاً وأمة أمة وإذا توجهوا لوجهة لم يعدلوا عنها أبداً.
فلما أحست تلك الأمم بهم وسمعوا همهمتهم استغاثوا بذي القرنين وهو نازل في ناحيتهم، قالوا له فقد بلغنا ما أتاك الله من الملك والسلطان وما أيدك به من الجنود ومن النور والظلمة، وإنا جيران يأجوج ومأجوج، وليس بيننا وبينهم سوى هذه الجبال وليس لهم إلينا طريق إلا من هذين الجبلين، لو مالوا علينا أجلونا من بلادنا، ويأكلون ويفرسون الدواب والوحوش كما يفرسها السباع ويأكلون حشرات الأرض كلها من الحيات والعقارب وكل ذي روحح ولا نشك أنهم يملؤون الأرض ويجلون أهلها منها، ونحن نخشى كل حين أن يطلع عليها أوايلهم من هذين الجلبين، وقد أتاك الله الحيلة والقوة، فاجعل بيننا وبينهم سداً، قال آتوني زبر الحديد، ثم انه دلهم على معدن الحديد والنحاس فضرب لهم في جبلين حتى فتقهما واستخرج منهما معدنين من الحديد والنحاس، قالوا: فبأي قوة نقطع هذا الحديد والنحاس، فاستخرج لهم من تحت الأرض معدناً آخر يقال له السامور وهو أشد شيء بياضاً وليس شيء منه يوضع على به، فأوقدوا على الحديد النار، حتى صنعوا منه زبراً مثل الصخور، فجعل من ذلك ما اكتفوا به، فأوقدوا على الحديد النار، حتى صنعوا منه زبراً مثل الصخور، فجعل حجارته من حديد ثم أذاب النحاس فجعله كالطين لتلك الحجارة، ثم بنى وقاس ما بين الجبلين فوجده ثلاثة أميال، فحفروا له أساساً حتى كاد يبلغ الماء، الحديد فجعل طبقة من نحاس وأخرى من حديد ثم ساوى الردم بطول الصدفين فصار كأنه برد حبرة من صفرة النحاس وجمرته وسواد الحديد.
فيأجوج ومأجوج يسيحون في بلادهم، فلما وقعوا في الردم حبسهم، فرجعوا يسيحون في بلادهم فلا يزالون كذلك حتى تقرب الساعة، فإذا كان قبل يوم القيامة في آخر الزمان انهدم ذلك السد وخرج يأجوج ومأجوج إلى الدنيا يأكلون الناس وهو قوله تعالى: {حتى فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون}