كانت سماء شتاء عام 2000 تعج بالغيوم السوداء والبيضاء، والشمس في إجازة لمدة ثلاثة أيام، ظن الفقراء بأنها ستنقشع، ولن يأتي المطر ضيفاً غير مرغوب فيه. ولكن البراعم الصغيرة من الأزهار تشتاق إليه كالمسافر الذي طال سفره.
وأما الحشرات فحالها حال الفقراء لم تكن ترغب في حبات المطر تجرف بيوتها، وتتركها في العراء عرضة لأقدام الإنسان، وبطش الأعداء من الحيوانات، وبالخصوص النحل، الذي يتخوف من غزو الدبابير السوداء وظلمها واستعبادها.
وفجأة أرعدت السماء وأبرقت مهددة مزرعة العم فارس بالدمار والشامل هطل المطر زخات بريئة في أول الأمر، ثم توالت الزخات في الكبر وبعدها خلت الشوارع من المركبات والناس.
هناك في الجانب الشرقي من المزرعة يوجد بيت النحل السداسي الجميل تحوم حوله النحلات المسكينات وكأنها تطوف بالبيت الحرام مذهولات وكانت تحرس الملكة الأم خوفاً من الدبابير الظالمة.
نعم لقد استعدت الدبابير للهجوم المباغت وصوبت اسلحتها إلى النحل المسكين الضعيف، وهجمت بشراسة، راحت ضحيتها خمسون نحلة وعشرون جريحاً، وتم الإستيلاء على تعب الأيام (النحل اللذيذ) وأسرت الأم ومجموعة كبيرة مقيدة ونضرب بالسياط فر شفيع النحول وأخته ساجدة هائمين على وجههما، والدموع تفيض من عينهما.
قال شفيع: هل نسكت على هذا الظلم، أم نقاوم لخلاص أهلنا من المحتل الغاصب؟
قالت ساجدة: كيف يمكننا أن نقاوم كل هذا الجيش الغاشم ونحن اثنان فقط لا حول ولنا ولا قوة؟
قال شفيع: بالعقل يا اختاه ثم بالعضلات.
قالت ساجدة: يجب علينا أولاً أن نخبر أبناء عمنا في مزرعة العم خليل ونكون جيش مقاومة للزحف عليهم.
قال شفيع: إنها فكرة ممتازة، ولكن هل تعتقدين بأنهم يتفاعلون معنا أم يخافون، لا أتصورهم يضحون بجنودهم وقصورهم. غاية ما يعطونا هو الكلام أو العيش معهم كلاجئين وتحت المراقبة أيضاً.
قالت ساجدة: فلنجرب ولن نخسر شيئاً.
وذهب الاثنان، ورجعا خائبين ولم يربحا سوى مظاهرة تندد بالهجوم الغادر وبعض القصائد الرنانة.
فكّر شفيع أن يصبح أسيراً، ويقود المقاومة من داخل السجن للقضاء على الدبابير وظلمها.
وبينما هما كذلك حتى وقعا أسيرين في يد الظالم قائد الجيش الدبوري لكمة هنا، وركله هناك، وصرخات تعلو: ارحمونا، اتركونا ولكن الصرخات اختفت ألم السياط.
– هيا ادخلا أيها الإرهابيان.
– سيدي لقد وجدنا بحوزتهما قنابل يدوية وخارطة للقلعة.
– حسنٌ اعقدوا لهما محاكمة عسكرية سريعة ونفذوا فيهما حكم الإعدام.
شفيعٌ، ساجدة…اصمدوا لا تخافا، الرب يحميكما.
شفيع: يا إلهي هذا صوت أمن الملكة
ساجدة: اماه لا تحزني، لن نركع إلا لله، كيف أحوالكم؟
– هيا…هيا.. إلى ساحة الإعدام قال السجان.
قالت ساجدة: إذا أفنيت بدني فإن روحي خالدة مع الشهداء أيها الجلاد.
– ماذا تنتظر أيها الأحمق هشم جمجمتها قبل أن تنفخ روح المقاومة في أهلها، ونخسر المعركة.
– سقطت ساجدة مضرجة بالدماء أمام أخيها شفيع وهي تشير إليه بيدها ونادته بصوت خفي:
أخي.. لا توهن واصل المسيرة فالنصر قريب.
تساقطت دموع شفيع على الأرض حزناً على أخته المظلومة واعتنقتها طويلاً.
ضج المعتقل بالبكاء والصراخ، وثار النحل السجناء وحطموا الأبواب، وكسروا القيود. ودارت معركة الكرامة والتحرير.
سبعة قتلى من النحل فقط وثمانون من الغاصبين
وانتهت المعركة وتم تحرير الملكة. وتم دفن الشهداء وأصر شفيع على أخذ أخته الشهيدة ساجدة والحزن يعصر قلبه.
آه يا بطلتنا كم أنا مشتاق إليكِ، ليتني لحقت بكِ في درب الشهادة ولم أر خذلان بني عمنا.
ونحبت الملكة الأم وأولادها وقرروا البناء من جديد تحت أشعة الشمس التي خرجت من الإجازة لتبعث الأمل فيهم مرة أخرى أما أبناء العم المتخاذلين عن النصرة فقد زاروهم وقدموا لهم التعازي الحارة والمساعدات والتبرعات مرددين:
مرحى بأبطال المقاومة، مرحى بمن رفعوا رؤوسنا بين الأمم أعذرونا فنحن في معاهدة سلام مع الدبابير. من الأفضل لكم ولنا أن نعود لطاولة المفاوضات معهم.
بإدارة النسر وندين الإرهاب. ألم تشاهدوا ما وقع في الحادي عشر من سبتمبر؟؟
إننا معكم أعلامنا مسخّر لكم، شعوبنا تتبرع لكم والنصر قريب إنشاء الله.
واصلوا عملية السلام فالحوار الحضاري مكسب لنا
والشهيدة المظلومة ساجدة سنقيم لها تمثالاً برونزياً ونطلق اسمها على شوارع عواصمنا. ونمطرها بقصائدنا العصماء وأغنياتنا القومية
هنيئاً لكِ الجنة..هنيئاً لكِ الجنة يا ساجدة.
– هيا فلنبكي عليها جميعاً…قالت أبناء العم.
أما شفيع فنظر إلى القمر بينه وبين نفسه:
متى يأتي يوم عرسي وألتحق بك وارتاح من هذه الدنيا الدنية.
ومشى الجميع في جنازة الشهيدة وبعد مراسم التشييع قال قائلٌ منهم
شفيع كن متعقلاً.
فالعمليات الإنتحارية إلقاء بالنفس في التهلكة وحرام