ثانياً: في نماذج من الانحراف العقائدي
أولاً وقبل إدراج النماذج للإنحراف العقائدي كان لابد لنا من وقفة لتعريف العقيدة بحسب اللغة والإصطلاح لما له مسيس الصلة بالموضوع
فما هو المراد بالعقيدة لغة وصطلاحاً؟
المصباح المنير للفيومي
ما يقصد فيه نفس الإعتقاد دون العمل
تعريفات الجرجاني
“تطلق في الدين على ما يؤمن به الإنسان ويعتقده كوجود الله وبعثة الرسل، والعقاب والثواب وغيرها”
المعجم الفلسفي ج1 لجميل صليبا
ج- العقيدة عن المحدثين:
“الحكم الذي لا يقبل الشك فيه لدى معتقده” ويرادفها الإعتقاد والمعتقد وجمعها عقائد”
المعجم الفلسفي بمجمع اللغة العربية بالقاهرة
“العقيدة أيضاً هي الأولي المعترف به بين أفراد فذهب واحد كالعقيدة الروافية، والعقيدة الماركسية”
المعجم الفلسفي ج2 لجميل صليب
مما لا شك فيه أن الانحراف العقائدي من أخطر الانحرافات التي جرت المصائب والآلام على البشرية ولا تزال البشرية تدفع ضريبة الخروج على النواميس الإلهية إلى الآن، من إضرام نار الفتن والحروب، والتسلط على العباد والبلاد من اناس طامحين للإدعاء الربوبية في النهاية لما أوصلهم الطغيان. وكل الذي نراه بأم أعيننا من التنافس الغير شريف بين القوى الغربية والشرقية اساسه الإنحراف العقائدي.
الإنحراف عن السنة الإلهية الحقة المتمثلة في الأديان الثلاثة الغير محرمة على أيدي أدعياء الإلتزام بنواميسها.
والإنحراف العقائدي قديم جداً قد سرد لنا القرآن الكريم طرفاً كبيراً منه اما في شكل قصة كاملة أو اقصوصة، أو مثل أو معاناة بني من خلال المحاججة مع القوم المنحرفين.
وما أروع كتاب الله عز وجل حين يصّور لنا قصص الإنحرافات الكبرى، ويركز على الخاتمة السعيدة للإنتصار بني الله تعالى، والخاتمة الشقية للمنحرفين. ليعطينا دروساً في الصبر والإستقامة على المبدأ، والجهاد في سبيل الدعوة بكل غالٍ ونفيس وفي المقابل يطلعنا على الظروف الزمنية السابقة للطغيان البشري، والتفسخ الأخلاقي ومحاربة أولياء الله ودعواتهم الإصلاحية ومحاولة وئدها وهي في مهدها.
ولكن رفع الانحراف العقائدي الراية البيضاء واستسلم نهائياً، أم أنه المنتصر على الدوام، أم هو في كرٍ وفر مع العقيدة الإلهية الصحية الحقة؟
هذا ما سوف نتعرض له الآن من ادراج والتعلق إن أمكن على بعض النماذج.
أولا: انحرافات كبرى سردها القرآن الكريم
الانحراف الإبليسي: وهو أول انحراف ذكره الله عز وجل في كتابه العزيز، وقلما تخلو سورة من سورة القرآن الكريم من ذكر إبليس وبقية أسمائه إما تصريحاً أو تلويحاً.
هذا الإنحراف المتمثل في التمرد على الأمر الإلهي في السجود لأبي البشر آدم (ع) والمجادلة مع الله تعالى على شكل قياس باطل عاطل.
قال أسجد لمن خلقت طينا؟ الإسراء61
نعم لقد ضيع هذا الحاسد اللعين ستة آلاف سنة من العبادة بسبب انحراف معنوي وهو الحسد وأبى السجود مستكبراً. وأخذه العجب حينما سمي بطاووس الملائكة وقرّب من منزلتهم بالرغم من جديته:
(وإبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه)
واستحق بذلك الجرم الطرد من رحمة الله عز اسمه:
( فاخرج منها فإنك رجيم وأن عليك لعنتي إلى يوم الدين)
وبالرغم من علمية التي لا تضاهي آنذاك سقط في الامتحان (فإذا نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) فسجد الملائكة كلهم أجمعين، إلا إبليس أبى ان يكون من الساجدين قال، ما منك أن تسجد إذ أمرتك، قال خلقتني من نار وخلقته من طين)
هذه الحوارية تكشف بجلاء، أن تلك العلمية المتهرئة مشوبة بانحراف لا حدود له، ظهرت فيما بعد في تعقّبه لآدم وبنيه ومحاولة حرفهم عن الهدف الإلهي.
(إني جاعل في الأرض خليفة)
ولكن هل استطاع الشيطان الرجيم، تحقيق دواعي انتقاماته من آدم و ابناءه حينما اقسم بعزة الله (فبعزتك لا غوينهم أجمعين، إلا عبادك منهم المخلصين) .
إن السياق القرآني يدلل على أنه استطاع البر بقسمه ما عدا على ثلة قليلة من صفوته من خلقه.
(لا ملأن جهنم منك ومنهم أجمعين) (إلا عبادي فإنه ليس لك عليهم من سلطان) (قال أرءتيك هذا الذي كرمت عليّ لئن أخرتني إلى يوم القيامة لاحتنكن ذريته إلا قليلاً* قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفوراً*واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك، وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً* إن عبادي ليس لك عليهم من سلطان، وكفى بربك وكيلاً). (الإسراء).
بعد ذلك مضى إبليس (لع) يف تنفيذ مخططه الانحرافي وما تلى أكل أبونا آدم من الشجرة ومعه حواء واهباطهما إلى الأرض بعد عفو الرب عن ذنبه النسبي ومخالفته الإرشادية.
لقد انتقم اللعين من آدم بحسب تصوره في صورة ابنه قابيل بارتكابه أول جريمة على وجه الأرض بقتله أخاه هابيل: (فسولت له نفسه قتل اخيه، فقتله فكان من الظالمين)، وبعدها تتالت الإنحرافات الإبليسية من جبي، وربما فاق الوارث المورّث في الانحراف، وهو ما نشاهده بأم أعيننا من انحرافات في شكل سياسة، واقتصاد.
أنظمة سياسية أرضية غاشمة لا تلبي حاجة الروح والبن معاً، وتقتصر على اشباع رغبات البدن فقط، ولا تربط الإنسان بالخالق العظيم، بل هي مدارس للذة خاوية من المعنويات، وهمها المنفعة البحتة للروح دونما تفكير في المصير الأخير للإنسان، وإن دوره في الحياة الدنيا هو دور تكاملي نحو الآخرة.
وقوانين اقتصادية فاسدة معتمدة على المراباة، وإذلال الشعوب والمستضعفة في على شكل قروض بفوائد مركبة وبسيطة، إن لم يكن تحت بريق الأبيض والأصفر، فتحتت تهديد النار والحديد وما انجس الصدقات التي يتصدقون بها على عالم تهبوا خيراته وكنوزه أسموه ثالثاً وأسسوا صندوقاً نقدياً دولياً يفرض شروطه وقروضه كيفما شاء.
وأخيراً احتنك إبليس الرجيم ذرية آدم إلى أن استولى عليهم أو أتى عليهم كما يأتي الجراد على نبت الأرض، استولى عليهم بالذنوب والمعاصي والتي أبعدتهم عن الله عز وجل فنظروا نظريات أرضية منحرفة عن السماء، استمالهم واستأصلهم بعضهم ببعض بالحروب والمجاعات والأمراض.
استولى على قلوبهم وضمائرهم، فركنوا، وتناسوا دار القرار.
فيكف يستولون على الرقاب إذا لم ينفذوا مخططات المنحرف الأكبر خطوة خطوة.
أليس أصل اشتقاق من كلمة الإحتناك من الحنك بالتحريك والحنك أحد معانيه لجام الدابة كي يسلس قيادها ولا تتقحّم.
ألجمهم إبليس اللعين بمخترعاته، وألجموا أهم البشرية بإنحرافاتهم، اتوا على البشرية بحربين كونيتين والثالثة في الطريق كما يأتي فيروس البيولا على الأفريقي البائس في الكونغوا.
رسموا خارطة العلم ثلاث مرات تقريباً من أجل إرضاء المنحرف الأكبر المعشعش في صدورهم يوسوس لهم محو جميع الأديان، وفرض سياسة الدجال وهيمنته في قالب حوار الحضارات والعولمة وهي في الحقيقة أحجار على رقعة بشطرنج قائد المنحرفين.
ولو أطلقنا عنوان عقيدة الإحتناك لمجمل الوضع العالمي الراهن لما جانبنا الصواب. والدليل عليه: أنه حينما يطلق على السياسي (رجل محنك) فهو كذلك، لأنه يستعمل في تمرير أفكاره ورغباته مفهوم الاحتناك، إلى أن ملجم بلجام سياسة المحنّك – بالتشديد والكسر على النون – المنحرف ابليس الرجيم ويريد تحنيك الآخرين تبعاً لتحنكه باتباعه المنحرف الأكبر.
حدث من الواقع على الانحراف العقائدي
وهو وأشبه بفصول قصة ولا تحتاج إلى حبكة من القاصّ. أبطالها مؤلف هذا الكتاب المتواضع الماثل بين يديك عزيزي القارئ، والآخر (مرتد) فطري منحرف انحرافاً عقائدياً بمعنى الكلمة من ابناء قرية المصلى من قرى البحرين صانها المولى من الحدثان وسوف أرمز له بحرف (ف).
ما قبل الانحراف
كان صغيراً غريب الأطوار في فمنظور على نفسه قبل البلوغ يومها كان سلس القياد حينما كنت آخذه ورفيق دربه (جواد) إلى مسجد الشيخ البهائي -قده- لتعليم الصلاة، حيث كنت أشرف على تدريس العلوم الشرعية في القرية، وكان من المواظبين عليها. حتى بعد أن سرق أحد الأطفال نعله، أصدّ على المواصلة. وفجأة انقطع عن الحضور، ولم استعلمن عنه الأسباب، وقلت في نفسي ربما قد حفظها، وربما منعه ابوه من مصاحبتي للخوف عليه من الإعتقال السياسي.
في مسيرة الإنحراف
تنوع اصحابه، وتنوعت مدارسه، وكذلك أفكاره بسرعة دخل حرم الجامعة، وأنا اراقب تصرفاته وابحث عن اقرانه الجدد، وبعد الفحص تبين لي أننا خسرناه بمجرد أن عرفت أن أصدقاءه اليوم هم من حفنة الماركسيين، المعروفين بالليالي الحمراء والعربدة والسكر في أنصاف الليال.
إلى أن طفا على السطح عفن فكره المنحرف من خلال بعض الإثارات العقائدية من قبيل البرزخ والمعاد، وأصل الإنسان وكذا بعض الإعتراضات على بعض آيات الأحكام كما للذكر مثل حظ الأنثيين، وإباحة الزواج من أربع نساء وعدم التحديد للنبي الخاتم (ص)، والتشكيك في نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم. واعتباره رجل حضارة فقط! على بعض الصبية وبعض الكهول.
فلم استعجل الأمر وقلت في نفسي: ربما تكون مجرد أقاويل على هذا الشاب من قرين حاسد، ولا أتصور أن يصل به الأمر إلى أن يجاهر بمثل هذا الإنحراف في أوساط المسلمين.
حينها قرّرت الذهاب إلى منزله لإختباره وردة فعله، واصطحبت معي اثنين من أبناء عمومتي للإحتياط.
وصلت، وابتدرت بنصيحته، والكف عن اللعب بالنار، وأن العاقبة وخيمة لمثل هذه الأقوال.
فأنكر في البداية، وعندما طرحت عليه بعض الأسماء من الشهور أخذ بالمكابرة والإعتداد بنفسه، فدعوته للمناظرة أمام ابناء القرية فرفض. وقال: أنا حر في أفكاري.
فرددت عليه: إذن فلتحتفض بها لنفسك، وإذا سمعت عنك شيئاً مشيناً مرة أخرى فلتأذت بحرب لا قبل لك بها وسوف تندم، ورجعت قافلاً إلى بيتي، أفكر في الطريقة، والإسلوب في مواجهته.
استشارة حكيم
وبعد تفكير عميق، استقر الرأي على إطلاع سماحة الأستاذ العلامة الشيخ سليمان المدني حرسه الله تعالى على الأمر وطلب المشورة منه، وهو المطلع الخبير صاحب اليد الطولى في مواجهة التيار الشيوعي في البحرين.
وسهرت تلك الليلة في كتابة رسالة مطوّلة أشرح فيها المسألة. وفي عصر يوم خميس جمعني به على مأدبة غذاء في منزل فضيلة الشيخ حسن زين الدين حفظه الله ورعاه، سلمته الرسالة، واطلعته على الموضوع بشكل مختصر. فأشار عليّ متكرماً بعدم التسرّع في الوقت الراهن، وانتظار ردة فعله بعد المواجهة الأولى.
امتثلت أوامره، ولكن هذا المنحرف لم يرعو عن غيه وواصل مسلسل انحرافهـ وأبى إلا المواجهة والتحدي.
بعدها رجعت إلى سماحة العلامة الأستاذ أستشيره في الخطوة التالية، فأشار عليّ مشكوراً، بتعريته وفضحه أمام الناس بعد الإنتهاء من صلاة الجماعة، وتكثيف المحاضرات العقائدية.
التصدي والمواجهة العلنية
وفي ليلة سبت وقبل اداء إقامة الصلاة خاطبت الجمع الغفير: لا يقومن أحد منكم بعد الفراغ من الصلاة…هناك أمرُ هام وخطير يحدق بنا وبقريتنا.
الله تعالى يعلم كيف صُرت إماماً تلك الليلة فارغ القلب ومتشت الأفكار، وكيف كانت أفئدة المصلين أثناء الصلاة؟، وللأنني ارجأت الأمر إلى بعد الفراغ من صلاة العشاء اسرعت في الصلاة على غير العادة، كل ذلك تقليداً من هيام القلب في أودية الموضوع، والخشية على من تفرّق المصلين ولكن الله تعالى سلم: مازال المصلون مجتمعون ينتظرون النبأ المجهول.
امسكت بالميكرفون وأحطت الجميع علماً بدقائق المسألة وما هي وظيفتهم الشرعية في حفظ أولادهم من خطر ذلك المنحرف الضال.
وأن الحل الوحيد هو: نبذه ومقاطعته حتى في البيع والشراء وتضييق الخناق عليه كي يرحل عن قريتنا.
وأن من لا يمتثل للأمر نشكك في عدالته ونزاهته وإنه لا يجوز إلى تعاطف معه، وإنها جريمة سوف يحاسب عليها أمام الله تبارك وتعالى.
وحمدت الله عز وجل على أداء وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ودعوته أن يسددني في القول والفعل، وأن يجعل غضبي له لا للنفس.
تصاغر المنحرف واستعطافه
وقبل منتصف تلك رنّ جرس المنزل، فتحتٌ الباب وإذا به، عليه سيماء الخوف والإرتعاد، وجعل يردّ : لقد دمّرت مستقبلي يا سيد هل يجوز لك ذلك؟ هذا العملُ حرام.
قلت له: مثلك لا يتحدث عن الحلال والحرام، لا يوجد في عقيدة ماركس مثل هذا التقسيم.
إذا أردت التراجع والتوبة، فعليك أن تعلن أمام المسلمين بأن ما قمت به هو نتيجة مستعجلة لقراءات منحرفة وباتباعي لزمرة مضطربة العقائد وفاسدة الأخلاق وأنا إنسان موحد وديني الإسلام لا غير.
وتقوم كذلك بإرجاع من أضللتهم، عن أن لا يشملك أحكام المرتد الفطري. وسوف أعتبر ما بدر منك هو ارتداد في زمن الفتنة.
حينها عاد لصلفه وعنجهيته: لا…لا سوف أذهب للشيخ سليمان المدني وأخبره بأنك تكذب.
فرددت عليه: حسن اذهب وأخبره…وانه من دواعي سروري أن تقوم بزيارته.
فأخذ يصرخ ويتوعد.
حينها جابهته… امض إلى ما أنت ماض فيه، وليست هي المرة الأولى التي تتوعدني فيها.
نعم: اذكر أنه هددني بالقتل ذات مرة في احدى السنين عندما كنت استاذاً لأخيه.
وبعد منصرفه: أخذت افكر في جدّية تهديداته، وأعلمت زوجتي بذلك، وكانت نعم الزوجة التي تقف مع زوجها مثل هذا الموقف.
سيدنا: أنت نذرت نفسك لشريعة جدك سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم. فلم الخوف؟!!
فطار بي طائر الذكريات عام 1976م واستشهاد الأستاذ عبدالله المدني رحمه الله على ايدي القتلة المارقين اتباع هذا الخط المنحرف.
فاستبشرت خيراً ورددت في نفسي: ياليتهم يفعلون، فأنال الشهادة واستريح من هذا السجن.
وبالفعل نمت تلك الليلة نوماً هادئاً. انتظر تفعيل تهديدات المنحرف كي احظى بالشهادة على خطي محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين.
الأدلة القاطعة في تجريم المنحرف
في ظهر ذلك اليوم زارني الشيخ حسين البلغة يسترق الأخبار ويتداول معي الموضوع، والخروج منه بسرعة لخوفه عليّ، لسابق علمه بأن هؤلاء المنحرفين لا توجد لديهم وسيلة للقضاء على الخصوم سوى التصفية الجسدية.
طمأنته، فاقترح عليّ أن يتحدث معه، فربما يكون مغرراً به، وأن تحديه لي، ربما يكون ناشئ من عداوة شخصية يحسبها، فقلت له: ويتنازل عن كبريائه، فهو على كل حال ابناً من أبناءنا، لا نوّد إلاّ مصلحته ومصلحة الجميع.
خرج من عندي، وهو يحسب أن المنحرف سوف يتراجع وعاد إليّ ليلاً ووجهه تعلوه الكآبة والحزن، متأبطاً رزمة من الكتب وهو يحوقل ويسترجع:
صدقت يا سيد: إنه شاب عنيد غاطس في قعر الإنحراف من قمة رأسه إلى أخمص قدميه، وكل الذي قدرت عليه معه: أن يأتي مساجد القرية ويصلي كي يرفع عنه التهمة. فاستجاب لهذا فقط.
وهذه الأدلة التي تدينه أنها طاقة كبرى، خذ اقرأ عنوانات هذه الكتب.
ويا للمفاجأة.
- “اسس الفلسفة الماركسية من تألف ق.أفانا سييف. ترجمة عبدالرزاق الصافي”
ومصدّر بعنوان: إلى القارئ: لقد في هذا الكتاب اسس الفلسفة الماركسية بشكل بسيط ليكون في متناول أوسع عدد ممكن من القراء. لقد كتبناه للقارئ الذي يقدم لأول مرة، على دراسته هذا العلم في نطاق الفرق والحلقات الدراسية، أو عن طريق المطالعة الخاصة. - ازمة العالم الإقتصادية والاجتماعية: انعكاساتها على البلدان المتخلفة، وآفاقاتها القاتمة، وضرورة النضال إذا أردنا الحياة. للرئيس الكوبي: منيدل كاسترو.
- القضايا الإقتصادية للإشتراكية في الصين المؤلف: تشاي موتشياو. ترجمة: فارس الصويتي.
- الاقتصاد السياسي دليل العلوم الإجتماعية: أكاديمية العلوم في الإتحاد السوفيتي. ترجة در فؤاد أيوب.
وكم كانت غبطتي وسروري كبيرتان مع ما خالطها من حزن على المصير الحالك للأمثال هذا المنحرف.
محاورة بين بحر وجدول
في الليلة التي تلت ذلك اليوم المشوم، كان سماحة الأستاذ العلامة الشيخ سليمان المدني حرسه الله في انتظار على أحر من الجمر للصنف الغير مرغوب فيه، وكنت والشيخ البلغة قد سبيقنا المنحرف إلى مجلس الأستاذ ومعنا كتب الضلال تلك.
وبعد طول انتظار جاء وأبوه، وسلم على سماحة الأستاذ بفتور وجلس بجانبه.
اتبذره سماحته بسؤال شفيق: لما يا ولدي صدر منك كل هذا
أنت ولد مسلمُ متولّد من أبوبين مؤمنين، أن تلك الزمرة لن تنفعك بشيء، إنها تلعب بك، لقد جعلت منك العوبة، ألم تفكّر قليلاً: بانها لم تجاهر بمثل ما جاهرت بخ أنت. كان لزاماً على السيد أن يتصدى لك باعتباره عالم المنطقة، وأن واجبه الديني يتم عليه ذلك. لماذا أختارك وحدك دون باقي الأهالي؟
لماذا جعلت من الإسلام الحنيف شماعة أخطاء لتصرفات والدك في تعداده للزوجات؟
ماذا تعرف عن الزواج في الإسلام، وماذا قرأت عنه الزواج في بقية الشرائع؟
فرّد على الشيخ: لقد قرأت عن الزواج الإلحادي فقط؟
فقال له سماحته: وهذا ما أعجبك فيه فقط؟!
فأبتدره سماحة الأستاذ بسؤال آخر: محمد صلى الله عليه وآله وسلم ماذا يعني لك؟!
فأجاب: رجل حضارة فقط.
فرد عليه سماحته: إنه قبل أن يكون رجل حضارة فإنه نبي ورسول الله لكافة البشر فأفهم.
وبعد لحظات حضر الشهود إلى المجلس العام فزاد اضطراب المنحرف، وبدا على وجهه الشحوب، سلّموا على الحضور، وأخذوا جانبهم من المجلس، ووجه لهم سماحة الأستاذ بعض الأسئلة، وتطابقت أقوالهم في نقل نتفٍ من أباطليه وانحرافاته.
طرفة لا تخلوا من غباء
قال أحد الشهود: شيخنا لقد حذرته أنك مرتد مثل سليمان رشدي مؤلف “آيات شيطانية” فقال لي لا..لا أنه محكوم عليه بالقتل. فقلت له: أنت كافر، فقال: ذلك أهون.
تبسم الجميع ما عدا الشيخ البلغة فلم يتمالك نفسه وأطلقها ضحكة مدوية. فنظر سماحة الأستاذ في عينية فكفّ عن الضحك.
أنظر معي عزيزي القارئ إلى هذا الغباء المفرط، يريد الفرار من حكم الإرتداد فيقع في حكم الكفر!! نعم من يفوته مثل هذا كيف لا ينخدع وينحرف!!
عودة إلى الحوار
سأل سماحة الأستاذ المنحرف: ماذا يوجد عندك من كتب دينية؟
فأجابه: يوجد عندي الرسالة الصلاتية للبحراني، والفقه الميسر للسيد الخوئي فقط.
وهنا استأذنت سماحة الأستاذ بالمداخلة فأذن لي.
فوجهت له سؤالاً: وماذا عن كتب الضلال، كتاب كذا، وكتاب كذا… فأسقط في يده.
شيخنا هل تريدها الآن، أنها معي في سيارتي؟
فقال: لا… في وقت لاحق سأراها.
دار سماحة الأستاذ للمنحرف ووجه له سؤالاً آخر:
فقال: لا. يوجد عندي من كتبهم شيئاً.
فكّلمه سماحته بلطف: إذن كيف وصلت إلى ما وصلت إليه من عقيدة دون محاكمة للأفكار.؟!
إن أكبر سبب للانحرافك هو هذا التعجّل مع ضم عدم امتلاكك للمقدمات لهذا العلم.
أنك لست من أهل التخصص، وقد أدليت بدلوك فيه.
نصيحة أبوية أخيرة
والآن يا ولدي: عليك أن تستفيد من هذا الدرس وهذه المحنة، وتتخلص من ماضيك وكذا هؤلاء المنحرفين الذين جعلوا منك متراساً لجبهتهم المتهدئة إن العالم اليوم يُقبل على الإسلام وأنت تخرج منه؟!
هلاّ فكرت ملياً في سقوط امبراطورية الإلحاد، وأنها لم تصمد أمام الفكر الرأسمالي، فكيف تصمد أمام الإسلام؟!
هل تعرف حكمك الوضعي الآن؟
عليك أن تقضي ما فاتك من صيام وصلاة طيلة تلك الفترة التي هجرت فيها الأحكام، وأن تصلّي في مساجد المسلمين. فأنت مهدور الدم في الحقيقة والواقع وتوبتك مع الله فقط، ولن نعترف بتوبتك في الظاهر مع أن هناك رأياً فقهياً آخر يقول: توبتك لا مع الله ولا مع جماعة المسلمين.
وإذا أردت أن ينقى فكرك من الإلحاد والإنجراف أن تبتدأ بقراءة الكتب الميسّرة التي تشرح الإسلام ومعالمه، وحينها ستعرف أنك كنت في وهم خدّاع رسمه لك عّمال مستأجرين لترويج بضاعة كاسدة وأن حياة الإنسان لا تستقيم إلاّ بالتوحيد الخالص والإيمان بأنبيائه وكتبه ورسله وملائكته واليوم الآخر.
حاول يا ولدي فأنت على الفطرة مولوداً.
وأنت يا حجي عباس: أين أنت من ابنك، هل وظيفتك تكمن العلف على هذا الشاب.
اعط ابنائك من وقتك قليلاً، وراقبهم مع من يسيرون ويصاحبون.
وإذا لم تر أي تغير منه ارم بأثاثه وثيابه إلى الشارع وتبرأ منه، فإنه لن يغن لك من الله شيئاً وسف تحاسب حساباَ شديداً على حمايتك له والدفاع عنه. فقال: إنشاء الله أفعل يا شيخ.
وأمر ابنه بقول: انشاء الله اتخلّص منهم وأعوذ لرحاب الإسلام. فقالها متماثلاً.
وبعد توديع سماحة الأستاذ حرسه الله تعالى: أشار عليّ بالبقاء في المجلس. فلبثت إلى أن خرج الجميع فقال: أبا هاشم شدّد عليه وضيق عليه الخناق فإن فيه مكراً ودهاءً يحسب أنه قد خدعنا وهو لا يعلم بأنا قد تصدينا لمن هو أدهى وأمكر منه.
فقلت له: على السمع والطاعة.
وبعد ليلة مضنية زارني الأب الموتور يريد الصفح عّما بدر من ابنه، وانه مستعد للاصطحابه لتقبيل جبهتي!!
فقلت له: يا حجي عباس: إن الأمر أكبر من ذلك بكثير إنه ليس من قبيل ضرب ابني حتى اصفح عنه أسامحه أو أتنازل عن الدعوى أمام القضاء.
لا يجوز لي التهاون في ذلك، أنه أمرُ يتعلق بالعقيدة، وأن فعلت ظلمتُ نفسي وعاقبني الله تعالى. فاهتم بإبنك وأذهب لأقرانه وهددهم بعدم مصادقتهم له، وإلاّ حاربتكم مثل محاربة السيد له ولكم. ثم ودّ عني ، و لا أدري أهل قام بما أوصيته به أم لا؟
ظلام الليل لا يحجب كذب المنحرف
وفي ذات الإسبوع رحل إلى وادي برهوت رئيس كوريا الشمالية، وأقامت السافرة الكورية حفل تأبين لعبد اطادة، وحضره جمع من المغفلين المنحرفين من اتباع هذا الخط المنحط. وكان بطل الإنحراف في قرية المصلى من جملتهم بالطبع، وهو الذي قطع وعداً كاذباً أمام سماحة الأستاذ المدني حرسه الله تعالى بطلاق هذا الخط المنحرف طلاقاً بائناً لا رجعة فيه.
وإن ليظن بأن جنح الظلام سوم يكون حاجباً عن استمراره في مواصلة درب الإنحراف، ولا يعلم بأن الله فاضحه في صبيحة ذلك اليوم، وإن حدس سماحة الأستاذ كان في محلّه.
انكسار قيد المقاطعة
حدثت فصول قصة الإنحراف في أواسط عام 1993 تقريباً والجميع على عهد نبذ ومقاطعة المنحرف إلى أن أطلّت علينا محنة 1994 “الفتنة البرلمانية” وبسبب اختلاف الرؤى الشرعية والسياسية بين أبناء البيت الواحد كسر طوق المقاطعة المفروض على المنحرف وجماعته سامحهم الله تعالى وانفتحوا عليه واجتمعوا به، تبعاً لطروحة جواز التنسيق والإتلاف مع المتعلمنين واليساريين في تحقيق المطالب الدستورية، والكاتب يتبع في الخط الشرعي والفكري سماحة الأستاذ العلامة الشيخ سليمان المدني سلمه الله وهو القائل بعد الجواز، كل ذلك كيداً ومكابرة وهم العالمون بحقيقة الرجل وما يمثّله من انحراف.
لقد احيوه من جديد بعدما قُبر، ولا أعلم مدى السموم التي نفثها في عقولهم. وهو الآن يتصدر أسم جمعية سياسية يسارية المعالم والفكر.
وحتى أن البعض من كسروا قيد المقاطعة يصرح غير مستحٍ بأنه قد تاب وهو أنفع لنا من هذا السيد الذي مللنا من محاضراته عن أحكام غسل الجنابة والغيبة وهو الآن يسرح ويمرح في أوساطهم وكأن شيئاً لم يكن وربما في يوم من الأيام –ليس ذلك ببعيدة أن يصبح رادوداً حسينياً في موكب العزاء، أو رئيس مأتم-!