لماذا نحن محرومون من فيوضات الصلاة
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الأعلام واللعنةُ الدائمة على أعدائهم إلى يوم القيامة
لماذا نحن محرومون من فيوضات الصلاة؟! لماذا لا تظهر الآثار العملية لصلاتنا؟! ما هو الفرق بين صلاة سلمان المحمدي رضي الله عنه وبين صلاتي وصلاتك؟! فالرب واحد والقبلة واحدة واللفظ واحد…………..الخ من المشتركات.
* سنحاول الإجابة على هذه الأسئلة الثلاثة بقدر الوسع والطاقة:
الفارق واضح بيّن، أنه قلبه الذي يفترق عن قلبي، قلبه الخاشع المتوجه إلى القبلة الحقيقية وهو الله تقدست أسمائه وهيامه في حب الله عزوجل، وأما قلبي وهيامي وعشقي لتفاهات الدنيا ومتعلقاتها من المال والجاه والولد والزوجة والعشيرة..الخ فيفترق عن قلبه بالتأكيد وقد يقول قائل أن البهارج الدنيوية التي عندنا لم توجد في زمانه فلا فخر، وهذا كلام لا يستقيم، فماذا تجيب عمن انحرفوا عن خط الرسالة من أجل مجد الدنيا وزعامتها وزووا أهل بيت العصمة والطهارة عن مراتبهم التي رتبهم الله فيها وهي الإمامة المعصومة والامتداد الإلهي للنبوة الخاتمة؟
هم كانوا يصلون خلف أشرف مخلوق، يأتمون بسيد الكائنات محمد (ص) وهو معهم كذلك بالطبع فلماذا تحصص لحصة وتحصصوا لحصة أخرى.
لا أريد أن أمثل بمولى المتقين صلوات وسلامه عليه فعليّ وشأنه، وإنما مثلت برجل لا يمتلك العصمة المطلقة بل النسبية والتي بإمكاننا أن نصل إليها.
سلمان المحمدي (رض) صلى الصلاة الحقيقية لله عزوجل فتجلت فيوضات الرب عليه بواسطتها نال الدرجة العاشرة من الإيمان، والتي تشير الروايات أن أبا ذر لو علم ما في قلبه لقتله وبالعكس، لقد ظهرت آثار الصلاة على جوارحه عملياً فكان أمة لوحده.
وقف مع الحق.. مع إمام زمانه أمير المؤمنين وأصبح من خواصه فنهل من بركات علمه وورعه وتقواه.
*لا يغتاب المؤمنين.. لا يحمل ذرة حقد على أحد.
*لا يسعى بالنميمة بين الأخوان.
*لا يكذب حتى في الموارد التي تسوّغ له الكذب.
*يسعى لصالح الناس وتهمه وحدة المسلمين.
*لا يستعمل قاعدة الغاية تبرر الوسيلة كما يستعملها السياسيون اليوم.
*منح قلبه للناس كل الناس فيبكي على اليتيم، ويتألم للعاصي، ويدعو له بالهداية والصلاح.
وتعال معي وقارن بين صلاتنا وصلاته:
*صلاة روتينية كأنها عادة اعتدنا عليها، أو كأنها جبل ثقيل، نؤديها بملل وكسل.
قد تسلم من جهة الشرائط والأركان، لكنها ربما لم تكن مجزية ولم يقبل منها شيء وإذا قبل فربما ربعها، صلاة لا روح فيها مشحونة بالآفات من قبيل العجب والرياء والمنة على الله سبحانه وتعالى.
قلب يطير به الخيال مثل الطائر تماماً يحط على غصن ويطير إلى آخر، مرة يطير القلب جهة المحبوب الدنيوي.. وإلى السوق.. وإلى العمل.. وإلى المشروع التجاري.. وقد يصل إلى حد التفكير في الوسيلة للانتقام من الخصم.
نحمل دنيانا على صلاتنا.. نقف بين يدي الله تبارك وتعالى.. وأعيننا على الهواتف النقالة.. نفتحها بالتكبير ونختمها بالتسليم، أما ماذا قلنا في ركوعنا في سجودنا في تشهدنا لا ندري ما هي المعاني التي ترمز لها تلك الألفاظ الربانية.. لا نفقهها.. لماذا؟!
الجواب: لأن القلب متوحش متنفر غارق في حب الدنيا.. فأنى له بالخشوع والتفكر في المعاني.. كي تظهر بعد الصلاة؟ والذي يظهر هو العكس..
القرآن المجيد يخاطبنا ويقول ((إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر)) ولسان المعصوم (ع) يردد (ليس منا من لم تنههُ صلاته عن الفحشاء والمنكر) ونسعى جاهدين وبكل أسف لارتكاب المنكر وفي أقدس الأمكنة(بيت الله) الذي من المفروض أن يكون محل التهليل والتقديس له، نحارب صلاة الجماعة ونهتكها بصلاة الانفراد ونقوم بتفسيق إمامها لمجرد أنه اختلف معي في شأن سياسي، ونكيل له التهم الجزاف، بل ونقف للناس ونمنعهم من الصلاة حلفه، أو ليس هذا من المنكر؟! وهل يوجد منكر أعظم من محاربة شعائر الله؟!
فأين روح الصلاة؟ وأين أثرها؟ هل يعقل أ، تمر سنين الإنسان حوالي ستين عاماً أو أقل أو أكثر.. وصلاته تكون له خصماً يوم القيامة؟!
إنها تتجسد يوم القيامة وتقول لصاحبها إن كان يؤديها كاملة من حيث الصحة والأجزاء ضيعتني ضيعك الله، كما هو مؤدى بعض الروايات عن أهل العصمة والطهارة عليهم السلام.
إذن: الصلاة يمكن أن تصبح مظهراً من مظاهر الكمال وتنتشل الإنسان من حضيض البهيمية الحيوانية إلى سمو ومصاف الملائكة المقربين بل أرقى وأفضل.
والصلاة يمكن أن تصبح مظهراً من مظاهر التسافل الإنساني، وتجعل من الإنسان الذي كان من المفروض أن يكون خليفة الله في أرضه إلى مصاف الحيوانية والضعة والخسة بل أدنى وأرذل.
ونمثل للأول: بحبيب بن مظاهر (رض) ناصر الحسين عليه السلام فإنه صلى الصلاة الحقيقية منذ أن عرف الإمام علي والإمام الحسن عليهما السلام إلى يوم جنة استشهاده وعيد ميلاده الحقيقي وهو الفناء تحت راية المظلوم الشهيد مضرجاً بدمائه فنال الحظوة عند الله والثناء العاطر الجميل في دار الدنيا.
ونمثل للثاني: بعمر بن سعد الذي يؤدي مجرد طقس من طقوس الإسلام بقلب أجوف حاقد يفكر في الرئاسة ليل نهار، فأعماه حب الدنيا عن حب أوليائه عليهم السلام فأقدم على أبشع جريمة في التاريخ وهي زعامة الجيش الأموي الذي قتل الحسين الشهيد والصفوة من أهل بيته وأنصاره أشد قتلة، ولم يكفه ذلك حتى رض الجسد الشريف بحوافر الخيل.
إن صلاته لم يكن فيها معبود حق حقيقي، بل معبود دنيوي (الزعامة وملك الري) والذي يقول التاريخ أنه خسرها أيضاً، فلذلك لم تفده نداءات ضميره بالتوقف عن تلك الجريمة الشنعاء.. فكان أول من رمى مخيمات الحسين وكان آخر من أسدل الستار على مسرحية جريمته إذ أمر برض الجسد الشريف روحي له الفداء.
ما هي خاتمة صلاته الجوفاء؟ خسر ملك الري.. وأحتز رأسه المختار خسر الدنيا والآخرة.. ولم يخلف ورائه إلا اللعن من الله والملائكة والناس أجمعين إلى قيام يوم الدين.
وأخيراً فإذا أردنا تظهر فيوضات الصلاة وتؤثر أثرها العملي فينا فعلينا أولاً: أن نجتاز مرحلة عشق الصلاة التي هي معراج المؤمن كما في الحديث الشريف.
ولكن إذا كان براق العروج إليه سبحانه بجناح هزيل أو عين عوراء فإنه لن يصل حتماً.
وثانياً: أن نعرف أمام من نقف؟
وثالثاًَ: من نحن؟
ورابعاً: ماذا تريد الصلاة منا أن نكون؟
إلهي منّ علينا بصلاة الخاشعين.. وأنر قلوبنا بأشعة ضياءها فنحن المساكين الذين لم نعرفك حق معرفتك، وأجعلها دليلاً لحبك وحب من يحبك وادفع عنا بلطف عنايتك الوسواس الخناس فإنه قد تصرف فيها، ونصب لنا شراكه وفخوخه وصدنا عن سبيلك.
والحمد لله رب العالمين
سماحة السيد جميل المصلي