الامسية الثانية كيف نلتقط درر مائدة الله عز وجل ونرتبط به حبا له _ الجزء (2)

وها نحن نلتقي وإياكم مرة أخرى في موعد إيماني جديد
نلتقط فيه معكم ما نستطيع التقاطه من درر ويواقيت مائدة الله تبارك وتعالى لنفوز
بالنفحات الربانية ، والجوائز الدنيوية والإخروية على السواء ، ونتهيأ ونتعبأ لليلة القدر العظيمة ونحن في حال أحسن من هذا الحال من حالاتنا المعنوية وبذلك نقتنص ألطافها

2_ تبادل الحب بين الله عز وجل وبين المخلص من عباده

وهو تبادل يأتي بعد تخطي مرحلة الصدق في أصل دعوى الحب من الإنسان المريد القرب من الله تبارك وتعالى في حبه عز وجل ، وإلا فإن المولى سبحانه لا توجد بينه وبين خلقه عداوة شخصية ، أو محسوبية كي يعطي هذا ويحرم ذاك ، والخلق كلهم عياله كما ورد في النص ، والمائز في بغض المولى تعالى لبعض خلقه ، وحبه للبعض الآخر هو مدى قابلياتهم إلى أي ضفة ينتسبون ؟!.

فإن كانوا يرتعون في طاعته وحبه فلهم الكرامة والبشرى ، ومنها تلك العلاقة التبادلية الشبيهة بالقاعدة الكلية : إذا قدمت يا عبدي نسبة 20% من الحب والقرب فإني أقدم نسبة 40% ، وإن راوحت مكانك لا إلى الوراء ولا إلى الأمام من نسبتك لا أقدم لك ما زاد على 40%

ويمكن أن يقال بتعبير أفضل: يا عبدي لقد وضعت لك درجات القرب والحب إلى ما نهاية ، فأنت وما تقدمه من دعاوى الحب والقررب . فإن صليت لي بإخلاص وناجيتني شوقا شهرا كاملا أعطك الدرجة العاشرة من الإيمان ، وإن صليت وناجيت وسلمتني أمورك كلها ولم تر في الوجود فاعلا ومؤثرا إلا أنا أسبغت عليك محبتي وصرت لسانك الذي تنطق به ، ورجلك التي تمشي بها ويدك التي تبطش بها ، تقول للشيء كن فيكون وأقول للشيء كن فيكون . ويمكن أن تجتاز عقبات نصف عمرك بليلة واحدة تبادلني فيها الحب الذي هو سمة المخاصين _ بالفتح على اللام _ من عبادي الذين استخلصتهم لنفسي أي اجتبيتهم لمناجاتي في العتمات والأسحار كما خاطبت كليمي موسى (وأنا اصطنعتك لنفسي).
أنا أشعل جذوة أنسي في قلبك لتذكرني آناء الليل وأطراف النهار ، ويهيمن حبي على روحك فتعبدني حق عبادتي.

وبهذا العرض السخي من الله تبارك وتعالى لعبده الصادق في دعواه تتم الصفقة ، والرابح الكبير فيها بالتأكيد هو ذات العبد ، ولا يقال عنه سبحانه وتعالى ما يقال في الصفقات التجارية الدنيوية بين المخلوقين .

( رست المناقصة بين زيد وعمرو على مبلغ قدره كذا )
وذلك لإنها صفقة مادية بحتة بين الطرفين ، أي تبادل منفعي.
اما في حق الله تبارك وتعالى فلا يجوز أن يقال : أنه يراعي مصلحته ، لإنه المتفضل ابتداء أصلا ومنه الفيض المطلق.
فالعبد عبده.
والتوفيق توفيقه عز وجل.
والمنزلة الموهوبة منه تعالى.
وقلب العبد المحب هو خالقه عز أسمه.

وكيف كان فمجمل الصفقة عائد مردودها على العبد ، وان الله تعالى ( لا تضره معصية من عصاه ، ولاتنفعه طتعة من أطاعه كما قال مولى المتقين علي (ع).

وهنا أقدم لكم أعزتي : مادة تلك الصفقة أ أو ذلك التبادل ، وبمعنى آخر الأرضية التي ينطلق منها المتبادل مع الله تعالى ، ليفوز بعائد الصفقة دنيا وآخرة.

المادة:
الذكر بمعناه الرحب الأعم المترامي الأطراف والذي ليس له سقف معين أو محدد
أعم من أن يكون صلاة سحر ، أو مناجاة في أمر عسر ، أو سجدة طويلة في آخر الليل ، أو سجدة شكر متأملة قبل النوم ، أو تسبيح أو تهجد أو بكاء وتوسل ، نهاري أو ليلي ، لساني أو قلبي.

ولن اتخطى من كلامهم نور (صلوات لله وسلامه عليهم أجمعين) فهم ملوك الكلام ، وصاحب القلم المكسور لا يساوي مداد حرف واحد من بديع ما ينطقون.

* عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : علامة حب تعالى حب ذكر الله.
*عن مولانا الصادق عليه السلام: حب الله إذا أضاء على سر عبد أخلاه عن كل شاغل.
* وعنه (ع) أيضا: إذا تخلى المؤمن من الدنيا سما ووجد حلاوة حب الله ، وكان عند أهل الدنيا كأنه قد خولط ، وإنما خاط القوم حلاوة حب الله فلم يشتغلوا بغيره.

م\ بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج70

وبذكر الله عز وجل تتأكد العلاقة بين الحبيب ومحبوبه ، وتتأصل ، ولكن كيف يمكن للمحب ن يعرف منزلته عند حبيبه؟.

بهذا النص الجامع المانع والذي لو كتب بماء الذهب وعلق على أستار الكعبة ما انفتل ناسك من طوافه .

(كان في ما أوحى الله تعالى إلى داوود : يا داوود ابلغ أهل الأرض أني حبيب من أحبني ، وجليس من جالسني ، ومؤنس لمن آنس بذكري ، وصاحب لمن صاحبني، وما أحبني أحد ، أعلم ذلك يقينا من قلبه ، إلا قبلته لنفسي ، وأحببته حبا لا يتقدمه أحد من خلقي . من طلبني بالحق وجدني ، ومن طلب غيري لم يجدني ، فارفضوا يا أهل الأرض ما أنتم عليه من غرورها ، وهلموا إلى كرامتي ، ومصاحبتي ، ومجالستي ، ومؤانستي ، وآنسوني أؤنسكم ، وأسارع إلى محبتكم)

م\بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج70

أقول : طوبى لمن أعد واستعد لعقد مثل هذه الصفقة المجانية والمقدمة على أطباق من ذهب من الله تبارك وتعالى ، عقدها مع المولى عز وجل في سوق طاعته في شهر تتضاعف فيه الأعمال وتغلق فيه أبواب النيران ، وتفتح فيه أبواب الجنان .

_____________

نماذج قدسية معبرة عن صفقة التبادل القربي

* من كتاب روضة المحبين ونزهة المشتاقين : قيل أوحى الله تعالى إلى داوود (ع) قل لشبان بني إسرائيل : لم تشغلون نفوسكم بغيري وأنا مشتاق إليكم ؟ ما هذا الجفاء؟!.
لو يعلم المدبرون عني كيف انتظاري لهم ورفقي بهم ومحبتي لترك معايهم لماتوا شوقا إلي. وانقطعت أوصالهم من محبتي ، هذه ارادتي للمدبرين عني ، فكيف إرادتي للمقبلين علي؟.

* في المحجة البضاء للمتاله الكاشاني قدس سره الشريف: يا داوود تحبب إلي بمعاداة نفسك بمنعها الشهوات ، أنظر إليك ، وترى الحجب بيني وبينك مرفوعة ، إنما أداريك مداراة لتقوى على ثوابي إذا مننت به عليك ، واني اخفيه وأنت متمسك بطاعتي.

* في بحار الأنوار للعلامة المجلسي قدس سره الشريف ج14 عن مولانا الصادق (ع):
إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى داوود (ع) :
مالي أراك وحدانا ؟!.
قال:هجرت الناس وهجروني فيك.
قال :فما لي أراك ساكتا ؟!.
قال : خشيتك أسكتتني.
قال فما لي أراك نصبا ؟!.
قال : حبك أنصبني.

أعزتي \ تأملوا معي جيدا في تلك الأسطر النورانية تجدون:
ان ابتداء التبادل صادر من المولى تبارك وتعالى ، وهو أصل الصفقة ، وهو عز وجل يعرض بضاعة الحب في سوق خلقه ، ويريد مشتر نزيه ليجري معه عقد العشق ليسبغ عليه ثمراته ويفوز بالتجارة الموفاة الكيل من الكريم المطلق.

أيا محبوباه\ إننا لا نجازف في المتاجرة معك مع علمنا بصفاء ونقاء بضاعتك ، بينما لا نستنكف أن نتاجر مع قاطع طريق معرفتك الشيطان الرجيم مع علمنا بخسارة المتاجرة معه قبل توقيع العقد؟؟؟!!!!.

قد حجبتنا أعمالنا عن السعي عن نيل حظوظنا للسعادة الأبدية ، وهي الطامة الكبرى: أن لا يعرف الإنسان مصلحة نفسه إلا بعد فوات الأوان ، ولن يعرفها إلا يوم يشاهد ببصره الحديد جوائز الرابحون يوم يقوم الناس لرب العالمين ويقول:
(يال ليتني تبادلت ورابحت مع الله تعالى ولم اتخذ فلانا خليلا الذي أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني).

وهل ينفع حينها التأوه والندم؟.

إذن: ما يزال في مائدة الله الثرة متسع من الوقت لإيجاب عقد جديد مع الله تبارك وتعالى ، ليفوز المرء بهبات ومنح الكريم المطلق ، سواء المادية منها أم المعنوية.

وقافلة الأبرار مسيرها طويل ………وتنظر بشوق أفواج المسافرين على أجنحة محبة حبيب قلوب الصادقين …. عبر محطة شهر رمضان الكريم.

_____________
شهر رمضان العظيم فرصة ثمين لإيجاب عقد الحب مع الحبيب تتبارك وتعالى

أحبتي\ إذا تأكدتم بأنكم مؤهلين لدعاء حب الله تعالى وصدقتم في دعواكم ، وذقتم حلاوة محبة مولاكم ، فإنه موجود على الدوام لعقد صفقة الحب ، ولكن من خلال شهر المناجاة ، فهو من أفضل الشهور عند الله تعالى ، وكلما شرف زمان العقد شرف العقد بالتبع ، وشرفت متعلقاته.

وكما تعلمون فإن هناك عبادة امتثالية وأخرى أمتن وأسمى وهي العبادة العشقية كما قدمت لكم في الأمسية الثانية.

ومن أجرى عقدا عشقيا تكون همته أكبر من ذلك الذي يمتثل لمجرد الأمر وينتهي لمجرد المنع .

فهمة العاقد العاشق لا تروم وراءها متعلقات جنة النعيم .
بل المراد من ذلك العشق وذلك الحب هو الإلتذاذ المعنوي للكمال المطلق والإستيحاش من النقص والعدم.

اما همة المتاجر الله تعالى على نحو المتاجرة الدنيوية:
(اعبدك امنحني حورية)؟!.
فهي حظنا مع بالغ الأسف.

ولكن ذلك لا يمنع من أن نحوم حول الحمى ونشم أطياب رائحة شهر المكرمات والفضائل ، نمني أنفسنا على الأقل ، فرب واحد منا يسقط في ذلك الحمى ويتمرغ بعطر روحانية شهر ه الكريم ، وتناله حسنى حب اله تبارك وتعالى له ويكون مورد العناية الربانية الخاصة .

ولكن أنّى لنا نحن أسرى الشهوات أن نستذوق لذائذ مائدة الله عز وجل ، ونجني من دررها ويواقيتها ما يرفع رؤوسنا غدا عند خالقنا ؟؟!

إلهي من علينا نحن عمي القلوب ببارقة ألطافك لتنشد سيفونية حبك ، وتهجر بيت النفس ، وتهاجر إليك بقلب سليم ……. وتعبد حق عبادتك آمين آمين يار رب العالمين بحق محمد وآله الأطيبين الأطهرين.

على موعد إيماني جديد إنشاء الله تعالى

سيد جميل المصلي

... نسألكم الدعاء ...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *