بقلم : سماحة الشيخ سليمان المدني
تعتبر اتفاقيات وقف اطلاق النار بين العربي واليهود فلسطين عام 1948 وعام 67 بطالة من وجهة النظر الفقهية الإسلامية، فالعناصر التي يتحتم توافرها في أي معاهدة هدنة لتكون ملتزما بها في الشريعة الإسلامية وواجب تنفيذها ليست متوفرة لهاتين الاتفاقيتين ولذلك فمعاهدة الهدنة عام 48 واتفاقية وقف اطلاق النار عام 67 لا يجب الوفاء بها ولا تعتبران ملزمتين للعرب. ولبيان ذلك لا بد من ذكر الأركان الضرورية في عقود المهادنة في الشريعة الإسلامية. إن أية معاهدة بين المسلمين وبين غيرهم تستدعي ترك القتال أو ايقافه يجب ان تحتوي على أركان ثلاثة هي: المصلحة والمدة، وحفظ حقوق المسلمين الذين سيكونون داخل حدود العدو.
1. إن أية معادة للمهادنة لا يجوز توقيعها إلا بوجود مصلحة فيها للمسلمين وإن هناك ضرورة تستدعي ذلك، مثل ما إذا كان المسلمون في ضعف بين لنقص الأسلحة أو قلة العدد، او يكونوا قد ابتلوا بعدو آخر يريدون التفرغ له أو حدثت في بلادهم فتن لا يتمكنون معها من مواصلة الحرب. وأمر النظر في تقدير المصلحة راجع إلى رئيس الدولة أو إلى رئيس جبهة الثغر الموكل من قبل رئيس الدولة (المبسوط للطوسي ج ، ص 56 وتحرير الأحكام للحلي ص 152).
2. لا بد من ذكر المدة في المعاهدة فلو لم تذكر المدة في اتفاقية الهدنة كانت باطلة من أساسها ويعلل الفقهاء ذلك بأن المعاهدة التي لم تحدد تقتضي التأبيد وفي ذلك اعتراف بحدود العدو الأمر الذي يضيع حق المسلمين.
ولكن هل هناك مدة قانونية لا يجوز تخطيها في عقد المعاهدة العسكرية أم لا؟ الفقهاء في ذلك فريقان: فريق يرى أن هناك مدة معينة لا يصح تخطيها في عقود المهادنة وأنها أربعة أشهر عند قوم (المبسوط ج 2 ص 57) وعشر سنين عند آخرين (تحرير الأحكام ص 152) وفريق آخر على أنه لا توجد مدة محددة لذلك بل الأمر متروك للقائم على مصالح المسلمين. الذين حددوا المدة بأربعة أشهر احتجوا بقوله تعالى (فسيحوا في الأرض أربعة أشهر) والذين حددوها بعشر سنين احتجوا بمعاهدة الحديبة حيث كانت مدتها لو أن قريشاً وفت بها عشر سنوات.
أما أولئك الذين مالوا عدم وجود مدة قانونية ملزمة وأن الأمر متروك للظروف يرون أن هذه المدة المذكورة إنها تفيد في إثبات المبدء لا في تعيين مدة لا تخطيها بحال ويستشهدون بمعاهدة الرسول لبعض بني قريضة حيث جاء فيها ونتترككم ما شئنا ولاجماع الفقهاء على صحة المعاهدة إذا كان حق النقض فيها منوط بإختيار المسلمين وإن لم ينص فيها على مدة معينة.
3. أن تتضمن معاهدة إيقاف القتال تنظيم أحوال المسلمين الذين سيكونون داخل حدود وقف القتال، حتى لا يفتنهم العدو عن دينهم ويتعرض لأموالهم وممتلكاتهم وليأمنوا على أرواحهم. هذه أهم أركان معاهدات الهدنة واتفاقات وقف القتال في الشريعة الإسلامية فهل أتفاقات وقف إطلاق النار بين العرب والصهاينة عام 48 وعام 67 متمشين مع هذه الشروط وبعبارة أخرى هل توفرت هذه الأركان حتى تكون واجبة التنفيذ على الدول العربية بحيث يكون الإخلال بالعهد الذي قال الله فيه (واوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا)؟ لا أظم أنها تامة الأركان من وجهة النظر الفقهية الإسلامية ولذلك فهي ليست ملزمة ولا يجب التقيد بها.
لا أريد هنا أن أتكلم عن وجود المصلحة للعرب في مثل هذه المعاهدات خصوصاً معاهدة 48 مع ما كانت عليه العصابات الصهيونية من القلة العددية بالإضافة إلى الضعف في المعدات لا اريد أن أتكلم عن ذلك مادام تقدير المصلحة قد أوكل إلى من يتولى شأن الدولة. إلا أن هاتين المعاهدتين قد خلتا عن ذكر مدة محددة لوقف القتال كما خلتا من التعرض لتنظيم أمور العرب الذين سيكونون تحت رحمة العدو الصهيوني وهذا الأمران يمكن النقاش فيهما من زاوية فقهية خالصة.
ومعلوم أم معادة وقف القتال بين الدولة العربية وعصابات اليهود لم تحدد إلى أمد معين. وسبب ذلك راجع إلى استغلال اليهود للأعراف الدولية من ناحية وغفلة العرب في ذلك الحين عما سيترتب على ذلك من نتائج سياسية من جهة أخرى.
في ذلك الوقت لم يكون لليهود دولة معترف بها في فلسطين إلا من قبل الدول التي أنشأتها وهي الدول الأربع الكبرى وكان من الممكن أن لا يحصل اليهود على اعتراف سائر دول العالم بدولتهم لو انها ظلت الجوانب غير أن قيام المعاهدة بدون أحد معين مكن اليهود من تحصيل الاعتراف من أكثر دول العالم إذا بوجود الحدود الثابتة الآمنة والمعترف بها من قبل الدول المعاهدة تمت لها عناصر الدولة المعتبرة في الأعراف الدولية وهذا هو ما عناه الفقهاء المسلمون عند الكلام على ضرورة ذكر المدة من قولهم (لأن هذا يقتضي التأييد) في عدم الحرب. والتأييد في عدم الحرب هو اعتراف ضمني بما وصل إليه العدو من حدود. ولو أن وقف إطلاق النار كان محددا بمدة معينة لما توفرت للعصابات اليهودية الحدود الثابتة وبالتالي لم تتوفر لهم عناصر الدولة كما هي مبنية في الأعراف الدولية.
ولما صرنا اليوم مضطرين في حربنا هذه أن نبررها بأن الدولة العربية إنما تريد استرجاع أراضيها التي احتلت بالقوة لكي تحظى بالتأييد والعطف الدوليين.
كما أن المعاهدتين لم تتعرضا لتنظيم شئون العرب الذين سيظلون داخل الأرض التي احتلها العدو المهادن مما مكن اليهود من القيام بمحاولات كثيرة لإبادتهم وتشريدهم واستملاك أراضيهم لإقامة المستعمرات والمستوطنات لليهود الذين يتدفقون على البلاد من الشرق والغرب.
وبعد: فبناءاً على نقص المعاهدتين المذكورتين من أركان التعاهد حسب الشرائع العسكرية في الفقه الإسلامي وهو ذكر المدة وتنظيم شئون العرب داخل الأرض المحتلة والمهادنة عليها تعتبر المعاهدتان باطلتان من أساسهما لا يجب على العرب التمسك بهما ولا الوفاء بتنفيذهما.
المصدر: مجلة المواقف