الرّيف والتطلع للديمقراطية

…وفي مطلع الحياة الديمقراطية اعتبرتني إحدى الصحف المحلية أصفاراً على الشمال، وطالبت بعدم مساواتي مع باقي المناطق في عدد مقاعد المجلس الوطني…

فهل جاء رأي تلك الصحيفة صدفة مع الترجمة العملية التي أعيشها؟ أم هو تنسيق أعلامي يسند الواقع العملي؟!

نعم أنهم ما انفكوا (يرشدونني) إعلاميا وتطبيقاً بالحكمة المأثورة: ((القناعة كنز لا يفنى))..

صدقتهم لآني أنا الجاهل، وهم الدارسون…صدقتهم أنا الفقير، وهم الموسرون..نعم صدقتهم، فلم أطالب على سبيل المثال بإدخال أبنائي في شرف الخدمة العسكرية، ولم أطالب بتسنم مراكز مرموقة في الدوائر والوزارات كغيرهم من المواطنين لأني استكثر ذلك على نفسي كما هم يستكثرون عليّ.. ولاني قرأت في التاريخ بأن طبقة الفلاحين لا يرقون إلى طبقة الفرسان..

ولكن ما رأيكم في أن أطالب برعاية الحيوانات البشرية المتناثرة في الريف، فلعلها تجلب البهجة للسواح والزائرين.. وأوجه نداء إلى كل من لديه رحمة وشفقة الحيوان أن يعمل لإنتشال الحيوان المماثل له من أبناء الريف من الجهل بإنشاء المدارس والمعاهد العلمية، ومن المرضى بإنشاء المستوصفات والمستشفيات.

ما رأيكم لو اعتبرنا الريف حديقة حيوان موسعة فنادينا بردم المياه الآسنة والمستنقعات وشق الشوارع وتنظيفها من القاذورات، وتشييد المنازل الصحية والقرى الحديثة فيها. ما رأيكم أن ننادي بمساواة أبناء الريف مع (الأجانب) القاطنين في الريف في القرى التجارية النموذجية، ليس في كل شيء، فقط نسقيهم من الماء الذي يشربون منه ليس إلا…

كفى .. كفى .. فربما أتمادى في المطالب، وأطالب بإصلاح زراعي أو أي برنامج آخر .. فالمفروض أن أعيش في تقشف.

نعم صبرت على (القناعة ، والتقشف) أو فقل صبرت على الثالوث البغيض (الفقر والجهل والمرض) .. ولكنني أخشى أن لا يمتد صبري على الاستهانة بقيمي وأخلاقي و اعرافي العريقة .. نعم صبرت على الجهل، ولكني أخشى أن لا أصبر عندما يربى ابني وابنتي على غير أخلاقي وأعرافي .. صبرت على المرض، ولكن قد لا أصبر على امتهان كرامتي باسم التطبيب والعلاج..

فإنكم تعرفون بأنني شديد المحافظة على تلك القيم، ولأجلها تحملت الألقاب والصفات المهينة: رجعي، متأخر .. و .. و..

بقلم: عبدالله المدني
المصدر: مجلة المواقف
العدد: 25/8/أبريل/1974م

... نسألكم الدعاء ...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *