محاضرة بعنوان (الميلاد وتحديات العلمانية والعولمة
لسماحة العلامة الشيخ عيسى الخاقاني
30/4/2005مـ – مأتم قائم آل محمد
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, بارىء الخلائق أجمعين والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين وخاتم الأنبياء والمرسلين, الرسول المسدد والمحمود الأحمد الذي سُمي في السماء بأحمد وفي الأرض بأبي القاسم محمد, وعلى أهل بيته الطاهرين الهداة المهديين صلاةً كثيرةً دائمة إلى قيام يوم الدين.
لقد قال الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه الكريم وقرآنه العظيم: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) (الحج:32).
من دواعي السرور والإبتهاج أن أكون في خدمة ساداتنا وإخواننا بعد مضي شهورٍ من هذا العام. هناك رابطة تربطنا مع إخواننا في بلد البحرين هي رابطة الإيمان ورابطة الدين ورابطة الأخوة, ولاشك ان المؤمن ينجذب إلى هذه البلاد لعراقتها وأصالتها ولأنها المركز في نشر علوم النبي وأهل بيته الطاهرين. البحرين كانت تزخر وتزدان بالعلماء والأدباء والفضلاء مما يجعلها بقعةً من البقاع التي باركها الله, ومن الأماكن التي شملتها عناية الله سبحانه وتعالى, فأجدني مسروراً أن أكون في خدمتكم في مثل هذه الأيام _أيام مولد سيد الأنام صلى الله عليه وآله وسلم_ فإن علمائنا يسمون شهر ربيع الأول (ربيع المولد) فكل أيامه ولياليه أعيادٌ بمناسبة ميلاد سيد الكائنات صلى الله عليه وآله في مثل هذه الأيام.
لم يحتفل العالم بنبي أو بمولد نبي إلا بنبيين إثنين, بنبينا الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وبعيسى إبن مريم عليه السلام. على إختلافٍ بين النصارى في يوم مولده _أي مولد عيسى_ بين طائفة الكاثوليك والأرثوديكس ولم يتفقوا على يوم مولده ولكنهم متفقون على أنه وُلد في شهر كانون الأول. الأحاديث التي بين أيدينا تنفي أن يكون مولد عيسى عليه السلام في شهر كانون الأول سواء كان على نظر الكاثوليك أو على نظر الأرثوديكس, فلقد قال الإمام الصادق عليه السلام عندما سُئل عن مولد عيسى هل وُلد في الخامس والعشرين من كانون الأول؟ قال: “لا, ما عرفوا متى وُلد المسيح, لقد وُلد المسيح في الثاني عشر من (حزيران)” وهذا ينفي ما عليه إجماع النصارى من أنه وُلد في الشتاء, والدليل على هذا القول _قول الإمام دليل ولكن يؤيد هذا الخبر_ القرآن العزيز إذ يقول لمريم عليها السلام: (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً) (مريم:25) والرُطب الجني لا يمكن أن يكون في الشتاء, وأهل البيت ورثة علم سيد الأنبياء فهم أعلم بمتى وُلد الأنبياء. غير عيسى لم يُحتفى بيوم ميلاده كموسى عليه السلام او كإبراهيم خليل الرحمن وذلك لبُعد الشقة بين هؤلاء أو بيننا وبين موسى وإبراهيم ولأن في ذلك الزمان لم يهتم الناس بالتأريخ, لم يكن لدى الناس معرفة في ذلك الزمان أن يضبطوا الأحداث والحوادث ليعلموا متى وُلد موسى أو متى وُلد إبراهيم او غير هذين النبيين العظيميين, نعم اليهود عندهم تاريخهم وقد ضبطوه لأنفسهم بعد موت موسى بأحقاب وهو في عامنا هذا 5756, التاريخ الميلادي 2005 والتاريخ اليهودي 5756 عاماً في مثل هذا العام. تأسيس تاريخ الميلاد لم يكن منضبطاً إنضباطاً حقيقياً أي أننا لا نعتقد بأن ميلاد المسيح كان قبل ألفين وخمسة من السنين لأن هذا التأريخ ضُبط بعد إرتفاع المسيح بأكثر من ثمانين عاماً, بعد ثمانين سنة من إرتفاع المسيح عليه السلام ضبطوا لأنفسهم هذا التأريخ ونسبوه إلى ميلاد عيسى عليه السلام, والأخبار التي بين أيدينا تنفي هذا التأريخ لأن الأخبار تقول أن بين إبراهيم وموسى عليهما السلام ألفي سنة, وبين موسى وعيسى ألف سنة, وبين عيسى ونبينا الأعظم صلى الله عليه وآله خمسمائة عام, وبناءً على هذا الخبر الذي عندنا نحن المسلمين نجد أن ضبط تاريخهم الميلادي يكون خطئاً, إذا دققتم النظر وجدتم خطئاً وفارقاً بين التاريخين وقلنا ونُكرر بأن نبينا الأكرم هو صاحب الكُتب السماوية ويعلم متى وُلد إخوانه الأنبياء وهو الذي علمنا أن بين ميلاد عيسى وميلاده الكريم خمسمائة سنة. إذاً عرفنا الآن نبذةً تاريخيةً عن المواليد ونُكرر بأن ليس هناك نبي يُحتفل بمولده إلا عيسى ونبينا الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.
النصارى لم يقوموا بالواجب الحقيقي بالنسبة إلى نبيهم عيسى على نبينا وآله وعليه السلام بالنسبة إلى إقامة الإحتفالات بمولده لأن السبب بإقامة المولد هو الإستيحاء من الحادث أو الإستفادة من الواقعة فنحن نستفيد من المولد علوماً فنسأل: ما هي الإستفادة في إقامة الحفلات بعيد الميلاد؟ ما هي إلا الإنكباب على الأكل والشرب وعلى اللهو والطرب وجهلٍ ونهم وكثرة أُكل ليس غير! عيد الميلاد عند النصارى يحتوي على الأزاهيج وعلى الرقص وعلى الأمور الشيطانية التي لا ترتبط بعيسى أبداً, إذاً ما الفائدة من إقامة هذا الإحتفال الضخم؟ بل إن بعض الدول الإسلامية تُعلن الإجازة والتعطيل في ذلك اليوم! وهذا من باب التبعية ولا نقف عند هذه النقطة, لماذا يحتفل المسلمون بعيد الميلاد ولا يحتفل النصارى بعيد النبي صلى الله عليه وآله؟ لماذا تكون هناك عطلة رسمية في رأس السنة النصرانية ولم يكن عند النصارى مثل هذا بالنسبة لرأس السنة الإسلامية؟ لماذا؟ على ان هذا التأريخ وإنتسابه إلى عيسى قلنا أنه خطأ, هذا التأريخ يسمى تاريخاً رومياً أصح من أن يسمى تاريخاً ميلادياً فهو تاريخ ضُبط ورُتب في روما ولا علاقة له بمولد المسيح. المسيح ماذا كان يُمثل في الأرض؟ كان يُمثل خرق العادة, كان يُمثل الإستثناء للطبيعة. الطبيعة التي وضعها الله بالنسبة إلى الإنسان هو أن يكون الإنسالُ من ذكرٍ وأنثى سواءٌ أكان عند الإنسان أم عند الحيوانات الأخرى بل حتى في الأشجار, لابد من تلاقحٍ يقع بين الذكر والأنثى ليكون النسل متكرراً, وولادة عيسى إستثناء لهذه القاعدة الإلهية المسماة عند الناس بالطبيعية, (هذه قضية طبيعية) هذا مصطلح تسانن الناس عليه وإلا فالطبيعة في الواقع هي قضاء الله هي قدر الله ونظام الله في الكون, سماه الناس الطبيعة, هل أن الإحتفالات بعيد عيسى أو بمولده أثارت هذا الحدث العظيم؟ هل أثارت حدث الإستثناء الآخر بالنسبة إلى تكلم عيسى في المهد صبياً وهو خرقٌ للعادة البشرية؟ هل تعرض قسٌ أو بابا أو راهبٌ إلى ذلك؟ أم أنهم ينشرون الفسق والفجور في مثل هذه المناسبات؟. عيسى كان معجزة في ولادته, معجزةً في حركته, معجزةً في شفائه للأمراض المستعصية بل كان وسيلةً بإذن الله لأحياء الموتى, بل أكثر من ذلك كانت له ولاية في التصرف في الكون بحيث يخلق من الطين كهيئة الطير بإذن الله فينفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله وما إلى ذلك من الأمور المتعلقة بنفس عيسى أو الأمور المتعلقة بدين عيسى, دين عيسى كان يُمثل الرحمة الإلهية, كان يُمثل المحبة حتى عُرف بدين المحبة, الآن النصراني عندما تُحدثه يُحدثك عن المحبة في دينه, ترى هذه المواليد هل أقامت مفاهيم المحبة أو هل نشرت المحبة في العالم؟ هل سعت من أجل نشر الحبة في الشعوب؟ كلا, إن الإحتفال بمواليد عيسى المزعوم إنما هو رقصات لا على خشبة المسرح بل على أجساد الشعوب! ونخبٌ للشراب لكن لا خمرٌ معتق بل من دماء المسلمين والشعوب المستضعفة! إن النصرانية المنتسبة إلى عيسى تُمثل عكس ما ظهر عيسى له وبعكس ما نادى عيسى لأجله, منذ أن قويت شوكتهم حتى الآن هدفهم إبادة العلماء, إبادة الشعوب, إمتصاص أموالهم, الإستيلاء على مقدراتهم وأراضيهم, إستخدام زعماء الناس ليكونوا أذلاء بين أيديهم, هذه مسيرة النصرانية في الأرض, كم من العلماء والمفكرين أحرقوا في النار لا لذنبٍ بل لأنهم كانوا علماء بل لأنهم إستخدموا العقل والفكر, والنصرانية هي ضد الفكر والعقل وتفصل بين الدين والعقل وتقول أن الديم على حدة لا علاقة له بالعقل! لماذا؟ لأن العقل يقول لك أن واحد زائداً واحد زائداً واحد يساوي ثلاثة, هذا هو مفهومٌ عقلي إلا أن النصرانية تقول بأن واحد زائداً واحد زائداً واحد يساوي واحد! هكذا. الكون الناسوتي يعني هذه البشرية لا علاقة لها بالكون أو بالمفهوم اللاهوتي, يعني مفهوم القدرة الإلهية لا علاقة له بالإنسان, هناك عالم يسمى عالم الناسوت وهو الذي يتمثل به بنو آدم وعالم اللاهوت ويعني به الله تعالى وشؤون المولى سبحانه وتعالى, نعني به التوحيد ونعني به صفات المولى وما يتعلق بها, وهناك فرقٌ بين العالمين, بين العالم الناسوتي البشري وبين العالم اللاهوتي, هذا عند العاقل والعقلاء, اما النصرانية فتجمع بين العالمين وتقول أن هناك تلاقحٌ بين العالم الناسوتي والعالم اللاهوتي وتحقق ذلك في السيد المسيح فهو بشرٌ وهو إله, وهو ربٌ وهو إبن رب. إذاً ففصلوا بين العقل وبين الدين, فكل من كان يتحرك نحو العقل يُحكم عليه بالنار, بالإحراق, لا بالسلب ولا بالقتل بل بالإحراق! وهكذا لمّا أن قَويت شوكتهم إستعبدوا الناس وإستعبدوا الشعوب ونهبوا الأموال وغاروا على الوُلدان وهتكوا الأعراض وكل ذلك بإسم المسيحية! فإذا كانت هذه هي المسيحية فعلى الإسلام السلام! هذا ليس من الدين بشيء أبدا, والنصارى في زماننا هذا قياداتهم في العالم لا علاقة لها بالمسيح ولا بالدين ولا بالله سبحانه وتعالى وإنما يركزون على نظريات فلسفية خاصة, تُحركهم أفكارٌ فلسفية كالعلمانية والبروجماتية وما إلى ذلك من الأشياء التي لا يمكننا في هذه الليلة أن نشرحها بل نشير إليها, وبهذا السبب تسلطوا على البلاد وإحتقروا العباد. الآن النصارى دائماً يعلنون الصليبية لقتل المسلمين حتى كأن المسلمين هم المتهمون بما زعموا من صلب المسيح, كأن المسلمين هم الذين صلبوا ما يزعمون أنه نبيهم! هكذا, تركوا اليهود الذين إتهموا بقتل عيسى وعيسى لم يُقتل وإنصبوا على الإنتقام من المسلمين, ومنذ مطلع القرن المنصرم إلى الآن يعاني الإسلام والمسلمين من النصارى ما لا يعاني شعبٌ من الشعوب من أعظم الظلام, حتى من فرعون! لأن فرعون ما كان بهذا العلم, ما كان بهذا التطور, ما كان بهذه الخضارة. هم ينادون بالحرية ويظلمون الشعوب, وينادون بما يزعمون مما يسمونه الديمقراطية وهم أعظم المستبدين, إنهم كذبة وإنهم فجرة وإنهم قتلة الشعوب! فهناك بُعد ساحق بينهم وبين عيسى عليه السلام.
نعود إلى إحتفال المسلمين بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وبمولده الشريف, هناك جماعة يكتفون بذكرى المولد الشريف بإظهار الأهازيج والأشعار والأمور العاطفية كما نجد في الكثير من المناطق, يكتفون كثيراً بذكر الأشعار وبذكر السيرة وقد يستخدمون بعض أجهزة الطرب والضرب على الدف ويقولون هذا هو الإحتفال بالمولد النبوي الشريف!, طبعاً المسلم يفرح بمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم, هذا لا مانع منه, لكن هذا منبعثٌ من العاطفة والعاطفة ما لم تُحَمل بالعقيدة فهي جوفاء, العاطفة ما لم تكون محركة للفكر, محركة للعقل, محركة للعقيدة لا فائدة فيها, إذاً فالذين يكتفون في الإحتفالات النبوية أو بالمواليد النبوية بمثل هذه الأمور لا يصلون إلى نتيجة, نحن علينا أن نستوحي من المولد, نستوحي من شخصية نبينا ما ينفعنا, نبينا العظيم ما كانت أفعال شخصيته؟ قال الله سبحانه وتعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ )(الأحزاب: من الآية21), يعني مثل لنا الله بهذه الآية الكريم ةبالمثل الأعلى لنا, كل شعب وكل فئة لها مثل أعلى والمثل الأعلى هو النموذج المحتذى, هو الهدف للشعب أن يتبع سيرته, أن يستوحي من فكرته, أن ينال من عقيدته, أن يسعى للوصول إليه ولا يصل إليه, فهو الغاية التي لا يمكن الوصول إليها, هذا معنى المثل الأعلى وهو أنك تجعل أحداً أو فكرةً او عقيدة وليس شرطاً أن يكون إنساناً, لا, إما أن يكون إنساناً أو عقيدة. نحن مثلنا الأعلى هو الرسول صلى الله عليه وآله وسلم, والرسول الأكرم ثورة علمية, وثورة فكرية, ثورة وثروة, إذاً فالمثل الأعلى هو المُحتذى الذي يجعله الإنسان أو الأمة أمامه, الأمة تجعل المثل الأعلى أمامها من أجل أن تصل إليه ولا تصل إليه, لأنها إذا وصلت إليه بكل وجوده لا يكون مثلاً أعلى بل هو الهدف ولكن يُستوحى منه ما يُنير الفكر فإذا تحرك فكرنا نحو شيءٍ نفتح باب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لينير فكرنا, نريد أن نبدأً بعملية من العمليات في الحياة الدنيا, نطرق باب رسول الله صلى الله عليه وآله ليفتح لنا آفاقاً وليعلمنا كيف نسير, كيف تكون السيرورة لدينا, كيف تكون الصيرورة لدينا, فهو مُهتدانا وهو مُقتدانا, إذاً فإذا إحتفلنا به لابد من أن نجعله الهدف للوصول إلى الغاية التي هو وصل إليها صلى الله عليه وآله وسلم وذلك من باب قوله تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) (الحج:32).
ما معنى شعائر الله؟ شعائر الله ماذا تعني؟ شعائر مفردها شعيرة والشعيرة تعني العلامة, العلامة التي نصبها الله لتكون ظاهرة في الدين هذه تسمى شعيرة وجمعها شعائر, قال الله تعالى: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ )(الحج: من الآية36) نفس كيفية الإنفاق في الحج أو في غير الحج شعيرة و علامة من العلامات التي أثبتها الله في دينه ليتبعها الناس, إذاً فالإنفاق شعيرة فنحن إنما ننفق بمولد رسول الله صلى الله عليه وآله من هذا الباب, والمشعر الحرام يعني المزدلفة من شعائر الله لأنها ساعة الجمع, وقت الجمع ولذى تُسمى جَمّع, ليلة العيد يجتمع المسلمون جميعاً في مكانٍ واحد من أجل ماذا؟ من أجل أن يجمعوا حصيات الرمي ويذكروا الله كثيراً عند المشعر الحرام. نبينا العظيم ميلاده شعيرة من مشاعر الله تشبه المشعر الحرام من أجل أن نجتمع على كتاب الله, من أجل أن تكون لدينا وحدة كوحدة ليلة العيد في مزدلفة, من أجل أن نتكاتف معاً ومن أجل أن يكون لنا إستعداد لمقابلة العدة. إن جمع الحصيات في ذلك المكان رمزٌ من أجل أن يكون كل مسلمٍ مستعداً للقضاء على العدو, أن يكون مزوداً بسلاح, رومي الجمار رمزٌ من أجل أن يكون المسلم حاملاً للسلاح أمام العدو ليلاً ونهارا, وميلاد نبينا صلى الله عليه وآله وسلم هو رمز من أجل وحدتنا ومن أجل أن نتحد ونكون أقوياء (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ)(لأنفال: من الآية60) والقوة هنا نكرة يعني تتبع الزمان ففي زمنٍ كانت القوة متمثلة بالسيف والرمح والسهم وفي وفتٍ آخر تمثلت القوة بأسلحةٍ أخرى, علينا أن يكون لدينا قوةٌ امام عدونا, من قوة ومن رباط الخيل, ونبينا بميلاده شعيرة من شعائر الله كشعيرة الصفى والمروى )ِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ)(البقرة: من الآية158), والصفا والمروى فيها رمزٌ عظيم, نفس حركتك من الصفا إلى المروة, من المروة إلى الصفا ومن الصف إلى المروة يدل على أن هدفك واحد وأنك لا تضيع وأنك تدوم في دوامةٍ واحدة إن صح التعبير هي دوامة العقيدة, دوامة الإيمان لا تنفك عن صفاء الله وعن مروءة الدين, أنت في هذا القالب وميلاد نبينا صلى الله عليه وآله وسلم يوحي لنا هذا الأمر بأن نكون أصحاب هدفٍ واحد, نبدأ بمكان وننتهي بنفس المكان, البداء بالصفا والإنتهاء بالمروى والحركة بين هذين المكانين يدل على أن الإنسان يتحرك في دائرة التوحيد ليس غير, ليس إلا المبدأ وهو الله, ليس إلا المنتهى وهو الله سبحانه وتعالى, بهذه العلوم نحن نستقبل ميلاد نبينا صلى الله عليه وآله فيمواجهة تلك المدارس العجيبة الغريبة في زمننا هذا, نحن أيها السادة الكرام نُحارب بمدارسٍ علمية وهذه المدارس العلمية هي التي تُحفز أصحابها على حمل السلاح ضدنا ومنها (العلولمة) المشهورة.
العولمة معناها الإستعمار, بصورة طبعاً مختصرة _في هذه الليلة لا نريد أن نشرح هذه المفاهيم لكن نشير إليها إشارة_, هذه العولمة التي إهتز لها أرجاء الكون وحببها بعض المسلمين هم لا يشعرون بالجوانب السلبية فيها, يريدون بهذا المعنى ان تكون جميع الشعوب مُستعمَرَةً لأفكار دولةٍ واحدة, لهدف تلك الدولة, لغايات تلك الدولة حتى تُراثك أيها المسلم, أيها العربي, أيها المسلم غير العربي, يجب أن تتخلى عن تراثك, تتخلى عن تلك الآثار الجميلة في الشعر الجاهلي, تتخلى عن السنة الشريفة بما فيها, تتخلى عن كتاب الله الذي تقدسه لأن هذا كله يدعو إلى التخلف, عليك أن تتقدم وأن تكون للكرة الأرضية وللشعوب كلها ثقافة واحدة هي ثقافة الدولة العظمى’ ثقافة الدولة الحاكمة, ليس لك ان تترنم بأشعار الأسلاف, ليس لك ان تربط نفسك بالأشراف, يجب أن تعيش عصرك وعصرك ماذا يعني؟ أن تخضع للدولة الكبرى التي تملك أعظم الأسلحة وأعظم التكنلوجيا وأعظم المال وأنت يجب أن تخضع لها فإن لم تقبل فسوف نحطمك تحطيما! قطارٌ يمشي فمن ركبه سلِم ومن واجهه حُطِم! لا يواجه هذا القطار إلا بأن نصنع قطاراً مثله أو أحسن منه, قطارنا هو إسلامنا, ان نرجع جميعاً إلى ديننا, يعني هذا امنية كل إنسان ولكن الناس لا يتحركون نحو هذا الهدف, نحن فقط نتكلم أما أننا نعمل في الحقيقة ما رأينا هذا! فكم من حفلات ومهرجانات أُقيمت على هدف بسيط في الدين وهو الإتحاد بين المسلمين او كما يسمونه (التقارب بين المذاهب) ولكن ترى منذ ستين أو سبعين عاماً حتى الآن لما بدأت هذه الفكرة هل رأينا تقدماً شبراً واحداً إلى الأمام نحو هذا الهدف؟ كلا, بل إن المؤتمرين أنفسهم إنما يجتمعون لأنهم دُعوا فأجابوا لا لأنهم يريدون أن يُطبقوا هذا, وهذا شيءٌ واقع وإلا فما هذه الدماء التي تُراق؟! وإلا فما هذه النفوس التي تُزهق؟! وإلا ما هذا التعدي على من يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله؟! الآن المسلمون فيما بينهم يتقاتلون على أي شيء, لماذا المسلم يذبح المسلم؟! لماذا؟, إذاً فالفكرة غير مخمرة في الأذهان, فكرة الوحدة والتوحيد, فكرة إتحاد الكلمة, فكرة أنك على مذهب فلان وأنا على مذهب فلان لا يعني أننا نكون على خلاف وأن نكون أعداء في الدنيا ويقتل بعضنا بعضا, لا!, يلزم ان يقتل بعضنا بعضا! وهذا هو الذي يمشي في الساحة, هذا هو الذي يتحرك نحو الأمام, هذا هو الذي يؤيده الإستعمار, تؤيده الدولة الكبرى التي تريد أن تُفني المسلمين من وجودهم في الأرض, ولكن لا وعي, لا وعي ولا إنسان يُحرك الناس والمسلمين نحو الهدف الأعلى!, الناس في خمودٍ وجمودٍ وركود, الناس في هذا الزمان يريدون أن يعيشوا, أن يلبسوا, أن يأكلوا, أن يشربوا, أن يقضوا مآربهم الأخرى ليس غير, ليس هناك من هدف حقيقي لدى المسؤولين ولدى التابعين على الإطلاق وإلا لنظر الله للمسلمين بنظر الرحمة وحتى الآن لم ينظر المولى إلى المسلمين بنظر الرحمة وإلا لما تفرقت كلمتهم, وإلا لما تبددت أموالهم وإلا لما تصارعوا وتقاتلوا وأُريقت الدماء, هل تتصور هذا؟!, هل رأيت نصرانياً يقتل نصرانياً في كنيسة؟ هل رأيت يهودياً يقتل يهودياً في كنيست؟ كلا, ولكننا نرى في كل يومٍ مسلماً يدعي الإسلام يقتل مسلماً في المسجد, يقتل مسلماً يصلي الجمعة, يقتل مسلماً وهو ساجد!, إذاً هذا هو الذي يريده العدو ونحن ننظر ولا تتحرك لدينا نفوسٌ شامخة وذلك لأننا رضينا بالحياة الدنيا!
لا أثريد أن أُطيل على المؤمنين أكثر من هذا وإنما أردت إثارة الفكر نحو تحقيق الهدف من إقامة هذه الحفلات. هذه الحفلات يجب أن تكون مدرسةً لأجل أن نستفيد منها, لا أن نستفيد منها علماً فحسب بل نستفيد منها عملا, والعمل هو الذي يحركنا نحو العلم والعلم هو المادة.
ونسأل الله لنا ولكم خير الدنيا والآخرة ونشكركم على هذا الإجتماع والسلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته وصلى الله على سيدنا محمدٍ وأهل بيته الطاهرين