عبد الحسين السيد
قرأت هذه الكلمات للمستشرق كاريل فاستوقفني كثيراً وتفكرتُ بها.. وفي نفسي وأمتي الإسلامية والعربية جمعاء.. وهي..
(أما علي (عليه السلام) فلا يسعنا إلا أن نحبه ونتعشّقه.. فإنه فتى شريف القدر، عالي النفس.. يفيض وجدانه رحمة وبراً.. ويتلظّى فؤاده نجدة وحماسة..).
هذه الكلمات البسيطة التي تقرأ من خلالها العفوية بالحديث.. وهذا يعني أن هذا الرجل جاء عفو الخاطر ودون تصنع وهذا لا يأتي إلا بالاضطلاع الواسع لشخصية الإمام علي في بعض جوانبها. وأمير المؤمنين نور بعيد المنال وقمة باسقة رفيعة لا تطال إلا أنه يمكن الاستفادة منها في كل حال.. إذ هو ولي الله الأعظم وحجته الكبرى على أهل الدنيا.. وبولايته أكمل الله فيه الدين الإسلامي الحنيف.. وأتم النعمة على أهل الدنيا كافة وعلى المؤمنين خاصة وذلك بقوله تعالى: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس..).
فبلّغ الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) وبمحضر من 124 ألف حاج كانوا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حجة الوداع وفي موقع يكون فيه مفترق الطرق ويتوزع الحجيج إلى بلدانهم المختلفة فجمعهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ذاك الموقف العظيم وبلّغهم أمر الله بشأن الولاية ونصّب أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) إماماً لهم وللأمة جمعاء.. وأخذ البيعة من جميع من حضر، وبخبخ له الصحابة كما هو معروف ومشهور في كتب التاريخ المعتبرة.
ومنذ ذلك اليوم – وخاصة بعد انتقال الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) إلى الرفيق الأعلى – مازال أمير المؤمنين (عليه السلام) مظلوماً مدفوعاً عن حقه ومبعداً عن منصبه الذي وضعه فيه وهيّأه رسول الله (صلى الله عليه وآله) إليه ومنذ نعومة اضفاره.
فظلمه التاريخ والمؤرخون حين لم يسطروا لنا كل كلماته النورانية ودقائق حياته الشريفة فغمض علينا الكثير من القضايا العلمية من نهجه المبارك.
وظلمه محبوه حينما قالوا: بأن الإمام علي (عليه السلام) هو إمامنا فقط وراحوا يتنازعون المقام والأفضلية وكأنه قطب مقابل أقطاب وهو بالحقيقة قطب دائرة الوجود الإمكاني.. وأنى للبقية الباقية من الصحابة أو غيرهم ان يحلموا بالوصول إلى مقامه العالي.. والكثير منهم اعترفوا بالقصور والتقصير.. والإمام علي (عليه السلام) ليس إمام للشيعة فقط وإنما إمام لجميع المسلمين وإمام العالمين بالحقيقة.. وهو (عليه السلام) أكبر من أن نحجمه بهذا الحجم أو ان نحصره في دائرة التشيع أو حتى الإسلام فقط بل يجب علينا ان ننظر إليه نظرة إنسانية كونية شاملة..
وظلموا أنفسهم أعداءه إذ راموا ان يطفئوا نوره أو ذكره الزكي أو ان يشوهوا صورته – حاشاه – فانطفئوا وخبا ذكرهم، لأن الله يأبى له ذلك ورسوله والمؤمنون.
وفي ذاك اليوم 18 ذي الحجة الذي هو عيد الغدير علينا ان نظهره عيداً إلهياً عظيماً ونظهر فيه الفرح والسرور ونتبادل التهاني والتبريكات على أنه يوم عيد لابل هو من أعظم الأعياد على الإطلاق.
والعيد يعني – فيما يعنيه – منتهى الفرح والسرور بمناسبة مقدسة.. وهل يوجد هناك مسألة مقدسة أكبر من مسألة الولاية العظمى في هذا الكون.
فعلى الأمة الإسلامية أن تلتقي على وجود شخصية محورية كشخصية أمير المؤمنين (عليه السلام) وتستلهم من ذكراه الدروس الوحدوية والتوحيدية لكي تسموا وترتفع من كبوتها وتنتشل نفسها في هذا العصر العصيب الذي اجتمعت عليها الأمم اجتماعهم على القصاع وليس للمسلمين الحول أو الطول أو القوة أو المنعة.. بل كل يوم يزدادون تفرقة وتشبثاً وانقساماً وتناحراً وتباغضاً ينتج الكثير من المشاكل والحروب الأهلية بين أهل لا إله إلا الله.
وما النجاة إلا بالعودة إلى القرآن بشقيه الصامت والناطق.. والتوكل على الله والعمل بإخلاص من أجل الخلاص، وبنهج الإمام علي (عليه السلام) يتم الخلاص ولا قوة إلا بالله