أغرّك دهرٌ بالرجال لعوبُ
ودنيًا إذا ما عاهدتك كذوبُ
فإن واعدتكَ الفجرَ تُخْلِفْكَ بالضحى
وترجو مساءً أنها ستؤوبُ
تُجِّنُ لك الحصباء لؤمًا وخِسَّةً
وتُغْرِيكَ إنّ هبَّتْ عليك جَنوب
وإنَّ مُصافي الدهرِ ما عاش واهمٌ
كساقٍ يروّي القَفْرَ وهو جَدِيب
أتأتمن الدهرَ الخؤون بأهله
وما لك في دنيا اللئام نصيبُ
فما أنْبَتَتْ دنياك إلا مصائبًا
تريك بناتِ الدهر كيف تنوب
وإنْ أمطرت جادت بسجيلِ عصفها
تجفُّ ضروعُ الخيرِ وهي حَلُوبُ
ولا تَرجُ من كأس الأماني تَعِلَّةً
فما هي إلا رَشفةٌ وتَخيبُ
وما هي إلا غفوةٌ وانتباهةٌ
ويعقبها حتى المماتِ لُغوبُ
فلا يرُأبُ الصدعُ المهولُ بمثله
ولا يَطْلبُ الأمر المُحَال أريبُ
وكم جارت الدنيا على من أجَارَها
وما ردعته في الغواية حُوبُ
تقوم عليه ما أقام بأرضها
لها حوله أنَّى استدار رقيبُ
وحَسْبُك أنِّي تعترينيَ خِفَّةٌ
إذا قيل عَنِّي شاعرٌ وأديبُ
كذا أغرَتْ الكِنْدِيَّ يومًا فقالها
“وإنِّي مُقيم ما أقام عسيبُ”
**
مَقَامي مَقامُ الدَّمْعِ حَيثُ يصوبُ
وما ليَ رَبْعٌ مُوحش وكثيبُ
وفي القلب جرحٌ لا أودُّ التئامَهُ
ولا يُرْتَجَى آسٍ له وطَبِيبُ
فما طَللٌ إلا ضرائحُ هاشمٍ
وما الشعر إلا لوعةٌ ونحيبُ
وكلُّ مَقالٍ ما خلا النَّدب نُهبَةٌ
وَسَطْوٌ على حقِّ الهدى وَوُثوبُ
فَذُدْ عن غَدِير الدَّمْعِ كلَّ مجانِبٍ
فما كلُّ منسوبٍ إليه نسيبُ
فهذا عليٌ قد أبيحُ غديرُه
وقام عليه جاحدٌ ونهوبٌ
رَواءٌ بجعل الله كيف تَعاقَبَا
عليه اجتراءً آسنٌ ومَشوبُ
فَدَعْ كلَّ لَغْوٍ قد تَعالى غُثَاؤهُ
فقولُ ابنِ موسَى قاطعٌ ولحوبُ
وإنْ حادك (الريان) لفظًا ومنسبًا
فكلُّ أبٍ يَهوى الحسينَ (شبيبُ)
فَأَسْعِفْ عُيُونِي بالرثاءِ فإنَّها
بدمعيَ مرعًى معشبٌ وخصيبُ
وما أنا بالمُوفِي الدموعَ حُقوقَها
ولو شَجَرَتْ بالوجنتَينِ نُدوبُ
تَجَاسَرْ، ولا تَألَمْ لدمعيَ إن هَمَى
فما هو إلا حسرةٌ وذنوبُ
وفَوْتَةُ حظٍّ لا يعود، وزَفْرَةٌ
على مَنْ أَرَثَّ الدَّهرَ وَهْوَ قَشِيبُ
غداةَ ابن خَوَّاضِ المَنَايَا بكربلا
نَضَا عن حسامٍ للدماء شَروبُ
يَخِفُّ إلى قَرْعِ الجَمَاجِم بينما
له في صدور الدارعين رُسُوبُ
يَرى لَامعاتِ البيض غيدًا وإنَّهُ
متى خاطبته بالصَّلِيلِ طَروبُ
كسا ابنُ عليٍّ صُفْرَةَ الأَرْضِ حُمْرَةً
وَسَدَّ فِجَاجَ الْكَونِ وَهْوَ رَحِيبُ
وَخَاضَ غِمَارَ الحَربِ لا عابِئًا بِها
بِمهرٍ بِوجْهِ القارعاتِ شَبُوبُ
فَتًى قَلبُه جُودٌ وغَيْثٌ وَرَحْمَةٌ
وفي الحرب كالصخر الأصمِّ صَلِيبُ
ولولا قضاءُ اللهِ ما نيل بالظُبى
ولا أدركتْه أسهمٌ وكُعوبُ
ولا عَمِلَتْ فيه نصالُ أميةٍ
وهل نال رِئبَالَ الكريهةِ ذيبُ
وحاشا ينال الكفرُ منه قُلَامةً
فمَا لابن هِنْدٍ في الكتاب نَصيبُ
ولكنَّه لبَّى إلى الله دعوةً
ومن كحسينٍ للسَّماء يجيبُ
فأخلى ركابَ المجدِ وهو مُسوَّدٌ
وعاف طِلَابَ النَّصْرِ وَهْوَ نَجيبُ
وخرَّ بِنفسي، كيف خرَّ على الثَّرى
وفي كلِّ عُضوٍ كَلْمَةٌ وصَبيبُ
وفي القلب سَهْمٌ بتَّ في الصدر ثَغْرةً
تَصُبُّ كما يُجري المياهَ قَليبُ
بنفسي على حرِّ التُرابِ معفرًا
يئنُّ ومِن فيض الدماء خضيبُ
إلى أن أتاه الشِّمْرُ تَبَّ مجيئُهُ
بِوَجهٍ عَلَتْهُ شُوهةٌ وقُطُوبُ
فَأحْكَمَ في نحر المعالي حُسامَه
بضربٍ له الصمُّ الصِّلَادُ تَذوبُ
ومَازَ من الطود الأشم كَريمَه
فحان لشمس الأصفياءِ غُروبُ
وخلَّف في السَّبعِ السَّمَاواتِ حُمْرةً
بها وَجْهُ أُفْقِ المَشرقَينِ كَئيبُ
فإنْ نَحيَه كنَّا دموعًا، وأضلعًا
لها كلَّما صات النعاتُ دبيب
وأفئدةً تعتاشُ بالنَّوحِ والبُكَا
لها كلَّما قيل “الحسينُ” وجيبُ
على الظَّامِئ الصَادِي تُوَلْوِلُ ثُكَّلًا
تمزِّق جيبًا والصدورُ جيوبُ
على الجَسَدِ المُلْقَى عَلَى حَرِّ نَينَوَى
تَجَلْبَبَ ثَوْبَ العِزِّ وَهْوَ سليبُ
كساه إلهُ العرش أشرفَ كُسوةٍ
شهيدٌ زكيٌّ للفداء نقيبُ
فإن نَبْك لا نَبْك المُلِمَاتِ إنْ جَرَتْ
ولا إنْ دهتنا نَكبةٌ وخُطوبُ
ولكن على من أثكل الوحيَ قتلُه
وعاف نَوال الملك وَهْوُ قريبُ
وضَحَّى بنفسٍ من جلال محمدٍ
ملائكةٌ تغدو لها وتؤوب
إمامٌ تقيٌ بالسَّماء مباركٌ
رضيٌّ بحِجْرِ المعجزات رَبِيبُ
إلى الحشر صُنَّا الدمع وقفًا لرزئه
وللحشر يبقى في الصدور لهيبُ
ونُعلي له في كلِّ أرضٍ مناحةً
نقدُّ بها صمَّ الحشا ونَجُوبُ
مآتمُ لا تُقضَى لتقضي حُقوقَه
أوابِدُ كالأعلام ليس تغيبُ
وإن قيل حَتامَ المُقَامُ أجَبْتُهُم
“وإني مقيم ما أقام عسيب”
سنبقى وهذا الحزن نرقب ثَأْرَهُ
إلى أن ينادي(ثائرٌ) فَنُجيبُ
حسين خلف
29 ذو الحجة 1445هـ