قفا لي على من في سلالته السر
ومَنْ ظللته من يد القدرة الخُدر
إلى من طوى فيها لمسكين يومه
ويوما يتيما ثم من ضَرَّه الأسر
بمن خصه الله بأشرف طينة
فكان لنا بالفاضل الأمن والفخر
قفا لي على قبر النبي محمد
وصلوا عليه كلما ورد الذكر
وقولا له يا أشرف الخلق إننا
منعنا عطاء دون أن يبلغ العذر
وقد مسّني عُسرٌ ويعضُدُه الضرُّ
وإنّ عظيمَ الهَمِّ ما أَزَّهُ الدّهرُ
دهتني صروفٌ لستُ أعلمُ كُنْهها
وأعْوَزَني دهري إِذِ انْتَشَبَ العسرُ
وإنّي إذا ما جئتُ طُوسَ تَقَطّعَتْ
نِياطُ هُمومِ القلبِ وانْتَعَشَ البِشرُ
فيا ضامنَ الحاجاتِ جِئْتُكَ راغبًا
فهل رَاغِبٌ عنّي وأنتَ لِيَ الذِّكْرُ
فلا خابَ لا واللهِ مَنْ كُنْتَ ذِكْرَهُ
ولا رُدَّ كَفّاهُ وقد أعْوَزَ الفقرُ
فكم لِيَ من مَوْصولَةٍ طالَ هَمُّها
فَفَرَّجْتَها عَنّي وَما مَسَّني ضُرُّ
فإن تكُ من حاجات دنيا كفلتها
وإن تك للأخرى فقد حُفظ الذخر
فأقسمت بالحي الذي صاغ فطرتي
وفطرة آبائي وسادتي الغُرُّ
وعُذْت بربي أن أجوز بحيِّكم
وأرجع لم يُهدى لراحتي السِّفر
وفي صكه غفرانُ ذنبي وزلتي
وفيه لعيبي عن مُناويكم ستر
وفيه شفاءٌ للأولى في ولاكم
تصافوا فلم يرغوا وفي حبكم بروا
فلا مسهم من دهرهم ما يضلهم
ولا مسهم داء ولا نابهم عقر
وجئنا بمزجاة فأوف لنا الندى
وَكَيْلاً تصدق إنك الواسعُ البحر
فأنت الرضا والمرتضى وابن جعفر
وموسى ولولاكم لما جاز لي الفخر
وما جئت إلا سال دمعي بمحجري
وغص بمصدور من الزفرة الصدر
بحق علي ردها الله تارة
وأُنْسِيَ قلبي جرعة كأسها مر
وأخرى لها حلو المذاق بضنكها
وإن بدت البغضاء والحقد والقهر
فإن عدوي كادني دون علة
سوى أن لي في حب حيدرة سر
وما هَدَّنا يومًا بلاءٌ فما انجلى
سوى ما يساوي في الحشى بُرْدُهُ جمر
فأنّا لنا صبرا على يوم كربلا
وأنّا لنا صبرا وقد أوغلت صخر
ومن أين يأتي الصبر والدم فائر
لألفٍ مضت مازال يُنتَظر الثأر
علام اصطباري أن أرى سحل مسلم
وقد جحدت كوفان وانتشب الغدر
لقد بايعته قبل أن يبلغ اللقا
عشاءً وقد أهدته إذ طلع الفجر
لقد جاءها تغلي وجف نميرها
فأغطف عيش الواحلين فهم نُمر
وكان حميما ماؤهم بصديدهم
فصار فراتا من عذوبته النهر
لقد بايعوه إذ سجاهم عيوبهم
وأسجوا له ضرع المنون فهم كفر
أيوتر من أزكى لهم أُسْنَ ريحهم
فلم يرغبوا إلا بأن ينتن العطر
أحاطوا به والناس تروي لحجهم
ولم يكفهم أن يُبلغ الصدُّ والحصر
وقد بدت الحجاج تسقي لحجها
وما بُلِغَ الهديُ المرادُ ولا النذر
ومسلم لم يروى وأحرم صاديا
وحل له من قبل إحلاله النحر
ولم تُبقِ كوفانٌ طريقا معبدا
ولا سائبا إلا ويحرسه شمر
ضباع لها ناب الخساسة واغل
بأوداج ليث قد أحاطت به السمر
وكانوا إذا جاسوا يخافون بأسه
بغاثا تراعي أن يباغتها الصقر
ولو طلبوا وجها لكان أبادهم
وصار له فردا من العالم المصر
فأحنوا له عِطفا وطَمُّوا حفيرة
وهاموا على وجهٍ يُغالبه صعر
فأُوقِع فيها بين نار ومدغل
ورُشَّ عليه من مقالعهم صخر
وأوتره بكر بن حمران غيلة
فشق له بغيا ثنيته بَكْرُ
فنادى ألا من مبلغا سيد الورى
ليرجع مجبورا وإن مسني الكسر
فإني مقتول ولست بمرجف
ولكن خوفي أن يكابده الحصر
ألا أبلغوه أن كوفان أحدثت
على عهدها غدرا يعضده غدر
فخوفي على أهلي يبيدون دونه
ويقتل من يندى لطلعته البدر
فقد صبؤوا والله عن دين جده
وما زال تروي غلهم بالحشى بدر
وإن كان أدمت هند قلبا لأحمد
فما زال قصد القوم أن يعظم الوتر
يريدون أن يسبوا بنات محمد
ليبلغها من بعد عزتها الضر
ألا أبلغوه فليرد حريمه
ليرجعها خوفي يباغتها الأسر
مخافة أن تأتي العقيلة زينب
وإن رجائي أن يكون لها ستر
فإن جيء بالأسرى وفيهم حميدة
فلا تبلغوها أنني ضمني القبر
فما عقلوا قولا له ونصيحة
وقد أشربوا عجلا يُظن به تبر
فقيدَ إلى قصر الإمارة موثقا
كما قيد مولاه يؤازره الصبر
وألقوه يا لله من فوق شاهق
فليت على راميه ينتهك/يرتجم القصر
فصبرا على جمر المصيبة أدمعي
وليت الذي في القلب يعدله جمر
فمن مبلغ عنه الحسين بمكة
ولو عرفوه عنده العلم والسر
بأن له في سوق كوفان فلذة
يطاف بها سحلا تسمله الجر
وأن الذي آخى الحسين مقطع
تمزقه بيض ويرضخه صخر
ولست الذي يرجو بأن يُبلغ الألى
بهم سمت الأيام وافتخر القدر
بهم رفع الله السماء على الورى
بهم طلعت شمس يعضدها الفجر
ولكنني أرجو بأن أدرك الذي
جرى ليواسيني إذا نطق الشعر
فذلك يوم ليس يشبهه سوى
بقاء حسين مفردا صده الحصر
فناداهمُ أين الذين تعاهدوا
بأن يحفظوا أمري إذا فدح الأمر
وأين الأولى خطوا الرقاع وأكثروا
فجئت إذا بي راحتي منهم صفر
وإن سيوفا مشهرات بواديا
لنا أم علينا إن تعاورنا النفر
فسدوا الفضا بالحقد والخيل والضبا
وإن جهاز الغي في حربه القهر
ونادى فكان الصوت منه مجلجلا
وفي أذن الدنيا يجاوبه وقر
فكان جوابَ القوم سهمٌ بقلبه
يعالجه صدرٌ ويخرجه الظهر
ويطعنه النخعي سنانٌ بحربة
فليت بصدري ذلك الطعن والنقر
أيقتل ظمآنا حسين بكربلا
ويرقى على صدر ابن فاطمة شمر
حشاشته تغلي ظمى واقدا جمر
وأثوابه مصبوغة من دم حُمر
كما طَعْنُ رمحٍ فوق رمحٍ له دَسْرُ
كذا حافر من بعده وله كسر
حوافر تجري فوق شلو مبضع
ومن نقعها تذروه فهي له نشر
لأدموا حشى طه وفتوا فؤاده
وما فاتهم حتى لقد نقب الصدر
أيترك عريانا حسين على الثرى
وتصهره في الشمس لاهبة قفر
كأني بأحشاء النبي على الثرى
تقطعها العسلان والبُهَمُ البُخر
وما فاتهم عضو وجاوزه الردى
فوالله حتى نال خنصره البتر
ورأسٌ رسول الله يكثر شمه
ويشبعه لثما ويحتزه الشمر
وإن لنا صبرا بآل محمد
وإن بمالاقوه قد هدم الصبر
فيا سادتي إن دام قومي على الأسى
وإن حل فينا عاشر حالنا نكر
يُفَتُّ حشانا والبكاء سجية
فما حال موتور وحيلته الصبر
فعجل فدتك النفس يا خيرة الورى
فقد حل بالإسلام من وَتركم ضر
فعجل لنيل الثأر يبن خديجة
لزينب ثأر لا يعادله ثأر
ففي مجلس عماتكم دون منكر
أتدخل ديوان ابن هند نساؤكم
يطوف عليها الكأس واللهو والخمر
فوا ذلة الإسلام من بعد عزه
لقد ساد من بعد الحسين به صخر
فلا يك قد فرت بنو حرب منكم
كما فر في يوم بسوءته عمرو