إيهِ يا عينُ بالمدامعِ جُودي

وذَريها تَهمي غِزارًا وزيدي

 

ما لِعينٍ يَجوزُ أن تَكنِزَ الدَّمعَ

وكَنزُ الإسلامِ فوقَ الصعيدِ

 

لؤلؤُ الدّمعِ حَقَّ أن يُظهرَ اللَّمعَ

لثاوٍ على الثرى مَجهودِ

 

خَرَّ مِن جانبِ الطفوفِ حُسينُ

شَرِقًا بالجِراحِ لمَّا نُودي

 

قد تَجَلَّى ربٌ له فرآهُ

وهَوى مِن غرامهِ في سُجودِ

 

مِن على ظهرِ مُهرِه انهدَّ طودًا

راكبًا في الوغى على جُلمودِ

 

ظمأُ القلبِ نالَ مِنهُ ولم يُبقِ

بهِ النَّزفُ مُهجةً للصّمودِ

 

إن أرادَ الوقوفَ للأرضِ أهوى  فقُصارى قيامِهِ لِقُعودِ

 

فوقَ رَمضاءَ سعَّرَت تُربَها الشمسُ فأضحى كالجَمرِ ذاكي الوَقودِ

 

ليسَ يَسطيعُ أن يَشُدَّ لِجامَ

المُهرِ ضعفًا أو سرجَهُ للصعودِ

 

وأراهُ ما عوَّدتهُ يَداهُ

قبلَ هذا أن تَشكُوا مِن جُمودِ

 

فهُما النارُ تُشعلانِ لظى الحربِ

وغيثٌ ما بينَ أيدي الوفودِ

 

لكنِ السيفُ قد توسَّطَ يُمناهُ

يُواسيهِ مِثلَ خِلٍّ وَدودِ

 

ثَلَّمَ الضربُ حَدَّهُ الصُّلبَ لكن

جَلَّلَتهُ الدماءُ حُمرَ بُرودِ

 

عَلَقُ الدارعينَ شابَ شَباهُ

مثلَ حَليٍ مِن العقيقِ فَريدِ

 

وعلى نسجِ دِرعِهِ قد تَوالى

أثَرُ الطّعنِ فهو واهي الزُّرودِ

 

قنفذُ النّبلِ قد تفَيَّأَ فيهِ

ظِلَّ غابٍ مِن الرّماحِ قَصيدِ

 

لو رأى داوودُ الذي قد عَراهُ

لم تُقَدِّر سَردًا يدا داوودِ

 

ونَزيفٍ عانٍ عليهِ استَدارت

مِن أعاديهِ حَلقَةٌ مِن حَديدِ

 

كانَ إبراهيمَ الخليلَ أحاطُوهُ

لِيُلقُوهُ في لَظَى النِّمرودِ

 

ونبيَّ اللهِ الذي أوثَقُوهُ

ورَمَوهُ في لاهبِ الأخدودِ

 

بل شهيدًا فذًّا وشاهدَ عَدلٍ

يومَ يُقضَى في يومِهِ المشهودِ

 

وأعاديهِ حزبُ عادٍ وفِرعونَ

وأتباعُ أشقياءِ ثَمودِ

 

ما لَهم قد تَحاوَشُوه ضِباعًا

تَتداعى على جريحِ الأسودِ

 

أوَ ما كانَ شدَّ فيهِم ففَرُّوا

كنِعاجٍ تخافُ بَطشَ السِّيدِ

 

يُلحِقُ السيفَ خَلفَهم وهو عَضبٌ  بسنانِ المُثَقَّفِ الأملودِ

 

ضرباتٍ مِنه لها لَمعُ بَرقٍ

مُمطِراتٍ منهم دمَ الرِّعديدِ

 

وكما شاءَ رُمحُهُ طَعَناتٍ

فاغراتٍ مثلَ اتِّساعِ البيدِ

 

وزماجيرَ مِنهُ فيهم أصمَّت

منهمُ السّمعَ فهيَ قصفُ رُعودِ

 

لم يَرِقَّ العُتاةُ للبطَلِ الثاوي

وزادُوا في غَيِّهم والجُحودِ

 

قد رأوا وجهَهُ يَشُعُّ ضياءً

وخِضابُ النّجيعِ فوقَ الخُدودِ

 

ما رأوا قَطُّ مثلَ وجهِ حُسينٍ

وجهَ مُوفٍ على الهَلاكِ مَجودِ

 

فهو بدرٌ ما نالَ منهُ خُسوفٌ

وشهابٌ لم يقتربْ مِن خُمودِ

 

ظلَّ ما بينَهم فريدًا وحيدًا

يا لَهُ اللهُ مِن فَريدٍ وحيدِ

 

لا يَرى غيرَ شامتٍ أوحسودِ

أوعدوٍّ شاكي السلاحِ لَدودِ

 

فارقتهُ أحِبَّةٌ كلُّ نَدبٍ

مِن مَواليهِ ماجدٍ صِنديدِ

 

أطفأتهُم لوامعُ البِيضِ والسُّمرِ

مَصابيحَ تحتَ جُنحِ البُنودِ

 

أظلمَت كربلاءُ منهم ولكن

قد أضاءت بهم سماءُ الخلودِ

 

وهوى بعدَهم عليٌّ شهيدًا

هاشميًّا أكرِمْ بهِ مِن شهيدِ

 

كرَّ في الجيشِ كالهِزَبرِ ولم يُبقِ

مَجالاً لِجُندِه المَحشودِ

 

وعلى النّهرِ لاحَ يَلتَمِعُ البدرُ

أبو الفضلِ ذو النّدى والجودِ

 

لم يَذُقْ شربةً من الماءِ لكن

صانَ عهدًا ما كانَ بالمعهودِ

 

ثمّ أهوى يستقبلُ الأرضَ بالصَّدرِ صريعًا مِن ضربةٍ بعَمودِ

 

جرَّدُوا في الحسينِ حَدَّ مواضيهم وحدَّ القنا وحدَّ الحُقودِ

 

لم يُؤدُّوا حقَّ النبيِّ عليهم

فيه إلا بكلِّ تلك الحُدودِ

 

أنشبَ ابنُ النَّسرِ الدعيُّ بهِ

مِخلَبَ سيفٍ ماضي الغِرارِ مُبيدِ

 

فتَنَزَّى دَمٌ من الرأسِ يَنثالُ

على وجههِ وفوقَ الجِيدِ

 

ونَحاهُ مِن الخيامِ غُلامٌ

حَسنيٌّ يَشتَدُّ عدوَ طَريدِ

 

قال يا أيُّها اللئامُ ذَرُوا عمّي

ولا تقتُلوا – قُتِلتُم – عَمودي

 

فأبانُوا يُمناهُ في نَصرِ مَولاهُ

وغالُوا مِنهُ نَدِيَّ العُودِ

 

قَطعُوا غُصنَهُ الرّطيبَ وأردَوهُ

قتيلاً في مثلِ عُمرِ الوُرودِ

 

ليسَ يَهتَزُّ للمروءةِ إلا

علويٌّ مِن ذلكَ العُنقودِ

 

ثمَّ مالُوا على الحسينِ بضربٍ

وبطعنٍ مِن ماردٍ وعَنيدِ

 

وأتاهُ الباغي سِنانٌ يُرَوِّي

بسِنانٍ لهُ غليلَ يَزيدِ

 

في بواني الصّدرِ المُطهَّرِ حِينًا  والتراقي حينًا وحبلِ الوريدِ

 

وعلاهُ بالسيفِ زرعةُ لكن

لم يدَعْهُ الحسينُ غيرَ حَصيدِ

 

جَدَّلَتهُ يمينُهُ وهو وانٍ

ما بهِ غيرُ لَهثةِ المَكدودِ

 

ولقد غادر اللعينُ ابنُ وَهبٍ

طعنةَ الجَنبِ فيهِ كالأخدودِ

 

عاد منها الحسينُ مُنجدلاً

والخدُّ منه مُعفَّرٌ في الصعيدِ

 

ساقَهُ ظالمُوهُ للموتِ صبرًا

وأتَوهُ بجحفلٍ مِن جنودِ

 

وهو فردٌ ظامي الحُشاشةِ خالٍ

مِن عَتادٍ وعُدَّةٍ وعَديدِ

 

يَنشِدُ الماءَ للظماءِ ولكن

لا يرى مَن يُجيبُهُ لِنَشيدِ

 

مَنعُوهُ الماءَ المُباحَ ونادَوا

بل تَذوقُ الحميمَ يومَ الوُرودِ

 

وهو يَدعو بمطمَئنِّ فؤادٍ

في مَضيقٍ يُشيبُ رأسَ الوليدِ

 

بل أُلاقي جدّي النبيَّ وأُسقَى

مِن مَعينٍ عذبٍ له مَورودِ

 

ثم أشكو إليه ما قد فعلتم

وارتكبتم مِن طارفي وتليدي

 

وأتاهُ الجوادُ يُدني لَهُ فضلَ

لِجامٍ على الثرى ممدودِ

 

يَخضِبُ العُرفَ مِن دِماهُ ويستافُ برَيَّاهُ مثلَ عَرفِ العُودِ

 

ثم يأتي الخيامَ يُعلي صهيلاً

مِلءَ وهدِ الطفوفِ ملءَ النُّجودِ

 

إذ يقولُ الظليمةَ اليومَ مِمَّن

قتلوا ابنَ النبيِّ مَولى الصِّيدِ

 

فتراهُ النّساءُ لكن تَراهُ

خاليَ السّرجِ مِن خيالِ العميدِ

 

عاثرَ الخطوِ في اللّجامِ وجيعًا

جائلاً حولَ خِدرِهِنَّ المَشيدِ

 

فيُبادِرنَ نَحوَهُ بقلوبٍ

خافقاتٍ يَندُبنَ خيرَ فَقيدِ

 

أين فخري هذي تقولُ وهذي

أين ذخري بل أين بدرُ سُعودي

 

أين وُرقُ الحمامِ مِنهُنَّ في النَّوحِ وليسَ البُكاءُ كالتغريدِ

 

وتوجَّهنَ نحوَ مَصرعِهِ الدامي

بحُزنٍ وعَبرةٍ ونَشيدِ

 

قُلنَ هلاّ عنِ الحسينِ عَفَفتُم

وكفَفتُم أما بكم مِن رشيدِ

 

ليس مِن مسلمٍ بكم وحَُدَ اللهَ

ولكن كنتم شِرارَ العبيدِ

 

ثم نادَينَ يا بنَ سَعدٍ حَرِيٌّ

أنتَ بالخِزيِ والقِلى والصُّدودِ

 

أتَرى – لا هُديتَ – أنَّ حسينًا

هانَ عند اللهِ الوليِّ الحميدِ

 

بل وَشيكًا تَرَونَ مِنهُ نَكالاً

ثُمّ تُلقَونَ في العذابِ الشّديدِ

 

غيرَ أنّ الشقيَّ أعرضَ عَنهُنَّ

ونادى ولم يخَفْ مِن وعيدِ

 

مَن يُريحُ الحسينَ قتلاً فقد أعيا

قِتالاً وما بهِ مِن مَزيدِ

 

ساعةً إذ تغيَّرَ الكونُ واظلمَّت

نَواحِيهِ بالرّياحِ السُّودِ

 

وإذا رأسُ سِبطِ أحمدَ زاهٍ

فوقَ عالٍ مِن الرماحِ المِيدِ

كليم الحسين (ع) 1446هـ

 
... نسألكم الدعاء ...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *