قالت و لوعات تجيش بصدرها
و الوجد يغلبها و حينا تغلب
كانوا أمانينا و ماء عيوننا
و النبض و العزم الذي يتوثب
و خليفة الماضين نذكر فيهم
حلو الشمائل و الخصال فنطنب
و نقول هم نور الحياة إذا بدوا
إن غاب نجم لاح منهم كوكب
و نعود بالذكرى لأيام مضت
أيان تشرق من ضياهم يثرب
فبيوت أحمد زاهرات لم تزل
و معينها الصافي الذي لا ينضب
أذن الإله لها فكانت قبلة
فيها الشفاعة و الهداية تطلب
ميراث وحي الله جل جلاله
و سبيله السهل الجلي الأقرب
و تلاوة الآيات في أسحارها
و صلاة خوف ما أتاها مذنب
يخشون يوما هم على أعرافه
و مشفعون فقولهم لا يحجب
ما جاءهم بالباب طالب حاجة
إلا تحقق بالمراد المطلب
كنا إذا خرج الحجيج استأذنت
منا القوافل و الركاب ليصحبوا
طلبا لحج السبط، هديا، هيبة
أمنا و تشريفا يسير الموكب
و على الطلائع كل شهم أصيد
الشمس تستحيي ضياه و تغرب
وعلى النجائب في المسير هوادج
لبنات طه كي يطيب المركب
فالستر من فوق العفاف يحوطها
و الخدر من فوق الركائب يضرب
لم تعرف الأقتاب في ظل الحما
و الدهر في أطواره متقلب
كانوا أمانا للبلاد و أهلها
برحابهم يأوي الشريد المرعب
من خاف ضرا يلتجي لسبيلهم
فالشر عنهم هارب متنكب
إذ كيف يقربهم و هم أسد الشرى
الباطشون إذا الكريهة تنصب
متهللون إذا المنايا قعقعت
منها الأعنة إذ سواهم يشحب
أبناء من خاض الغمار بصارم
ما زال من دم الأشاوس يشخب
أردى ابن ود يوم صال بسيفه
وله على الرمضاء أركس مرحب
فبنوه في يوم الوغى أشباهه
ما طاش رأي أو تزعزع مذهب
إن أقبلوا حصدوا فكان حصادهم
ثمرا لما بسيوفهم قد أعطبوا
أو أدبروا فلأنهم لم يتبعوا
من كان من خوف المنية يهرب
وطأوا صماخ عداهم بنعالهم
فلهم بها ناب يبت و مخلب
و تغلبوا رغما على أنف الردى
أمثالهم لم يخلقوا كي يغلبوا
و بنوا لهم مجدا بأعواد القنا
بحروف نور في الخلود سيكتب
فكذا بنو العلياء أشبال الهدى
جمعوا تراث المكرمات فأسهبوا
كانوا و كنا يا بني و لم يعد
إلا العليل مع النساء و زينب
فبيوتهم أمست خرابا بلقعا
صار الغراب على ذراها ينعب
ولهم بيوت بالمشاعل أضرمت
مذ فارقت من كان فيها يرهب
أما الركائب فهي عجف غودرت
لا محمل يؤوى إليه فتركب
و بنات من كان الغمام يظله
لا ظل يسترها و لا هي تحجب
سيقت سبايا الشمر فهو يسبها
حينا و حينا بالمهامز تضرب
واسأل اذا شئت الذين استضعفوا
قوم لهم أعلى المروءة ينسب
يأتيك بالحال الجواب فإنهم
لم يبدلوا أدنى بما هو أطيب
كأس الجنان تمثلت لنواظر
فغدا لها كدرا فرات أعذب
و كأنما طالوت خاطبها بأن
من كان مني صبره لا يشرب
و اسأل شبابا قال عرسي في السما
و لأجله من فيض دمي أخضب
الموت شهد في فداءك سيدي
بل غاية الآمال و هو المأرب
و اسأل حسينا ما لرزءك حاضرا
في كل قلب مؤمن يتلهب
في كل عام و المصاب مجدد
ينعى و يبكى بالدموع و يندب
إن كان أصحاب الرقيم عجائبا
فالرأس من فوق القناة الأعجب
كليم الحسين (ع) ١٤٤٥هـ – أنشدني في الحسين